محمد بنمبارك: الصحراء المغربية.. خمسون عاما تحديات 2025 إفريقيا وأمميا

محمد بنمبارك: الصحراء المغربية.. خمسون عاما تحديات 2025 إفريقيا وأمميا محمد بنمبارك
هل يمكن اعتبار الظفر الجزائري، خلال القمة الأفريقية 35 التي عقدت 5/6 فبراير2025 بأديس أبابا، بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي مجرد تمرين سياسي نفعه أكثر من ضرره للدبلوماسية المغربية، لا يرقى إلى الدرجة الذي سوقته الآلة الرسمية الجزائرية سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا؟، أم أننا أمام عثرة غير متوقعة وجب أخذ مخرجاتها على محمل الجد، مراجعةً وتحليلا وتدقيقا للحاضر وانتظارات لمستقبل قد لا يكون مُطَمْئنا ؟.
 
فقد انساقت، العديد من الأقلام والمنابر الإعلامية والتعليقات بدافع غيرة وطنية، نقدا وخوفا وتحذيرا وإنذارا، لدرجة الإقرار بهزيمة كبرى تسرب معها الشك لأداء الدبلوماسية المغربية، والاقتراب من الإقرار بكون المخاطر المحدقة بقضية وحدتنا الترابية باتت على الأبواب من جديد، وأن الجزائر عادت للرفع من وثيرة الصراع داخل الاتحاد الإفريقي وقد تمتد إلى خارجه، بعدما أزحناها منذ العودة المغربية القوية لهذه المنظمة.
 
على الرغم من أن المنصب المتبارى عليه لا يرقى إلى هذه الدرجة من التهويل، بحكم أن صلاحيات ونفوذ الفائز تظل محدودة. فلم يكن من حظوة لهذا الفوز لدى قادة الجزائر لولا أن الطرف المنافس كان مغربيا، فتحول المشهد إلى احتفال واحتفاء هيستيري، رأوا فيه ضالتهم وظفوه كما شاؤوا. لكن ما عَلينا بغبطتهم.
 
فالملفت للانتباه، أن هذا الحدث الذي أزعج شيئا ما المغاربة، تزامن مع حلول سنة 2025، ذات الرمزية السياسية البارزة الدالة على بلوغ هذا الصراع المفتوح مع الجزائر إلى 50 عاما (1975/2025). بين الامس واليوم تغير كل شيء لصالح المغرب في ملف الصحراء، تعزيزا لموقف الوحدة الترابية الوطنية وتلاشيا لأطروحة الانفصال "تقرير المصير والاستفتاء"، وبات الصراع في رمقه الأخير. لكن هل فعلا وصل إلى هذه المرحلة؟ أم أن الخصوم لازال لديهم من الرصيد والذخيرة لإطالة أمد النزاع لا غير؟
 
لقد كان لسياسة الصبر الاستراتيجي، ذات الطابع الصيني، منذ عهد المغفور له الملك الحسن الثاني وحتى اليوم، مفعول قوي في أداء الدبلوماسية المغربية، التي اعتمدت سياسة التكيف مع التحولات التي شهدها ملف الصحراء إفريقيا وأمميا، وغير خاف فإن هذا المسار كان حافلا بالمعارك ولم يكن في مناسبات عديدة يميل لصالح القضية، بل عرف فيها المغرب إخفاقات وكبوات وتحديات سياسة مرهقة، انتهت إلى ما نحن عليه اليوم من تحقيق فارق متقدم عن الخصوم أربك حساباتهم وخياراتهم.
 
كل ذلك جاء بعد المراجعة الجدرية لرهانات الدبلوماسية وتحدياتها العامة في إدارة ملف الصحراء بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش، وهي المرحلة التي انتقل فيها صانع القرار المغربي من الاكتفاء بالدفاع والانتظارية إلى الهجوم الاستباقي بالشكل الذي غير واجهة الصراع على كافة المستويات.
 
فجاء تقديم المغرب للأمم المتحدة سنة 2007 مبادرة الحكم الذاتي كبديل عن كل الطروحات المتداولة، ثم التخلي عن سياسة الكرسي الفارغ والعودة إلى الاتحاد الافريقي، وفتح كبرى مدن الصحراء العيون والداخلة، أمام قنصليات دول العالم التي رفعت أعلامها وأقامت مكاتبها في أكبر انتصار مغربي معزز للسيادة، فضلا عن حصول تحولات ملموسة في المزاج الدولي تجاه نزاع الصحراء، بعد كسب اعترافات دولية قاهرة للخصوم، يضاف لهذه الجهود تلك المتغيرات، التي لا يُلْتَفت إليها كثيرا، المتمثلة في أساليب تعاطي الاتحاد الافريقي ومجلس الامن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة مع قضية الصحراء بشكل ساهم في تعزيز السيادة المغربية والتخفيف من وطأة الضغوط التي عانينا منها بالأمس. أما على أرض الواقع فقد برزت بشكل قوي العوامل التاريخية والجغرافية والقانونية والوثائقية والسياسية والعسكرية والأمنية والبشرية والدينية والتنموية والعمرانية والبِنْياتية، التي أظهرت للعالم أجمع قوة حجية ومشروعية الموقف المغربي وثابته.
 
