رشيد صفـَـر: هل ينقذ الهولدينغ السمعي البصري المؤلفين ورواد التمثيل من البطالة والاحتكار؟

رشيد صفـَـر: هل ينقذ الهولدينغ السمعي البصري المؤلفين ورواد التمثيل من البطالة والاحتكار؟ رشيد صفـَـر
جلس المشاهدون أناثا وذكورا في الأريكة وفوق الكرسي وعلى الحصيرة وحملوا "الريموت كونترول" وضغطوا على زر "on" وبعد المشاهدة صاحوا :
Oooh!!
وهم شهود على كل مشهد "شاهدوووه"..

أعمال درامية تلفزيونية رائعة جدااا .. يخرج من جعبتها صبيب عال لتكافؤ الفرص .. لا وجود للاحتكار .. لا تظفر بنصيب الأسد في الصفقات العمومية للقنوات، نفس شركات تنفيذ الإنتاج... تخطيط جيد وممتاز .. برمجة مسؤولة ومتناغمة ومتوازنة، تسمح بتتبع الممنوح والمنجز .. مكونات الصورة تعكس بوفاء وسخاء حجم تكاليف الإنتاج والميزانية المخصصة من المال العام.. نصوص جيدة .. فكاهة ذكية .. دراما متجددة، لا تجتر نفس المواضيع .. زواج طلاق .. صراع على الإرث .. العام زين .. إنتاجات لا تتخندق في دائرة "المناسباتية" .. الفرجة ليست دائما مع الحريرة في رمضان فقط .. شهر التوبة والصيام، بل على طول العام والعام زين كما سبق الذكر، وكلشي زين فداك الوزين ..
من قال أن العديد من الممثلين والمؤلفين المغاربة يعيشون حالة من البطالة والحصار "غير المعلن عنه" !؟ .. "كولشي خدام غير مكايساليوش بكثرة الأعمال"..
ليس هناك احتكار لنفس الوجوه للمشهد الدرامي وبرامج الكوميديا .. لا يمكن القول أن المجال يشهد تهميش السيناريست لصالح شركات تنفيذ الإنتاج .. وأن المنتج المنفذ والمخرج ومساعد الإنتاج والسكرتيرة، تحولوا في غفلة من الإدارة إلى مؤلفين، كل ما سبق ذكره جعل المجال الإبداعي في القطب العمومي، ساحة منفتحة وغير مغلقة ولا يتحكم فيها بعض المنتجين المنفذين وثلة قليلة من المخرجين، الذين لم يتحولوا إلى مؤلفين بالصدفة، ولا يقتسمون "الكعكة" فيما بينهم.
قبل أن تواصل أو تواصلي قراءة بقية المقال، يمكن لكل من وصل إلى هذه السطور، أن يعيد القراءة من البداية بحذف النفي والاستثناء في تركيب الجمل، أي لا و لم و ليس وإلا .. ولكم أن تحددوا هل الحقيقة في النفي والاستثناء أم في عكسهما !؟؟ .. ولكم واسع النظر في هذا المنظر أيها النظارة الكرام.

بينما يُنتج المغرب بالكاد 10 إلى 15 عملا دراميا سنويا، تُنتج مصر ما يفوق 50 عملا متنوعا، موزعة على مدار العام، بميزانيات ضخمة ورؤية إنتاجية احترافية.

الفرق صارخ !، فعندما يُعطى للسيناريو قيمته الحقيقية، ويُمنح المؤلف والمخرج والفنان حقه دون محاباة أو محسوبية. يمكن أن تتطور الإنتاجات الدرامية وتحقق الفرجة والتسلية وحتى التثقيف، فالوضع أشبه بسوق تطبعها الفوضى وصيحات "سلع الريكلام"، حيث يتم التسابق نحو التصوير قبل ضبط النص، و كأن الهدف ليس الإبداع، بل ملء ساعات البث بأي شيء عن أي شيء. وما يزيد الطين بلة، هو أن الإنتاجات المحلية لا تجد طريقها إلى الانتشار العربي على الأقل، بسبب انغلاقها على ذاتها واعتمادها على استسهال المواضيع والمعالجة الدرامية وغياب القطاع الخاص الحقيقي، والاشتغال بقاعدة "تعاونو معانا مازال ما خلصونا".

الهولدينغ السمعي البصري الوطني، رغم كونه فرصة للنهوض بالدراما، سيواجه لا محالة عقليات تقليدية يمكن أن تواصل احتكار المشهد الدرامي، مما يجعل أي إصلاح ضربا من العبث، ما لم تُرصد ميزانيات حقيقية، ويتم القضاء على تربع نفس الأسماء على كرسي الفرص، لذلك يمكن أن تبقى الآمال وحتى الوعود مجرد فقاعات إعلامية.

الحل؟
فتح المجال أمام كل الفئات، تمكين المواهب الجديدة من الفرص الحقيقية وعدم إعدام المؤلفين المحترفين، الذين يعانون من سرقة اختصاصاتهم من طرف المتطفلين على الكتابة الدرامية وبرامج الكوميديا.
المشكلة لا تتوقف عند جيل الشباب، فحتى الرواد الكبار يُدفعون بخبث نحو الهامش كأنهم أصبحوا عبئا على أعمال تلفزيونهم الوطني .. أسماء صنعت تاريخ الدراما المغربية، لكنها اليوم منسية، تعيش العزلة والتهميش، وكأن "كبر السن" أصبح وباء في هذا المجال. الفرق هنا أيضا واضح في العديد من التجارب العربية والعالمية في قطاع التلفزيون، حيث لا يزال الممثلون الكبار يحظون بأدوار رئيسية تليق بمكانتهم، ويستمرون في تقديم أعمال تضيف إلى رصيدهم الفني حضورا مؤثرا، بدل أن تنهي مسارهم المحسوبية و"باك صاحبي" و"أنا هو ولد مول الديكور" و"كي جاتك البنت لي باغا تمتل فابور؟"..
رغم بعض التحسن في السنوات الأخيرة، فإن الدراما المغربية لا تزال تحتاج إلى ثورة حقيقية في الإنتاج وتكافؤ الفرص والقطع مع الإقصاء، لذلك فإن نجاح الهولدينغ السمعي البصري، لن يكون ممكنا إلا إذا تم كسر احتكار نفس الأسماء للصفقات والشاشة، و إعطاء المؤلفين فرصتهم المستحقة بدل سحقهم، وإعادة الاعتبار للرواد الذين بفضلهم تأسست هذه الصناعة. غير ذلك، سيبقى الوضع كما هو ..
بطالة فنية .. إنتاجات باهتة، ومشهد درامي يراوح مكانه بينما الآخرون يركضون للأمام بسرعة البوراق.
فهل يعقل أن تظل نفس الوجوه تهيمن على المشهد الدرامي، بينما يجلس أغلب رواد التمثيل والمؤلفين الحقيقيين على الهامش في المقاهي، يشتكون للنادل عدم توفرهم على ثمن قهوة سوداء .. سواد واقعهم البئيس !؟.
في انتظار شبكة البرامج في شهر رمضان سنتأكد من حذف أو إضافة أدوات النفي والاستثناء .. و سنرى هل بقي الحال على ما هو عليه أم تغير الحال لما كنا نقول عنه أنه "مووحال على محال".
 
أعزائي المشاهدين إناثا وذكورا إلى فرصة قادمة بحول الله