الدار البيضاء المدينة التي تطارد الوقت لكنها تبقى محاصرة بين شوارعها المزدحمة. مدينة عملاقة بملايين السكان، لكنها تبدو أصغر حين يحاول أحدهم العودة إلى بيته بعد يوم شاق
في المساء حين تغرب الشمس تبدأ المعركة ليس ضد التعب بل ضد الانتظار
الطاكسيات الصغرى تمر مسرعة ممتلئة بالركاب، والسائق بالكاد ينظر إلى الواقفين في الطوابير الطاكسيات الكبرى مشحونة كأنها تحمل فوق مقاعدها كل هموم المدينة..
الطاكسيات الذكية تقترح عليك أسعارًا وكأنك تطلب تذكرة سفر إلى كوكب آخر.. الخطافة ينشطون في الزوايا، حيث القانون غائب، لكن الحاجة حاضرة..
الحافلات، ذلك الحل الذي يفترض أن يكون شعبيًا، تتحول إلى عربات مكتظة بأجساد متعبة، والطرامواي أصبح نسخة حضرية من متاهة بلا نهاية..
واليوم... زادت الأزمة مشهدًا إضافيًا. عاصفة جانا تهاطل مطرها فجأة، والمدينة التي لا تتوقف عن الحركة، تجمدت في طوابير طويلة بين الأرصفة المبللة والسماء الملبدة..
يفتح أحدهم تطبيق النقل الذكي لعل الرحمة تأتي عبر التكنولوجيا فيظهر الرقم الصادم: "ثمن الرحلة خمسة وستون درهما"..
خمس وستون درهمًا لمن اعتاد دفع عشرين... كأن العاصفة رفعت الأسعار معها، وكأن الاحتكار أصبح جزءًا من الطقس الرمضاني..
المشهد؟ مظلات قليلة تحتمي بها أجساد كثيرة. المطر يسيل كدموع الصبر. الحافلات لا تتوقف إلا لتأخذ من تزيدهم اختناقًا، والطاكسيات تمر دون أن تلقي نظرة على الواقفين
المدينة التي تفتخر بأنها العاصمة الاقتصادية، تخسر يوميًا ساعات من الإنتاجية في زحامها. أكثر من أربعة ملايين نسمة، يتكدسون في الشوارع، يتنفسون الغبار ويصارعون الاختناق
إلى من يهمهم الأمر…
زبدة القول
مدينة بلا نقل مريح هي مدينة بلا حياة
مدينة بلا حلول عملية هي مدينة تكرر معاناتها يوميًا
مدينة تترك سكانها في الطوابير وتحبسهم في شوارعها، هي مدينة تحتاج إلى من يُحررها
لا تكفي ناطحات السحاب، ولا تكفي المشاريع الكبرى إن كانت أزمة النقل تدفن سكانها تحت عجلاتها
المدن العصرية لا تُقاس بحجم بناياتها، بل بحجم الراحة التي تقدمها لمواطنيها
حين يصبح التنقل معركة يومية فإن المدينة لم تعد تنقل أحدًا... بل تُغرق الجميع في متاهة بلا مخرج
فهل من مجيب؟