وزان .. قليل من كثير مما أسفرت عنه أشغال اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية

وزان .. قليل من كثير مما أسفرت عنه أشغال اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية عامل وزان يسلم مفاتيح سيارة الإسعاف لجمعية دار الأمومة بجماعة بوقرة
تذكير لابد منه..
" إن الأمر يتعلق بالمعضلة الاجتماعية ، التي نعتبرها بمثابة التحدي الأكبر ، لتحقيق مشروعنا المجتمعي ، التنموي ، والتي قررنا ، بعون الله وتوفيقه ، أن نتصدى لها بإطلاق مبادرة طموحة وخلاقة باسم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية " هذه الفقرة مقتطعة من خطاب الملك محمد السادس وهو يعلن يوم 18 ماي سنة 2005 عن ميلاد هذه المبادرة الاجتماعية بامتياز ، التي تستهدف تحسين الأوضاع الاجتماعية الصعبة لفئات عريضة من المواطنات والمواطنين يعانون من الفقر والإقصاء .
 
المعضلة الاجتماعية تعتبر واحدة من المنافذ التي يتسلل منها التطرف بكل أشكاله، ويستغله من اختار المتاجرة في الدين الإسلامي الحنيف لزعزعة استقرار الوطن . لذلك لم يكن سياق اطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية غير استخلاص الدرس من العمل الارهابي الذي كانت بلادنا مسرحا له ليلة 16 ماي 2003 .
 هل نجح المشروع في استئصال آفة الفقر والبؤس ؟ وما هو حجم أثر التغيير الايجابي الملموس الذي طبع به حياة  الفئات المستهدفة من المواطنات والمواطنين ؟
 
عودة إلى اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بوزان
وزان الإقليم ليس بجزيرة معزولة عن باقي التراب الوطني، بل يوجد في صلب المشروع الاجتماعي الذي أطلقه ملك البلاد . إقليم عاش الاقصاء والتهميش لعقود ...رقعة آفة الفقر به واسعة مساحتها ... في جملة أصبحت بيئة الإقليم حاضنة للفواجع، طاردة لكل عناوين الحياة... وبالتالي فإن هذه الرقعة الترابية التي تحجز انتمائها الاداري بجهة طنجة تطوان الحسيمة ، في حاجة ماسة لجبر ضررها التنموي ، الذي لا  يشكل مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلا واحدا من المشاريع المهيكلة التي وجب تنزيلها بالإقليم لتدارك الخصاص المهول الذي يعاني منه الحقل الاجتماعي .
 
من المؤكد بأن الإقليم تهاطلت عليه أغلفة مالية تقدر بالملايير منذ الشروع في تنزيل مشروع المبادرة الوطنية ، لكن ما هي آثاره الملموسة على حياة الفئات المستهدفة و على معيشها؟ ما هي مساحة الحكامة الرشيدة في تنزيل المشروع ؟ هل كان لمبدأ التشاركية في التحضير للمشاريع موقع قدم قبل التنزيل ؟ لماذا ظلت عدة مرافق اجتماعية من انجاز اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مهجورة ، وحده عنوان الفشل الذريع يؤطرها ؟
 
 لندع كل هذا وننتقل بسلاسة لإلقاء نظرة خاطفة على آخر اجتماع عقدته اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بوزان مطلع شهر فبراير الأخير.
 
الراصد الموضوعي الذي لا يكتفي بالتركيز على نصف واحد من الكأس ( الممتلئ أو الفارغ ) ، يسجل بأن مشاريع مهمة تجمع بين دعم فئات اجتماعية تعاني من الهشاشة ، وفتح فرص الشغل في وجه الشباب ، احداث الأثر الايجابي في الخدمات ذات الصلة بالطفل والأم ....تمت المصادقة عليها . لكن قوة هذه المشاريع ليس في رصد الأغلفة ، بل هل تم اعتماد المقاربة التشاركية في تحضيرها ؟ وهل سينتصر مبدأ الشفافية في تنزيلها ؟
 
 من المشاريع التي تمت المصادقة عليها في اجتماع 6 فبراير الذي ترأس أشغاله عامل الإقليم ، وترك حزمة من الأسئلة يتداولها كل من يوجد في علاقة تماس بالاهتمام المسؤول بالشأن العام ، معلقة الاجابة عنها !
 