لكن هذه النجاحات يجب ألا تشغلنا أو تلهينا عن التركيز على الأهداف الاستراتيجية لمعالجة ما تبقى من عقبات في ملف وحدتنا الترابية. فكما هو معلوم تحل هذه السنة الذكرى الخمسون (50) للمسيرة الخضراء 6 نوفمبر 1975، كفعل حماسي حظي بتأييد الشعب المغربي، تمكن المغرب من خلالها من استعادة ترابه الصحراوي المُسْتلَب سلميا. لذلك تجد الدبلوماسية اليوم والشعب المغربي على أبواب الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، نفسها أمام تحديان كبيران لاستكمال ما تحقق، على الصعيدين الإفريقي والأممي:
 
أولا / على الصعيد الافريقي: يمثل أحد أهداف العودة المغربية إلى الاتحاد الافريقي، بالأساس إلى الدفاع عن وحدته الترابية من داخل المنظمة والتمكن من طرد أو تعليق عضوية ذلك الكيان الوهمي الذي يسمي نفسه " الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" الذي اقتحم منظمة الوحدة الافريقية في ظرفية سياسية إفريقية متوترة وفي غياب أية مقومات الدولة المتعارف عليها في القانون الدولي، لذلك لا نجد لهذه الدولة الوهمية أي أثر في أية منظمة دولية حكومية في العالم باستثناء الاتحاد الإفريقي، مما يثير التساؤل حول مصداقية القرار الإفريقي بين الامس واليوم. دفع تواجد هذا الكيان بالمنظمة الافريقية المغرب الى الانسحاب سنة 1984، وبعدما نضجت الظروف السياسية عاد 2017 إلى البيت الافريقي في حلته الجديدة.
 
المهمة ليست بالسهلة فإذا كان اكتساب العضوية لهذه الجمهورية بالأمس تم مجانيا، فإن القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي لا يبيح طرد دولة عضو، لذلك فالمهمة في غاية التعقيد، حيث ان مواد هذا القانون المتعلقة بهذا الباب لا تتطرق إلى الطرد بشكل مباشر، بل هناك حالة (فرض العقوبات: المادة 23) المرتبطة بالتخلف عن سداد المساهمة المالية في ميزانية الاتحاد، و(تعليق المشاركة: المادة 30) بسبب الوصول إلى السلطة بطرق غير دستورية، ثم (إنهاء العضوية: المادة 31) التي تتم باختيار طوعي من قبل الدولة العضو الراغبة في الانسحاب.
 
لتظل أمام المغرب (المادة 32) المتعلقة بتعديل ومراجعة القانون التأسيسي للاتحاد، التي تبيح لأية دولة عضو التقدم بمقترحاتها التي تتم دراستها لمدة عام، ويحتاج إقرار مقترح التعديل والمراجعة إلى المصادقة عليه بالإجماع من قبل المؤتمر أو بأغلبية الثلثين في حال تعذر ذلك. لذلك يظل قرار الطرد يتراوح بين الممكن والمستحيل. المستحيل يتجلى بالتقوقع في خانة ما هو منصوص عليه في قوانين الاتحاد. أما الممكن فيتأتى بإرادة وإصرار الدبلوماسية المغربية بالتركيز على الثغرات القانونية لكيان هش فاقد لأية شرعية وجود، والتمكن من كسب مزيد من الأصوات داخل الاتحاد يفوق 3/2 لتغيير مواقف بعض الدول المساندة للأطروحة الجزائرية، لذلك فطرد "الجمهورية" يظل قائما في تماثل تام مع ما هو معتمد بالأمم المتحدة بشأن مقومات الدولة من المنظور القانوني وليس التكييف السياسي المصلحي الظرفي.
من جهة أخرى التمعن في بنود الميثاق الإفريقي وروحه لاسيما المادتين 3 المبادئ و4 الاهداف، لنجد انها لا تتطابق مع "جمهورية عضو" تفتقد لكل المكونات الاعتبارية للدولة التي يتحدث عنها القانون التأسيسي للاتحاد: "السيادة" في غياب الأرض، و"الحدود" لجمهورية تعيش في كنف جمهورية ثانية عضو بالاتحاد ( حالة الازدواجية) تقتات من مائها وهوائها وترابها وأموالها وعتداها، و"الانسان ،الشعب" فلا وجود حقيقة لشعب بل ساكنة تتجمع من مختلف الاجناس في مخيمات محاصرة دون إحصاء عددي أو هوياتي، يعيشون في ظل واقع غامض لا تسمح الدولة المحتضنة/ الجزائر بالكشف عن أسرار وسبر أغوار جمهوريتها الثانية.
وقد ظهرت مواقف دولية معبرة محرجة للاتحاد الإفريقي، تتجلى في التحفظ على مسألة التمثيلية لأحد أعضائه، من خلال منع مشاركة وحضور "الجمهورية الصحراوية" في قمم إفريقيا مع القوى والتكتلات الدولية والإقليمية، باعتباره كيانا لا يتوفر على مقومات الدولة حسب معايير القانون الدولي، وغير معترف به من القوى الدولية الكبرى. وهو وضع يجب على الأفارقة ان لا يتغافلوا عنه لأنه يمس بمصداقية الاتحاد وبما يحتضنه من كيانات فاقدة للشرعية الدولية، وضع شاذ آن الأوان لتصحيحه.
 
