بوناصر المصطفى: تحلية الماء.. تلك الصناعة المتنامية بتحدياتها المحتملة؟

بوناصر المصطفى: تحلية الماء.. تلك الصناعة المتنامية بتحدياتها المحتملة؟ بوناصر المصطفى
كان دائما لعنصر الماء دور أساسي في النزاعات الإقليمية والدولية، إلا أن ندرته نتيجة التغيرات المناخية شكل عنصر تحدي بارز وارد في السياسات الدولية، لذلك جاءت تقنيات تحلية المياه العادمة أو ماء البحر على الخصوص كأحد الحلول السحرية للتخفيف من هده الحدة، رغم كونها تستهلك كميات وفيرة من الطاقة فضلا عن مخاطرها على البيئة والحياة البحرية.

لم يكن الاهتداء إلى تقنية التحلية بالمستجد في تاريخ البشرية، إذ سبق لجا الإنسان إلى استغلال مياه البحر وتحويلها إلى صالحة للشرب منذ القدم، فكان البحارة اليونانيون القدماء يلجؤون إلى غلي مياه البحر، فيما عمد الرومان القدماء كذلك إلى استخدام أنابيب طينية لإزالة ملوحة مياه البحار.

رغم ما يشكله الماء في مساحة الأرض بنسبة تقدر بسبعين في المئة، إلا أن المياه العذبة تبقى محدودة نتيجة الضغط المتزايد لعدد سكان الكوكب، وتوزيع المياه العذبة بشكل غير عادل مع تكرار مواسم الجفاف بطريقة شبه متواترة جراء تفاقم ظاهرة التغير المناخي.

كما أن نسبة لا يستهان بها من سكان الأرض لازالوا يمارسون إجهادا مائيا شديدا، ويستخدمون ما لا يقل عن 80% من إجمالي إمدادات المياه المتاحة لها سنويا، مما يعرض سكانها لخطر نفاد المياه، ويجبر حكوماتها على تقييد هده الإمدادات بإجراءات شاذة في أغلب الأحيان.

في ظل استمرار هده التداعيات المناخية، ومع ارتفاع درجات الحرارة، من المنتظر أن يواجه مليار إنسان آخر أزمة حادة في ندرة المياه العذبة بحلول عام 2050 والتي يبدو انها ليست بالبعيدة.
فإلى أي حد استطاع الانسان التفاعل مع هده التهديدات؟
وهل يعي كل انسان مسؤول مخاطر هده التداعيات على الامن في العالم؟

يعد انتشار هده الصناعة بشكل متنامي والإقبال المنقطع النظير بالاستثمار في إنجاز مزيد من محطات التحلية دون إدراك انعكاساتها السلبية على البيئة عموما واستهلاكها المفرط لمصادر الطاقة، إذ تبقى من المعادلات الصعبة التي تواجه الانسان الحالي، فهي تحتاج الى مزيد من الدراسة والتمحيص مادامت هناك تقنيات متعددة مطروحة لإزالة الملح من الماء بشكل يومي، إما باستخدام التقطير الحراري وتسخين السائل وتجميع البخار، أو من خلال تقنية التناضح العكسي وهي تقنية يتم من خلالها دفع الماء من خلال غشاء شبه منفذ ليخرج الماء النقي من الجانب الآخر، ربما ان أغلب هذه التقنيات غير مجدية ولها اكراهاتها الخاصة.
إلا أن الطرق البديلة الأكثر جدارة للحصول على المياه العذبة، ومن غير المستبعد اعتمادها لتلبية احتياجات العالم من المياه العذبة، محصورة في نقل الجبال الجليدية إلى المناطق القاحلة رغم تكلفتها لتصبح التقنية الأكثر جدوى هي استمطار السحب صناعيا.

بغض النظر عن كل هده المجهودات ذات الكلفة المالية والتقنية، لازالت الكمية المحلاة غير كافية خصوصا في مناطق الشرق الاوسط وشمال افر يقيا، بما يعادل حوالي سبعة لترات لكل شخص على وجه الأرض، بحث تعد هده المنطقتين على وجه الخصوص موطن انتعاش محطات التحلية، أي ما يناهز39 بالمئة من العدد البالغ عددها ستة عشر ألف محطة عبر العالم.

