رشيد أيت بلعربي: الوزير وهبي يستهدف القضاء في ملفات المال العام.. 

رشيد أيت بلعربي: الوزير وهبي يستهدف القضاء في ملفات المال العام..  رشيد أيت بلعربي
إن القسم الذي أداه وزير العدل عبد اللطيف وهبي أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب حول عزمه عدم  إدخال أي تعديل على المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية  لا يستهدف به جمعيات حماية المال العام كما يتوهم البعض، بل يستهدف القضاء ممثلا في النيابة العامة وقضاة التحقيق. فجمعيات حماية المال لم تكن لها أصلا الصلاحية لمتابعة مرتكبي الجرائم التي تطال المال العام بل كل ما كانت تتوفر عليه هو حق تقديم الشكايات بشأنها إلى النيابة العامة المختصة، التي لها أن تفتح بشأنها بحثا تمهيديا أو تقوم بحفظها دون إجراء أي بحث. أي أن المادة 3 من المشروع لم تتنزع من هاته الجمعيات شيئا ذا بال. لكن من تم انتزاع صلاحياته الأصيلة في إجراء الأبحاث التمهيدية والتحقيق وتسطير المتابعات هما النيابة العامة وقضاة التحقيق. فهؤلاء بعدما كانوا يمارسون سلطاتهم القانونية في البحث والتحقيق والمتابعة في جميع الجرائم دون قيود، لن يكون بمقدورهم في حالة المصادقة على المادة المذكورة على حالتها الواردة في المشروع ممارسة اختصاصاتهم العادية تجاه مرتكبي الجرائم التي تمس المال العام، إلا بعد التوصل بتقارير من المجلس الأعلى للحسابات أو من بعض الجهات الإدارية بعينها. إذن من المتضرر الأكبر من التعديل الذي سيلحق المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية؟ هل هو جمعيات حماية المال العام أم القضاء ممثلا في النيابة العامة وقضاة التحقيق؟ 

الجواب واضح ولا يحتاج كثيرا من التفكير. فالنيابة العامة وقضاة التحقيق ستتقلص سلطاتهم ولن تشمل، في حالة المصادقة على هاته المادة كما هي في المشروع، الجرائم التي تمس المال العام والتي ستصبح خاضعة لامتياز إجرائي استثنائي يتمثل في خلق قيد غريب على سلطاتهم سيغل أياديهم في التحرك حتى ولو توافرت لهم كل وسائل الإثبات ضد مختلسي وناهبي المال العام. ولهذا نرى أن تحريف النقاش من طرف وزير العدل في كل مناسبة حول ابتزاز الجمعيات للمشتبه فيهم باختلاس المال العام ليس سوى وسيلة لذر الرماد في العيون من أجل التغطية على الاعتداء الفظيع الذي سيلحق باختصاصات السلطة القضائية بكل مكوناتها في تطبيق القانون الجنائي على جميع المواطنين تطبيقا لمبدأ المساواة أمام القانون الذي ينص عليه الفصل السادس من الدستور وخاصة بعد استقلال السلطة القضائية وخروج النيابة العامة من وصاية وزارة العدل، الأمر الذي ساهم في تصاعد عدد ملفات مرتكبي جرائم المال الذين تمت إحالتهم على القضاء، وهو الأمر الذي لم يكن محسوبا لدى بعض السياسيين الطامعين في المال العام. 

إن الاتجاه الذي يسير فيه وزير العدل ومن يحركه في الكواليس سيجعل مختلسي المال العام في منأى تام عن أعين قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق  إلا إذا طلب منهم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض القيام بالأبحاث، بعدما يتوصل بإحالة من المجلس الأعلى للحسابات أو بطلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو المفتشيات العامة للوزارات أو الإدارات المعنية أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. أي أن أمر القيام بإجراء الأبحاث والتحقيقات والمتابعات لمرتكبي الجرائم ضد المال العام يبقى في المقام الأول بيد جهات إدارية وسياسية، وليس بيد القضاء كسلطة مستقلة عن الإدارة والأحزاب كما هو معمول به في باقي الجرائم وفي كل دول العالم. وهو منحى خطير جدا ويبدو أنه قريب من التحقق في ظل الصمت المطبق للأحزاب أغلبية ومعارضة والنقابات وجمعيات المجتمع المدني.
رشيد أيت بلعربي، محام، رئيس المنتدى المغربي للدراسات القانونية