ثانيا/ على الصعيد الأممي: مع تراجع الاعتراف الدولي بالكيان الانفصالي، وانطلاق مسلسل سحب الاعتراف المتواصل حتى اليوم وغدا، في ظل تنامي دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، بات واضحا ان الكفة تميل لصالح الوحدة الترابية للمغرب مما يعزز موقف المملكة داخل المنتظم الدولي بنيويورك، وبالفعل، يلاحظ على مستوى الأمم المتحدة، أن 163 بلدا، أي ما يمثل 85 بالمائة من الدول الأعضاء بهذه المنظمة، لا تعترف بالكيان الوهمي.
 
لذلك فمساعي الدبلوماسية المغربية متواصلة لسحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة، وهي إحدى اللجان الرئيسية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المكلفة بالمسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار، ويرى المغرب الذي طرح هذا المشكل في بداياته على اللجنة، أن الموقف في جوهره يعود إلى مطالبة المملكة بتصفية الاستعمار الاسباني في الصحراء، لذلك لم يكن هناك أي سبب يمنع المغاربة من العودة سلميا إلى أرض يقول التاريخ إنها مغربية، وهو الموقف الحازم الذي جسدته المسيرة الخضراء.
 
هذا التحول باتت تمليه التطورات التي شهدها ملف الصحراء داخل الأمم المتحدة على المستويين مجلس الأمن والجمعية العامة، فالنسبة للأخيرة تعاظم عدد الدول المؤيدة للموقف المغربي في قضية الصحراء إما تفهما لحقيقة مشكل النزاع أو اعترافا بالصحراء أو تأييدا لمبادرة الحكم الذاتي أو سحب للاعترافات بجمهورية الجزائر الثانية. لا بد من التذكير بأن اللجنة الرابعة لم تعد تدرج في مقرراتها حول الصحراء مبدأ تقرير المصير والاستفتاء، وبات الحديث ينتشر عن مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي عادل واقعي وعملي. مع التأكيد على دعم العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة وبناء على قرارات مجلس الامن منذ عام 2007، بهدف التوصل إلى " حل سياسي عادل ودائم متوافق بشأنه من قبل الأطراف". ما يفيد أن اللجنة الرابعة أحالت عمليا القضية على مجلس الامن الدولي، ولم يعد لها ما تقدمه من حلول سوى إعادة التداول السنوي الروتيني، في انتظار القرار الحاسم بالإعلان أن هذه اللجنة رفعت يدها كلية عن تدارس هذه القضية ولم يعد الموقف من اختصاصها بحكم تحولها من مسألة تصفية استعمار إلى نزاع إقليمي.
 
نزاع إقليمي يُحال على مجلس الأمن الدولي في إطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، كأحد المنازعات الدولية المنتشرة في العالم، التي يدعو إلى حلها بوسائل سلمية متعددة كالمفاوضات والتحقيق والتحكيم أو اللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الاقليمية أو أية وسيلة سلمية أخرى طلبا للمساعدة في حل النزاع.
 
أما داخل مجلس الامن الدولي فقد طوى بدوره أطروحة الاستفتاء وتقرير المصير، وشرع منذ سنوات بتركيز اهتمامه بل ودعمه لمبادرة الحكم الذاتي التي لاحظ بأنها تحظى بتأييد متزايد من قبل المنتظم الدولي. وجاء القرار الأخير للمجلس رقم: 2756/2024، ليكرس هذا التوجه ويؤكد على مضمون كل قراراته السالفة منذ القرار 1754/2007 إلى القرار 2703/2023، توجه يمضي نحو الدعوة إلى الحل السياسي لا غير، وإلى عودة أطراف النزاع (المغرب، الجزائر، موريتانيا، البوليساريو) إلى اجتماعات الموائد المستديرة التي تتهرب منها الجزائر وتعرقل إعادة إحياء العملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة.
 
في انتظار حلول الذكرى الخمسين 50 للمسيرة الخضراء، لا شك أن المغاربة يتطلعون إلى تحقيق نصر مبين تعزيزا لوحدتهم الترابية، كتلك الانتصارات من العيار الثقيل التي "قسمت ظهر البعير" التي عودتنا عليها الدبلوماسية المغربية في السنوات الاخيرة من حجم الاعترافات بالسيادة المغربية من قبل واشنطن ومدريد وباريس ودبلوماسية القنصليات بالصحراء المغربية.