إن مواجهة الخصاص المحتمل يضع البلدان التي تعيش إجهاد مائيا أمام تحدي بقائها، فالمياه المالحة تشكل نسبة مهمة من المياه المستخدمة على أن هده النسبة في ارتفاع مطرد في بلدان في الشرق الأوسط وشمال افريقيا لهذا باتت تقنية التحلية إشكالا مطروحا ليس بالنسبة للدول الفقيرة والتي سوف تواجه عوزا تقنيا وماليا، وبالتالي من المتوقع أن تتحول البلدان الفقيرة مثل دول منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، بؤر توثر ساخنة لندرة المياه في القريب.

لم يكن الانخفاض المسجل في الوقت الراهن في تكلفة تحلية المياه بمعدل 0.50 دولار لكل متر مكعب من المياه ليعطي إشارة إيجابية، لكون التقنية لازالت منحصر في دول بعينها، إذ أن الكثير من البلدان ذات مصادر الدخل المنخفض غير قادرة على ذلك، وأن أكثر من 90% من عمليات تحلية المياه تتم في بلدان ذات دخل مرتفع بالكاد متوسط، مادامت تقنية التحلية المعتمدة على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح هي تكنولوجيا بعيدة عن المتناول في الدول الفقيرة رغم الحاجة الماسة إليها.

لقد الوقود الأحفوري المولد للغاﺯﺍﺕ ﺍﻟﺪفيئة هو المصدر المسيطر في أغلب محطات توليد الطاقة لذلك صار هو التحدي الاكبر الذي يهدد البيئة، دول كثيرة اعتمدت تقنية التحلية هذه بشكل كبير مما يهدد برفع منسوب حرارة الارض بنسبة 2% أما المعتمدة على الطاقة النووية فأخطارها أشد فتكا بالإنسان.

لذلك ارتبطت الزيادة في الطلب على المياه العذبة بشكل ميكانيكي بأحد عوامل نمو صناعة تحلية مياه البحر، لهده الاسباب لجات معظم الدول على محطات التحلية بتقنية جديدة تستخدم ما يسمى بالتناضح العكسي بدلا من العمليات الحرارية، وهذ أكثر كفاءة في ترشيد استهلاك مصادر الطاقة إلى ما قد يصل إلى نصف استهلاك الكهرباء، هكذا اثبتث الدراسات أن تقنية التناضح العكسي تخفض استهلاك مصادر الطاقة بنسبة 90% وهدا يشير الى أن التقدم التكنولوجي يراهن في المستقبل على تخفيض تكاليف تحلية المياه بنسبة 60%.

فهل من مضار تحمله تحلية مياه البحر لتصبح صالحة للشرب على الحياة البحرية؟

لقد بات مطرحا أن تقنية تحلية ماء البحر تشكل خطرا بيئيا رئيسيا يهدد تلوث البيئة البحرية أو المياه الجوفية أو زيادة ملوحة المياه، وأمام هده الإكراهات جميعها يبقى البحث عن طرق علمية لتحسين تدبير هده المياه الشديدة الملوحة وتحولها إلى مصادر للطاقة الخضراء.

أكيد أن التبني لنهج شامل ومستدام هو السبيل لتحقيق توازن أفضل بين تلبية احتياجات المياه، وحماية البيئة، إلا انه قبل الإقرار باستدامة هذه التقنية من الناحية البيئة، فتحدياتها كثيرة تقتضي التغلب عليها وحل تلك المعادلات الصعبة لتكون فعلا حلا سحريا لمشكل ندرة الماء في هذا الكوكب، وبالتالي ضروري استحضار شروط ومعايير لحصول الغاية الفضلى:

1-تعزيز تكنولوجيا الحفاظ على المياه وزيادة كفاءة استخدامها في الزراعة والصناعة

2-تطوير أنظمة لمعالجة وإعادة استخدام المياه المستعملة، مما يقلل من الحاجة إلى تحلية مياه البحر

3-الاستثمار في مصادر المياه البديلة وتطوير تقنيات لجمع وتخزين مياه الأمطار والجوفية منها.

4-نشر الوعي حول أهمية الحفاظ على الموارد المائية وكيفية استخدامها بشكل مستدام.

5-الاستثمار في أبحاث جديدة لتطوير تقنيات تحلية أكثر استدامة وأقل تأثيرا على البيئة.

6-وضع سياسات لحماية الحياة البحرية والمناطق الحساسة من التأثيرات السلبية لعمليات التحلية.

-لماذا فرطنا كثيرا في التفاؤل بأن تحلية ماء البحر صناعة دون مخاطر على المستقبل المستدام للحياة البحرية والبيئة؟

- هل فكرنا في حلول أكثر نجاعة؟