تحتضن مدينة مراكش، بجدرانها العتيقة ونفحاتها الأندلسية في أبريل 2025، فعاليات المؤتمر الثالث والعشرين لجمعية محاربة الأمراض المعدية.
هذا الحدث العلمي المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة محمد السادس، يشرف عليه عميد كلية الطب والصيدلة بمراكش وهو في نفس الوقت رئيس الجمعية العلمية المنظمة لهذا الحدث، البروفسور سعيد زهير.
هذا اللقاء في التكوين الطبي المستمر سيسلط الضوء على آخر التطورات في مجال مكافحة الأمراض المعدية والتحديات التي تواجهه.
ينقسم الموضوع الرئيسي إلى أربعة محاور جوهرية:
1. الذكاء الاصطناعي في مكافحة الأمراض المعدية.
2. التقنيات الجزيئية والاختبارات السريعة في تشخيص العدوى الفيروسية.
3. الاستراتيجيات الجديدة للتطعيم ضد الفيروسات الناشئة.
4. المضادات الحيوية الجديدة في المغرب وتأثيرها على رعاية المرضى.
5.الذكاء الاصطناعي في خدمة علم العدوى
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي ثورة علمية تسبر أغوار البيانات الطبية بسرعة فائقة، فتتيح الكشف المبكر عن الأوبئة قبل استفحالها.
الخوارزميات التنبؤية أصبحت قادرة على تحديد بؤر العدوى قبل أن تتمدد في الأجساد والمدن، فيما تساهم في تحسين وصف المضادات الحيوية، مُقللةً بذلك من مقاومة البكتيريا للأدوية.
أما الروبوتات الطبية، فقد باتت ترافق الأطباء في تحليل الاختبارات الميكروبيولوجية، مما يرفع من دقة التشخيص وسرعة اتخاذ القرار.
وفي ظل هذا التحول الرقمي، يصبح الطب أكثر دقة وفعالية، حيث تتشابك العلوم الطبية مع خيوط التكنولوجيا لتنسج مستقبلاً أكثر أمانًا وصحةً للبشرية.
الاختبارات الجزيئية والتشخيص السريع: ثورة في عالم الطب
في سباق الزمن ضد الفيروسات، يظل الوقت هو الحكم الفاصل بين الحياة والموت.
فكلما كان التشخيص أسرع، كلما زادت فرص العلاج الناجع.
اليوم، تتيح الاختبارات الجزيئية المتقدمة تشخيصًا شبه فوري لأشد الفيروسات فتكًا، مثل الإنفلونزا وكوفيد-19 وفيروس نقص المناعة البشرية.
وباتت هذه التقنيات متاحة في المستشفيات والعيادات الطبية، مما يقلل من زمن الانتظار ويضمن استجابة علاجية دقيقة وسريعة.
وبفضل تقنية الـPCR السريعة واختبارات كريسبر (CRISPR)، أصبح علاج المرضى أكثر تخصيصًا وكفاءة.
إنها طفرة علمية تعيد رسم معالم المواجهة بين الطب والأمراض الوبائية، وتفتح أبواب الأمل أمام المصابين والباحثين على حد سواء.
استراتيجيات التطعيم ضد الفيروسات الناشئة: رهان الحياة
في كل يوم تولد فيروسات جديدة، حاملةً معها تهديدات صحية مجهولة، مما يستدعي استراتيجيات لقاحية متجددة وفعالة.
لقد أثبتت تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) قدرتها على التصدي للأوبئة بسرعة غير مسبوقة، مما يمهد الطريق أمام لقاحات أكثر تخصصًا وفاعلية.
ويتجه البحث العلمي حاليًا نحو تطوير لقاحات شاملة قادرة على مواجهة سلالات متعددة في آن واحد، غير أن التحدي لا يكمن فقط في إيجاد اللقاح، بل أيضًا في ضمان قبوله المجتمعي والتصدي لحملات التضليل التي قد تعوق نجاحه.
في مواجهة الأوبئة الناشئة والأمراض العابرة للحدود، تصبح الشراكة العالمية ضرورة لا غنى عنها لضمان تحصين فعّال ومستدام.
المضادات الحيوية الجديدة في المغرب: بين الأمل والتحدي
إن تفشي البكتيريا المقاومة للأدوية التقليدية يُحتم الإسراع في إدخال جيل جديد من المضادات الحيوية إلى المغرب.
هذه العلاجات المتطورة تستهدف الجراثيم المقاومة، مما يمنح أملاً جديدًا للمرضى المصابين بعدوى خطيرة.
لكن تكلفة هذه العلاجات المرتفعة وخطر استخدامها غير المنضبط يثيران تساؤلات حول مدى إمكانية توفيرها بشكل عادل وفعال.
وعليه، يتعين وضع بروتوكولات صارمة لتنظيم وصف هذه الأدوية، حتى لا نقع في دوامة جديدة من مقاومة المضادات الحيوية.
إن توعية الأطباء والمجتمع بأهمية الاستخدام الرشيد لهذه العلاجات ضرورة قصوى لضمان فعاليتها لسنوات قادمة.
جمعية محاربة الأمراض المعدية: ربع قرن من الريادة العلمية
جمعية محاربة الأمراض المعدية، التي تتخذ من كلية الطب والصيدلة بمراكش مقرًا لها، تواصل مهمتها النبيلة في تنظيم الأيام العلمية والورشات التدريبية لمناقشة أحدث القضايا في علم العدوى والفيروسات والميكروبيولوجيا.
وقد تأسست هذه الجمعية بفضل جهود البروفسور جان كلود بيشيريه والبروفسور بوسكراوي، وأصبحت اليوم تستقطب عددا كبيرا من المشاركين من مختلف أنحاء المغرب وخارجه، حيث يشارك في محاضراتها نخبة من الخبراء المغاربة والدوليين.
كما تتضمن فعالياتها جلسات لعرض الأبحاث العلمية المبتكرة، حيث يتم تكريم أفضل ثلاثة أبحاث باختيار لجنة تحكيم من كبار المتخصصين في هذا المجال.
رؤية الجمعية وأهدافها المستقبلية
بعد أكثر من خمسة وعشرين عامًا من العمل الدؤوب، نجحت الجمعية في ترسيخ مكانتها كمنصة بحثية بارزة، تسهم في تطوير المعرفة العلمية وتعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الأمراض المعدية.
وقد أسفرت جهودها عن نشر دراسات وأطروحات طبية متعددة، مما ساهم في تطوير أساليب التشخيص والعلاج.
وتسعى الجمعية إلى تحقيق أهداف عدة، من بينها :
-تعزيز البحث العلمي في مجالات العدوى والفيروسات والميكروبيولوجيا.
-توفير أدوات متطورة لمراقبة الأمراض المعدية والحد من انتشارها.
-إعداد بروتوكولات دقيقة لاستخدام المضادات الحيوية.
-تطوير برامج توعية صحية للوقاية من الأمراض المعدية.
-دعم التعليم الطبي والتكوين المستمر للأطباء والصيادلة.
-تنظيم حملات طبية تطوعية في المناطق النائية بالمغرب.
-المساهمة في تدريب الأطباء والباحثين في تخصصات الفيروسات والعدوى وعلم الوراثة والمعلوماتية الحيوية.
-تقديم الدعم لتشخيص الأمراض المعدية عبر مختبرات كلية الطب والصيدلة بمراكش.
إنها مؤسسة علمية تسير بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقًا، حيث تظل المعرفة والتعاون ركائز أساسية في مواجهة الأمراض المعدية، دفاعًا عن صحة الإنسان وكرامته.