كريم مولاي: الجزائر وفرنسا.. هل تكفي المناورات الاقتصادية لتغيير موازين القوى؟

كريم مولاي: الجزائر وفرنسا.. هل تكفي المناورات الاقتصادية لتغيير موازين القوى؟ كريم مولاي

لا يكاد يمرّ يوم دون أن نسمع تصريحات رسمية أو شبه رسمية جزائرية تعادي فرنسا، وكأن العلاقة بين البلدين محكومة بلغة الصراع الأبدي. آخر هذه التوترات جاء على خلفية دعم باريس لخيار الحكم الذاتي في الصحراء، وهو موقف أزعج النظام الجزائري إلى حد جعله يرفع منسوب العداء تجاه فرنسا، وكأنها ارتكبت خطيئة لا تُغتفر.

 

لكن هل يمكن اختزال هذا العداء في ملف الصحراء فقط؟ أم أن النظام الجزائري يستثمر في تأجيج المشاعر القومية لتغطية أزماته الداخلية؟

 

عداء انتقائي يخدم أجندة النظام

إذا تأملنا السياسة الخارجية الجزائرية، نجد أن العداء لفرنسا يتم تفعيله وإخماده وفقاً لحاجات النظام الحاكم. ففي أوقات الأزمات الداخلية، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، يتم تصعيد الخطاب المعادي لفرنسا كوسيلة لصرف انتباه الرأي العام عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الجزائريون. فبدلاً من تقديم حلول لمشاكل البطالة، الفساد، وتدهور الاقتصاد، يتم تقديم فرنسا كعدو خارجي يهدد “السيادة الوطنية”.

 

لكن المفارقة الكبرى تكمن في أن هذا العداء لا يكون صلبًا في كل المجالات، فالجزائر تهاجم فرنسا في العلن، لكنها تعتمد عليها في الاقتصاد والتجارة والتعليم والتكنولوجيا. كما أن رموز النظام الجزائري أنفسهم يرسلون أبناءهم للدراسة في الجامعات الفرنسية، ويتلقون العلاج في مستشفياتها، ويستثمرون أموالهم هناك، فكيف يمكن تفسير هذه الازدواجية؟

 

الصحراء المغربية.. ذريعة أم سبب جوهري؟

صحيح أن قضية الصحراء المغربية هي ملف حساس في السياسة الجزائرية، لكن دعم فرنسا لخيار الحكم الذاتي ليس مفاجئًا، فهو امتداد لمواقف أوروبية متزايدة ترى أن مقترح المغرب هو الحل الواقعي الوحيد. ومع ذلك، تصر الجزائر على التعامل مع هذا الموقف وكأنه إعلان حرب دبلوماسية، رغم أن دولًا أخرى—مثل إسبانيا وألمانيا—تبنت مواقف مماثلة دون أن يؤدي ذلك إلى قطيعة مماثلة.

 

هذا يطرح سؤالًا جوهريًا: هل المشكلة حقًا في الموقف الفرنسي، أم أن النظام الجزائري يستخدمه كذريعة لتعزيز شرعيته داخليًا؟

 

من الواضح أن النظام، الذي يواجه ضغوطًا داخلية بسبب فشل سياساته، بحاجة إلى خلق عدو خارجي يبرر به إخفاقاته، وليس هناك “خصم” أسهل من فرنسا، بالنظر إلى التاريخ الاستعماري بين البلدين.

 

هل رهان الجزائر على أمريكا سيُضعف فرنسا؟

في سياق محاولاتها لإيجاد بدائل عن النفوذ الفرنسي، اتجهت الجزائر مؤخرًا إلى استغلال ثرواتها المعدنية كورقة ضغط دبلوماسية. وكان تصريح وزير الخارجية السابق السفير الجزائري الحالي بواشنطن صبري بوقادوم، الذي عرض موارد الجزائر المعدنية، بما في ذلك المعادن النادرة، على الولايات المتحدة، إشارة واضحة إلى رغبة الجزائر في تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على فرنسا.

 

لكن السؤال المطروح: هل يمكن أن يؤدي هذا التوجه إلى إضعاف النفوذ الفرنسي في الجزائر؟

 

عمليًا، من الصعب تخيل أن واشنطن ستعوض باريس بالكامل، فالشركات الفرنسية لها حضور قوي في الاقتصاد الجزائري، والروابط الثقافية والتعليمية عميقة، وهو ما يجعل من الصعب إزاحة فرنسا بسهولة. كما أن العلاقات الأمريكية-الفرنسية تظل قائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة، ما يعني أن واشنطن لن تدخل في مواجهة مفتوحة مع باريس من أجل الجزائر.

 

أما بخصوص مواجهة المغرب، فمن غير المرجح أن يؤدي التعاون الجزائري-الأمريكي إلى إضعاف موقف الرباط، خاصة أن المغرب نفسه يعزز شراكاته مع واشنطن في مجالات الأمن والدفاع والتكنولوجيا. وبالتالي، فإن تحركات الجزائر قد تحقق بعض التوازن، لكنها لن تغير موازين القوى جذريًا.

 

النتيجة.. مناورة محدودة التأثير

الاستمرار في هذه السياسة العدائية تجاه المغرب الذي يكسب يوما بعد يوم مزيدا من المؤيدين لخياره، لن يجلب للجزائر أي مكاسب حقيقية، بل على العكس، سيزيد من عزلتها الدبلوماسية ويضعف علاقاتها مع شركاء استراتيجيين. أما الرهان على أمريكا كبديل اقتصادي لفرنسا فقد يكون خطوة مفيدة اقتصاديًا، لكنه لن يكون كافيًا لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة.

 

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل المشكلة في المغرب انها تدافع عن وحدتها وسيادتها أم في فرنسا التي تبحث عن مصالحها، أم في غياب استراتيجية جزائرية واضحة لخدمة مصالحها بعيدًا عن الشعارات السياسية؟

 

كريم مولاي، خبير أمني جزائري - لندن