محمد يسين: الزَّحْشُ

محمد يسين: الزَّحْشُ محمد يسين
هناك في قرية،مطلة على "وادي أحمري" الفصل بين مجموعة من المداشر والقرى، بقبيلة بني يازغة،جمعتهما ظروف الحياة، في ازقة المدشر، بين منازله الطينية الدفيئة شتاءا،والباردة صيفا...تبادلا النظرات،اقترب كلاهما من الآخر،بدأت المطاردة والنهيق، تنتفخ أوداج الحمار الأرقط وأشياء أخرى، كانا في سباق محموم تارة يسبقها للأمام ، وأحيانا تسبقه ركلاتها القوية الموجهة لخياشيمه بهدف إسكات فورته، فيميل برأسه تفاديا لغير المحمود،جريٌ بين الأزقة ودروب المدشر المتراصة منازله الطينية،وكأنها ألصقت بالمنحدر التصاقا...
تكررت المحاولات تحت نظرات الأطفال وهم في الطريق للمدرسة الابتدائية التي توجد على مسافة من الدواوير المتباعدة،على طول المنحدر،وصولا إلى الوادي الفاصل للمداشر ...مدرسة ابتدائية تتواجد في دوار أولاد أَمْكَرْحَنْ"، لكن وللعجب أطلق عليها اسم " مدرسة أولاد سحنون"،رغم بعدها عن ذاك المدشر بحوالي كيلومترين، تحكي روايات الأجداد،أن أصل التسمية في إلحاق المدرسة بدوار بعيد عنها،كان بقرار من قائد من قواد الإستعمار،حكم المنطقة بيد من حديث وقتها،ووقعت له واقعة،حين انتفض عليه أبناء المنطقة من أمطرناغة السفلية-كادت روحه أن تزهق، لولا امرأة من نسوة المدشر، غطته بغطاء حين سقوطه طريح الأرض،قائلة أنه مات أنه مات...
بعد حين من الدهر فرح الحاج عسو، بمولود زحش للأثان،تزامنت ولادته مع ولادة عجل من البقرة الصفراء الفاقع لونها،فرح العم عسو بالعجل لأنه سيفي مستقبلا بتجهيز عرس لابنه البكر.كما فرح بالزحش الذي سيساعده حين الكبر على جلب قنينات الماء وقضاء مآرب أخرى من الغابة أو السوق الأسبوعي.
كبر الزحش والعجل وكأنهما ثوأمين، بعد حين من الدهر،بلغا مبلغ الرجال - كما نقول في أمثلتنا الشعبية - كان الزحش الراشد،يجري وينط من هنا إلى هناك، ويضرب في الأرض بحوافره،كأنه يحفرها حفرا ...
في المنحدر وهو يستلد بإنجازاته صاح مزهوا في أذن أمه الأثان:
شاهدي خفتي وركلاتي المضبوطة يا أمي...لملمت الأثان شفتيها ،انفرجتا على أسنان متراصة بارزة للعيان...صاحت فيه قائلة:
إوى زعما كبرتي وارجعتي "احمار".
عقب عليها الزحش بنبرة قوية: ألى ترين أنني كبرت وصرت كذلك "حمارا"، وعما قريب سأتربع على كرسي القرارات، بجانب النمور والسقور ".
ضربت الأثان بقوائمها على الأرض قائلة: ليس مستحيل التحقيق يا زحشي القوي،أنت في جغرافية "حميرية"، لن يكون عجبا أن ترقى لما تصبو اليه ما دمت تحمل جينات الإصطبلات،تلك التي اختلط فيها الحابل بالنابل، حين كثر احتكاك مراهقي المدشر بجوارنا، ووصل من هم أقل شأنا منا لمجالسة النمور والفهود والسقور.
طأطأ الزحش رأسه، في الغابات الإستوائية...صاح في الأم قائلا: لنعمل على تغيير أسمائنا لتكون قابلة الإمتزاج مع تلك الحيوانات المحضوضة، التي استوطنت لها طنافس ساخنة قرب العرين…