 الملف الأول يتعلق برصد غلاف مالي قيمته 70 ألف درهم مخصصة لإصلاح مركز حماية ورعاية الأطفال في وضعية صعبة بوزان. لكن لمن لا يعلم فإن المركز يدخل ضمن شبكة مراكز الرعاية الاجتماعية التابعة لمؤسسة التعاون الوطني ، وقد ساهم في انجازه عدة شركاء بما فيهم شريكا أجنبيا ، وعرف ورش بنائه وتجهيزه تأخرا كبيرا . لكن هل يجوز رصد هذا الغلاف المالي رغم تواضعه لإصلاح بناية لم يمر على تسليمها حتى سنتين ؟ ألم يكن من الأجدر فتح تحقيق فيما لحق البناية من أضرار ، جزء منها مدون في تقرير تقني له علاقة بشبكة الماء ؟ أين تبدأ مسؤولية المقاولة في هذه الأضرار وأين تنتهي ؟
 
 الملف الثاني يتعلق برصد غلاف مالي ل "تجهيز وتسيير مركز الانصات والاستماع والتوجيه لفائدة المرضى العقليين و النفسيين" قيمته 170 ألف درهم . طرح هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات ، جاء كجواب على الارتفاع المهول في عدد الأشخاص الذين يضعون حدا لحقهم في الحياة ( الانتحار) . تفاعل الآلية الإقليمية للمبادرة مع مخرجات اجتماع اللجنة المحلية لفرعها بالجماعة الترابية وزان ، لا يمكن إلا تسجيل ايجابيته. ولكن أين توجد بناية المركز الذي سيستقبل الفئة المستهدفة ؟ هل من الجدية بما كان التفكير في تكليف جمعية من الجمعيات الموجودة ( هذا ما تسرب قبل الانتباه إلى خطورة المجازفة ) الاشتغال على ملف موضوعه جد مقلق ، و مرشح بأن يصبح  ظاهرة ،مع العلم بأن كل ما له علاقة بما هو نفسي وعقلي  يحتاج للكفاءات والخبراء في المجال ، و يحتاج كذلك للفعاليات المدنية المؤهلة التي توجد في احتكاك بالموضوع ، ومنسوب تشبعها بقيم التطوع والمواطنة جد مرتفع ، واقتناعها بأن المقاربة الحقوقية لا بديل عنها في التعاطي مع الموضوع ، و استعدادها للترافع على الملف في مختلف المحافل . بلغة الجدية التي فصل فيها الملك محمد السادس في خطاب العرش (30 يوليوز  2023 ) حيث قال " كلما كانت الجدية حافزنا كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات ورفع التحديات "! فإن الموضوع يستوجب على الفاعل العمومي الانتقال في التعاطي معه " من ادارة ادارية إلى إدارة مواطنة".
 
 كان بودنا اثارة بالتفصيل موضوع دار الشباب التاريخية المغلقة أبوابها لأكثر من سنتين ، لأن تقريرا تقنيا يقول بأن سقيفة قاعتها الكبرى متصدعة ، والتساؤل لماذا لم تدخل اللجنة الاقليمية للمبادرة على خط تأهيل هذه الذاكرة الشبابية بامتياز، ما دام الشباب يدخل ضمن مجالات اشتغالها في المرحلة الحالية ، وما دامت ميزانيتها يتسلل منها نور اصلاح بنايات تهم الفئات التي تستهدفها المبادرة ، لكن نكتفي بهذه الإشارة على أن نعود للموضوع لاحقا .
 
الملك محمد السادس يخاطبنا من جديد
" وإنه لعهد وثيق يجب أن نأخذه جميعا على أنفسنا لتكريس كل الجهود ، من أجل انتشال الفئات المحرومة من براثن الفقر والاقصاء والتخلف ، وتمكينها من الأخذ بناصية التقدم ، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة ، باعتبارها المعركة الأساسية لمغرب اليوم والغد "
 "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ." صدق الله العظيم . كانت هذه آخرة فقرة ختم بها الملك محمد السادس خطاب 18 ماي 2005 المخصص للإعلان عن مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .