لحسن العسبي: سعيد منتسب وجائزة المغرب للكتاب.. الفوز الأبقى للأدب

لحسن العسبي: سعيد منتسب وجائزة المغرب للكتاب.. الفوز الأبقى للأدب لحسن العسبي (يمينا) وسعيد منتسب (يسارا) إلى جانب غلاف الرواية
فاز الكاتب والأديب المبدع المغربي الشاب سعيد منتسب بجائزة المغرب للكتاب ضمن خانة "السرد" عن روايته "حساء بمذاق الورد" الصادرة بالعاصمة الأردنية عمان عن دار النشر "خطوط وظلال". وهو تتويج مستحق اعتبارا للذائقة الأدبية التي يصدر عنها منتسب منذ سنوات، كونه يمزج دوما بين الفانتاستيكي والعجائبي والنحت في اللغة بما يهب لنصوصه أن تكون أقرب لأطروحة فلسفية في تمثل العلائق الإنسانية وتعقدها وتشابكها. كل ذلك تحت سقف تجارب الألم بذات الشكل الذي تبلور ضمن تيارات أدبية عالمية من مختلف الألسن، لعل الأقرب إلى تجربته الأدبية هي تجربة الشاعرة والأديبة الإيرلندية إيميلي برونتي.
 
لكن، إذا كان هنا ليس مجال الكتابة عن روايته "حساء بمذاق الورد"، التي تتطلب قراءة نقدية مستقلة، فإن الروح الثاوية فيها مستمدة من تجربة طفولة الكاتب وعلاقتها بالمكان وبالأم. ذلك أن والدة الكاتب سعيد منتسب المرحومة السيدة "تودة" (إسم أمازيغي عتيق يعني "كفاية") تقدم سيرتها عنوانا هائلا للمقاومة من أجل عيش ومن أجل كرامة ومن أجل نخوة المروءة، في صمت وصبر ونكران للذات هائل ومشرف. وحساء الرواية هو في مكان ما حساء سيرتها العطرة تلك، الذي ليس اعتباطا أن اختار له الكاتب أن يكون مقرونا ب "مذاق الورد". ذلك أننا حين نستحضر أن سعيد منتسب سليل عائلة أمازيغية من قلعة مكونة (عاصمة الورد بالمغرب) نفهم الكثير من الدلالات في تركيب النص الروائي.
 
إنه نص وفاء للأم في نهاية المطاف، بذات الشغف الذي نجده في رواية "الأم" للأديب الروسي ماكسيم غوركي.
علينا ألا ننسى أن سعيد منتسب قاص في الأساس، أي أنه من تلك القبيلة من المبدعين الذين يروضون الحكايات من باب التكثيف (القصة القصيرة) وليس من باب التفصيل (كما في الرواية). لكنه قاص بلغة شاعرية، تنسج المواقف ولا تحنط الصور عبر ترتيب للجمل والكلمات. مما منحه دوما أن يكون صاحب "لغة مختلفة في القصة المغربية"، قريبة من لغة رائد القصة القصيرة المغربية أحمد بوزفور ومستقلة عنها أيضا لاختلاف الذائقة الأدبية كما نحتتها التجربة الإنسانية والمعرفية لكل واحد منهما. وبدون مبالغة يمكن الجزم على أن سعيد منتسب رائد جيله من القصاصين المغاربة الموسومين إجرائيا ب "جيل الشباب في القصة القصيرة" (حتى وهذا التوصيف الجيلي لا معنى له أكاديميا وعلميا وأدبيا).
 
في مكان ما، لا يفرح القارئ فقط بتمايز صوت منتسب الأدبي حكائيا، بل بكونه يرتقي أسلوبيا ولغويا وتركيبيا بالشخوص والحبكة إلى مستوى تجارب أدبية رائدة من مستوى ما بلغه أسلوب أنطونان تشيخوف الروسي. هل لأن تجربة المأساة إنسانيا واحدة بين سهوب جبال الأورال وجبال الأطلس الصغير في ذلك الجنوب المغربي الضاج بالحكمة والكرامة، المطوق بالعوز والتحدي من أجل تمرة نخلة أو وردة في شجرة دفلى على جنبات الأودية في تلك الشساعة الممتدة بين زاكورة ووارزازات وتنغير وطاطا؟ قد يكون.
 
إن تجربة اليتم (الفقدان) تشحذ دوما الكثير من الصدق مع الذات من باب التحدي لاستحقاق مكان تحت الشمس وبين باقي الأقران والكواسر البشرية. وتجربة يتم الأب صنعت عاليا الرؤية الإبداعية لأديبنا المغربي سعيد منتسب، من باب اليقين ألا يعول الواحد تحت السماء العارية سوى على مخالبه في غابة الحياة. وأن الكتابة بعض من السبيل للتصالح مع الوجود والكينونة، كأفق منتصر للأبقى، الذي هو صناعة المعنى الذي يهدي الطريق للكثير من التائهين فوق أديم الأرض.
 
هنا انتصار الكاتب سعيد منتسب الأكبر، أنه نحت لنفسه قيمة أدبية كتجربة للكتابة متصالحة مع أسئلة الوجود الكبرى، عبر مداخل الغوص في التركيب المعقد للنفس البشرية وما يصهرها من نار حياة. فربح الأدب المغربي بذلك طاقة إبداعية متمايزة، تنحت في صمت (لكن بإصرار) معنى قيميا رفيعا لشئ إسمه "الذائقة الأدبية المغربية"، سيكون لها أثرها في القادم من القراءة مستقبلا، لأن أزمة التيه المتحكمة في أجيال اليوم تربويا ومؤسساتيا، لا تسمح لهم بالإنتباه كما يجب لقيمة كتابة أدبية مثل التي يصدر عنها كاتبنا المغربي سعيد منتسب (دونكيخوتي أنصفه الزمن القادم وليس زمن كتابة الرواية).
 
إن جائزة المغرب للكتاب في نهاية المطاف ليست سوى لحظة صغيرة أما مشروع أدبي يريد أن يكون أكبر في امتداد الزمن، تقوله نصوص رائقة من قيمة باقي إصدارات مبدعنا المحترم: "قبو إدغار آلان بو"، "ضد الجميع"، "تماسيح مصممة لقول شيء ما"، "تشبه رسوم الأطفال"، "ريش وأثقال" وغيرها كثير.
 
هنيئا الصديق والأخ سعيد منتسب بمنجزك الأدبي وأيضا بالجائزة.