"حزب الله"... قبل التشييع وبعده!

"حزب الله"... قبل التشييع وبعده! صور لنصرالله وصفي الدين انتشرت بكثافة في الضاحية الجنوبية وعلى طريق المطار
يوم الأحد سيكون حاشداً بالتأكيد، سينزل الشيعة من الجنوب والبقاع وبلاد جبيل ليلاقوا شيعة الضاحية وبيروت في المدينة الرياضية وعلى الطريق المؤدية إلى مثوى نصرالله على طريق مطار رفيق الحريري.
 
ربما لا يحتاج "حزب الله" إلى مناسبة بحجم تشييع أمينيه العامين الراحلين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين لتأكيد حضوره الكبير في الطائفة الشيعية. هذا الحضور الذي لا يبدو أن الحرب الأخيرة قد أصابته في الصميم. من التسرّع الحديث عن تأثير "زلزال" الحرب سلباً على شعبية الحزب، فما زال الجرح ساخناً وما زالت دماء الضحايا من مقاتلين ومدنيين تشد العصب وترفع الراية الصفراء.
 
يوم الأحد سيكون حاشداً بالتأكيد، سينزل الشيعة من الجنوب والبقاع وبلاد جبيل ليلاقوا شيعة الضاحية وبيروت في المدينة الرياضية وعلى الطريق المؤدية إلى مثوى نصرالله على طريق مطار رفيق الحريري. وسيحضر أيضاً كثير من اللبنانيين من الطوائف الأخرى وعراقيون وإيرانيون.. ليشاركوا في التشييع. سيكون الحضور، بشكل من الأشكال، من أجل نصرالله باعتباره أصبح رمزاً "مقدساً" لمحبيه حتى قبل أن يقضي في حرب رفع لها شعار مساندة غزة في الحرب الوحشية التي تشنها عليها إسرائيل. هو استفتاء على الولاء لنصرالله كرمز أولاً ثم على شعبية الحزب ثانياً.
 
مع انتهاء التشييع ستكون انتهت مرحلة من مسيرة الحزب وبدأت مرحلة أخرى. ذهب نصرالله وذهب معه تقريباً كل الطاقم العسكري والأمني المحيط به، بدأ ذلك منذ اغتيال عماد مغنية في دمشق عام 2008، وهو كان الرجل العسكري الأول في الحزب، ثم اغتيال الرجل الثاني مصطفى بدرالدين في دمشق أيضاً عام 2016 ليستكمل المسلسل في حرب الإسناد، ومابين كل ذلك اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي كان يقود جماعات إيران في المشرق العربي.
 
بالتأكيد يريد الحزب الذي جند كل إمكاناته لتأمين حشد تاريخي للتشييع استثمار المناسبة في السياسة اللبنانية وتجاه مختلف فرقائها أولاً، وفي تثبيت شعبيته في الطائفة ثانياً، وهو ما سيظهر في كلمة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم وفي المواقف السياسية التي ستظهر تباعاً بعد التشييع. ويمكن التكهن بأن ما بعد التشييع لن يكون كما قبله، فالحزب الذي يجد نفسه محاصراً ومستهدفاً سيحاول استعادة هيبته وسطوته، إذا صح التعبير، مستنداً إلى قوة تمثيل شعبي، وإلى خطاب قد يكون عالي السقف. من يعرف الحزب، لا يتوقع انكفاء أو تسليماً سهلاً بالأمر الواقع، على الأقل لفظياً وعلناً.  
 
لكن عندما يبرد الجرح سيكون على الحزب مواجهة واقع معقد وأسئلة صعبة تبدأ بعلاقاته السياسية الداخلية ولا تنتهي بالواقع الصعب الذي خلفته الحرب في بيئته و"شعبه".
 
سيسأل الحزب عن التعويضات عن الأضرار في الجنوب والضاحية والبقاع وبيروت، وهي هائلة وتفوق قدرته وقدرة الدولة اللبنانية بالطبع. المعطيات الأولية لا تشير إلى قدرة على التعويض، فما دفع حتى الآن هو مبالغ محدودة لتدبر أمور السكن الموقت وإصلاح الأضرار المحدودة في المساكن، والإشكالات في مسح الأضرار وتخمينها تظهر إلى العلن، هذا ولم يدخل بعد البحث في إعادة إعمار القرى والأحياء والمباني والمؤسسات المهدمة تهديماً كاملاً. المشاهد في قرى الخطين الأول والثاني في الجنوب تشير إلى هيروشيما لبنانية، مع فارق أن لبنان ليس اليابان!. إعمار هذه القرى فوق قدرة الحزب، وحتى فوق قدرة الدعم الإيراني إن أتى. حتى الآن لا يبدو الدعم الإيراني أكثر من زوبعة في فنجان المطار، فهناك طرق أخرى لن تعدمها دولة بحجم إيران لإيصال الدولارات عن غير طريق شنط المسافرين أو الحقائب الديبلوماسية.
 
 حتى الآن لم يلتزم أحد إعادة الإعمار إلّا الدولة اللبنانية بكلام غامض عن مسؤوليتها عنه من دون تحديد أطر هذه المسؤولية وأدواتها. وبالتأكيد لا تملك الدولة القدرة على تمويل الإعمار الذي يقدر ببضعة مليارات، فضلاً عن الاتجاه الغالب لدى القوى المناوئة للحزب والتي لا تحبذ تدفيع اللبنانيين فاتورة دمار تقول إن الحزب اتخذ القرار الذي تسبب به من دون الرجوع إلى الدولة. وهذا نقاش آخر في المسألة السياسية اللبنانية. يبدو الرهان منصباً على الدعم العربي الخليجي، وهذا لن يأتي من غير شروط باتت معروفة، فهل الحزب مستعد لتقديم تنازلات وضمانات تطلبها الدول العربية قبل الانخراط مجدداً في لبنان؟
 
ليس الوضع مريحاً للحزب، والجميع يريدون تدفيعه الثمن، قد يعينه الحشد الشعبي موقتاً، لكن التحديات أكبر وكلما تقادم الزمن كبرت التحديات وكبر معها القرار الذي على الحزب أن يتخذه. وهو قرار صعب في في كل الأحوال، فيما تصر إسرائيل على سياسة التحدي والاستفزاز عبر البقاء في نقاط خمس في الجنوب معيدة الوضع إلى ما يشبه مرحلة ما قبل التحرير في عام 2000. هذه السياسة التي ستترك للحزب حجة قوية لاستئناف المقاومة.
 
عن/ النهار العربي