عندما زار الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون للمغرب عند نهاية أكتوبر من السنة الفارطة، تناثرت في الساحة الإعلامية تحاليل وتعقيبات بعضها لمحللين ثَمَّنوا الزيارة والمواقف المعلن عنها إبانها، من لدن قائد ربابنة الجمهورية الفرنسية الخامسة، وخاصة من هؤلاء، أصدقاء المغرب والداعّمون لمشروعية قضيته الأولى، وفي طليعتهم أشقاؤه في دول الخليج العربي ومصر والأردن والعراق، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية...
ورأى بعض آخر في الزيارة ذاتها مجرد محاولة من الرئيس الفرنسي لِتَدارُكِ ما ضاع من ماء وجه فرنسا، في الداخل الفرنسي، الذي تزعزعت فيه الأغلبية "غير المريحة" التي كان ينعم بها الرئيس ماكرون على علاّتها من جهة، وفي الخارج على مستوى العلاقات الفرنسية الإفريقية عامةً، ومع دول الساحل الإفريقي الثائرة خاصةً، من جهة ثانية.
وكما كان متوقعاً، انطلق بعضٌ ثالثٌ في ماراطون السب والشتم والقطيعة، بقيادة دولة الكابرانات الشائخة والمعربدة، وبعضوية محتشمة لبلدان الفقر الأفريقي المدقع، تقودهم وتمسك زمامهم جمهورية جنوب إفريقيا، ليس اقتناعاً أو بناء على مقدمات منطقية وعقلانية ومعقولة، وإنما طمعاً في المزيد من فُتات "الغازودولار" الجزائري، الذي اعتادت الموراديا ونزلائها المسطولين على الإنفاق منه بمنتهى السَّفَه والعربدة!!
كنت أقول، عندما زار الرئيس ماكرون المغرب، لم يقف الأمر عند فحوى خطابه التاريخي بالبرلمان المغربي، بوصفه رابع رئيس فرنسي يتوجه إلى نواب الأمة المغربية ومستشاريها، بل تخطى ذلك إلى صياغة برنامج للشراكة والتعاون المغربيين الفرنسيين تخطى التوقيع على أربعين اتفاقية بمظروف مالي استثماري إجمالي بقيمة عشرة ملايير يورو، ليلامس مجالات تعاون أخرى عبّر عنها الرئيس الفرنسي في خطابه ذاتِه بالتأكيد على اعتزامه هو وحكومته ومؤسسات دولته السيرَ بعيداً في طريق تطوير شراكة مستديمة ونموذجية!!
إن الذي لا ينبغي أن يتسلل إليه الشك ولا الريبة، هو أن الرئيس ماكرون كان بكلامه ذاك يُومِئُ إلى "التنافس الفرنسي الإسباني الشديد والمتنامي" على مرتبة الشريك الأول "لمغرب اليوم"، الذي لا يشبه في شيء "مغرب الأمس"، بعد أن استطاعت إسبانيا انتزاع تلك المرتبة على مدار السنوات الأخيرة، التي كانت فيها العلاقات المغربية الفرنسية ضحية الإصرار السابق لفرنسا على البقاء في المنطقة الرمادية!!
لقد كانت فرنسا، بذلك التردد، تحاول الإبقاء منها على شعرة معاوية مع جزائرَ مصابةٍ بفوبيا متقدّمة، بل في مراحلها المَرَضية الأخيرة، وكذلك لضمان تدفق الغاز الجزائري إلى خزّانات فرنسا وأوروبا، تَزامُناً مع الحرب الروسبة الأوكرانية، التي جعلت شتاء أوروبا الصقيعي القارس، وشديد البرودة، يدفع أوروبا بالكامل إلى طلب ود أنظمة كسيحة وفاسدة مثل نظام الجزائر الحائز، بشهادة العالَم قاطبةً، على أرقى المراتب في النصب والابتزاز وخيانة العهود ، وفي عدائية وعدوانية تجاه الغير، وتجاه فرنسا، المتصالحة مع ذاتها ومع المملكة المغربية الشريفة، ليس لهما ما يبررهما على الإطلاق!!
معذرة... فلهما مبرر وحيد ومنفرد، يتمثّل في "كابوس ذهاب ريح البوليساريو إلى غير رجعة"... والبوليساريو، لمن لا يزالون يشكّون في دوافع العشق الجزائري لذلك المسخ، يشكّل بكل المعايير عِلّةَ وجود نظام العساكر العجزة وبالتالي، فذهاب تلك العصابات الإرهابية يعني باللزوم وبتحصيل الحاصل ذهاباً أكيداً للنظام الجزائري، وانتهاءً منطقياً لكل عصاباته وزبانيته إلى مطرح قمامة التاريخ!!
ماكرون جاء إذَن إلى المغرب ليدقّ المسمار الأكبر في نعش نظام يرفض أن يذهب ويختفي بلا ضوضاء ولا جَلَبة، وبلا دويٍّ رعود تصم الآذان، لأنه نظام فضائحي بلا حياء ولا مروءة ولا ذمة، ولذلك شاهدنا بعد زيارة الرئيس ماكرون تَوافُداً متواتِراً ومتسارعاً لمسؤولين حكوميبن ومنتخبين من الغرفتين، على المناطق الصحراوية المغربية بشكل خاص، وفي يد كل منهم مسماراً إضافياً يدقّه من هناك في ذات النعش... والأيام القادمة بيننا!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي