بنصديق: الآثار المدمرة للرشوة على نضالات الموظفين وتأثيرها على الإدارة العمومية.. موظفو الجماعات الترابية نموذجا

بنصديق: الآثار المدمرة للرشوة على نضالات الموظفين وتأثيرها على الإدارة العمومية.. موظفو الجماعات الترابية نموذجا محمد بنصديق
الرشوة هي من الظواهر السلبية التي تؤثر على المؤسسات والإدارات في مختلف المستويات، بما في ذلك الجماعات الترابية. الموظفون في هذه الإدارات يكونون في كثير من الأحيان عرضة لآثار الرشوة، التي يمكن أن تؤثر على سلوكهم، بما في ذلك علاقتهم بالنضال والمشاركة في الإضرابات أو الأنشطة النقابية والحقوقية. في هذا المقال، سنناقش كيف تؤثر الرشوة على موظفي الجماعات الترابية وتمنعهم من الانخراط في النضال لصالح تحسين أوضاعهم المهنية.
 
1. الركود في الوعي النقابي والحقوقي نتيجة للرشوة:
تعتبر الرشوة من العوامل الأساسية التي تضعف الوعي النقابي والحقوقي لدى موظفي الجماعات الترابية. عندما يحصل الموظف على رشوة أو مكافآت غير قانونية، يتراجع اهتمامه بالمطالبة بحقوقه المشروعة. الرشوة تؤدي إلى تعزيز موقف الموظف الفردي على حساب المصلحة العامة أو الجماعية، إذ ينشغل في البحث عن فوائد شخصية قد تعطل أي جهد جماعي للتغيير.
 
2. الخوف من فقدان المزايا:
بعض الموظفين في الجماعات الترابية يتخذون قرارا بعدم الانخراط في الإضرابات أو الأنشطة النقابية والحقوقية خوفا من فقدان المكاسب التي يحصلون عليها من الرشوة. فبمجرد أن يدخل الموظف في دائرة الفساد ويحصل على رشوة بشكل منتظم، يصبح هذا المبلغ جزءا أساسيا من دخله، و يعتمد عليه في تسيير شؤون حياته. وبالتالي، يصبح لديه خوف من أي تصرف قد يفقده هذا الدخل الحرام غير المشروع.
 
3. الرشوة كأداة للتفرقة بين الموظفين:
من أبرز الآثار السلبية للرشوة في هذه البيئة أنها تخلق تفرقة بين الموظفين. عندما يحصل بعض الموظفين على رشوة في حين أن آخرين لا يحصلون على ذلك، تتضاءل الروح الجماعية والنضال المشترك. الموظفون المرتشون قد يتجنبون الإضرابات ليس فقط خوفا من فقدان الرشوة، ولكن أيضا لأنهم قد يعتقدون أن النضال الجماعي قد يعرضهم للمسائلة أو قد يسهم في تقليل "المزايا" التي يحصلون عليها.
 
4. الرشوة تعزز بيئة العمل المترهلة والغير منضبطة:
الرشوة تضعف القدرة على تحقيق أي تقدم حقيقي في تطوير بيئة العمل داخل الجماعات الترابية. في مثل هذه البيئة، لا يوجد حافز لدى الموظفين للانخراط في التغيير أو تحسين الأداء العام، بل يصبح الهدف هو الحفاظ على الوضع الراهن الذي يستفيد منه المرتشي. ونتيجة لذلك، تفقد معظم محاولات النضال داخل الإدارة أي تأثير أو جدوى.
 
5. الرشوة تجعل الموظف يرى مصلحته الشخصية أهم من مصلحة التغيير:
عندما يتمكن الموظف المرتشي من تأمين مكافآت ثابتة على حساب العمل النزيه أو النضال من أجل حقوقه، يبدأ في تبني موقف سلبي تجاه أي تغيير أو نضال قد يهدد وضعه. وعليه، فإن الموظف المرتشي لا يرى مصلحة جماعية في التغيير أو في الإضرابات، بل يسعى للحفاظ على وضعه الراهن حتى لو كان ذلك على حساب حقوق زملائه أو المصلحة العامة.
 
6. الرشوة تضعف المساءلة والرقابة الداخلية:
عندما تنتشر الرشوة، تضعف آليات المراقبة والمساءلة داخل الجماعات الترابية. بعض الموظفين قد يجدون حماية غير مباشرة من زملائهم أو مسؤوليهم، مما يقلل من احتمالية تعرضهم للمحاسبة. في مثل هذه البيئة، يصبح العمل النقابي والحقوقي أكثر صعوبة، حيث يخشى الموظفون من التبليغ عن الفساد أو المشاركة في النضالات خوفا من الانتقام أو التهميش.
 
7. الآثار طويلة المدى للرشوة على الأخلاق المهنية:
الرشوة لا تؤثر فقط على المواقف الحالية للموظفين، بل لها آثار سلبية طويلة المدى على أخلاقيات العمل. عندما يعتاد الموظف على تلقي الرشوة، يصبح من الصعب عليه التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ في علاقاته المهنية. هذا الفقدان للأخلاقيات يجعل الموظف أقل استعدادا للمشاركة في جهود جماعية تهدف إلى تحسين الأوضاع داخل المؤسسة أو المجتمع.
 
8. الرشوة تؤدي إلى ضعف الإرادة في التغيير:
الموظفون الذين يعتمدون على الرشوة يشعرون بأن أي محاولات للإصلاح غير مجدية، لأن الفساد متجذر في النظام. هذا الاعتقاد يجعلهم سلبيين وغير مبالين بالمشاركة في أي حركات نقابية أو حقوقية. كما أنهم يخشون أن يؤدي التغيير إلى فقدان الامتيازات غير المشروعة التي يحصلون عليها، مما يجعلهم غير مهتمين بأي إصلاحات جذرية.
 
9. استغلال مكاتب تصحيح الإمضاء خارج أوقات العمل لتحقيق مكاسب غير مشروعة:
بعض الموظفين العاملين بمكاتب تصحيح الإمضاء يأخذون سجلات تصحيح الإمضاء معهم إلى البيت خلال عطلة نهاية الأسبوع والعطل الرسمية، ويقدمون هذه الخدمات في المنازل والمقاهي والمطاعم الفاخرة مقابل رشاوي كبيرة، مع تأريخ الوثائق بآخر يوم رسمي في العمل. هذا السلوك يكرس الفساد الإداري ويضر بنزاهة الخدمات العمومية، ويؤدي إلى إضعاف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
 
10. كيفية مواجهة هذه الرشوة:
لمواجهة هذه الظاهرة، يجب أن تتحمل النقابات والجمعيات الحقوقية والتنسيقيات النضالية دورها في توعية وتثقيف موظفي وعمال الجماعات الترابية حول مخاطر الرشوة وأثرها السلبي على مستقبلهم المهني وما بعد بلوغ سن التقاعد. كما يمكن تبني حلول عملية مثل وضع كاميرات مراقبة في المكاتب أو الشبابيك التي يؤدي فيها المواطنون الرسوم والضرائب المحلية، مما يسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة وتقليل فرص الفساد.
 
الفقرة الأولى: من بين الأسباب التي تؤدي إلى لجوء بعض موظفي الجماعات الترابية إلى قبول الرشوة هو ضعف الرواتب وعدم وجود تحفيزات مالية مناسبة. ففي العديد من الحالات، لا يتمكن الموظف الجماعي من تلبية احتياجاته الشخصية واحتياجات أسرته من خلال راتبه الشهري، ما يدفعه للبحث عن مصادر دخل إضافية قد تكون غير قانونية. هذه الحالة تجعل الموظف في وضع صعب، حيث يصبح عاجزا عن الوفاء بالتزاماته المعيشية في ظل غياب الحوافز التي تحفز على العمل بجدية وأمانة.
ومن هنا تنشأ فجوة كبيرة بين ما يتقاضاه الموظف من أجر وبين متطلباته اليومية، مما يعزز من دوافع الفساد في بعض الحالات.
 
الفقرة الثانية: من الضروري الاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة لموظفي الجماعات الترابية، وذلك من خلال فتح جلسات حوار قطاعي هادف لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمهنية بشكل يضمن الرقي بظروف عملهم ويوفر لهم الحوافز المادية والمعنوية اللازمة.
 
كما يجب تمتيعهم بنفس المزايا والحقوق التي يتمتع بها موظفو باقي القطاعات العمومية الأخرى، مثل تسوية وضعيات الموظفين الإدارية و المالية لحاملي الشهادات العليا، تحسين الرواتب، تعويضات وتحفيزات مالية عن المردودية و المسؤولية، وتوفير التأمينات الصحية والاجتماعية ... هذا التحسين بالتأكيد سيعزز من شعور الموظف بالانتماء والرضا الوظيفي، ويعمل على تقليص الفوارق بين مختلف فئات الموظفين في الدولة، مما يساهم في رفع مستوى الأداء الحكومي بشكل عام.
 
ختاما لابد من التأكيد على أن الرشوة تعد واحدة من أكبر العقبات التي تواجه موظفي الجماعات الترابية في مجال النضال والمشاركة النقابية والحقوقية. من خلال تعزيز سلوكيات فردية على حساب العمل الجماعي، وإضعاف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، تفقد الرشوة الموظفين حس الانتماء للمؤسسة وتساهم في تعزيز الممارسات الفاسدة.
 
ومن أجل خلق بيئة عمل صحية ومنتجة، يجب القضاء على الرشوة وتعزيز ممارسات الشفافية والنزاهة من أجل تمكين الموظفين من المطالبة بحقوقهم والمشاركة الفعالة في الإصلاحات التي تصب في صالحهم وصالح المجتمع ككل.
 
محمد بنصديق/ مناضل نقابي وفاعل حقوقي