بنسعيد الركيبي: القضية الفلسطينية.. من المساومة على الوطن إلى المقايضة بالأسرى 

بنسعيد الركيبي: القضية الفلسطينية.. من المساومة على الوطن إلى المقايضة بالأسرى  بنسعيد الركيبي
كانت منظمة التحرير الفلسطينية، رغم ما شاب مسيرتها من تنازلات، تحمل مشروعا وطنياً يقوم على تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، حتى وإن اضطرت في بعض الأحيان العصيبة التي مرت بها لمقايضة بعض الحقوق السياسية. 
 
وعلى الرغم من أن مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن خالية من الأخطاء، فإنها ظلت تناضل في إطار السعي نحو حل سياسي يحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية فسلكت طريق المفاوضات، وقدمت تنازلات مؤلمة، لكنها احتفظت برؤية الدولة كهدف نهائي؛ غير أن التحولات السياسية التي شهدتها الساحة الفلسطينية ما بعد أسلو، وخاصة بعد الإنقسام، اختزل الفرقاء القضية في حسابات فصائلية، حيث باتت الأولويات تختلف، وأصبح النضال الفلسطيني أداة لتحقيق مكاسب مرحلية بدلا من تحقيق الاستقلال. ففي السابق، كانت التنازلات تقدم مقابل اعتراف دولي أو انتزاع جزء من الأرض، أو فتح ممثلية، وصولا إلى وقوف الراحل ياسر عرفات على منصة الأمم المتحدة ودخول هذا الذي كانت تصنفه الولايات المتحدة الامريكية إرهابيا بيتها الأبيض. أما اليوم فقد تحولت القضية إلى صفقات يتم فيها مبادلة الأسرى بمكاسب آنية، في ظل واقع يتسم بالحصار والقتل والتدمير المستمر.
 
 فما معنى أن يقتل الآلاف من النساء والأطفال من أبناء الوطن إذا لم يكن دمهم ثمنا لتحرير الوطن عوض أن يكون هذا الدم المهدور ثمنا لتحرير بضع مئات من المعتقلين لا يلبث الكيان الصهيوني أن يعيد الزج بهم في معتقلاته؟
 
 إن هذا الواقع المزري الذي بلغ فيه التشرذم مداه، يدل على أنه لم يعد هناك مشروع وطني فلسطيني واضح، بل مقايضات تكرس الانقسام وتفتح المجال لمزيد من الصراعات، بينما يبقى الإحتلال هو المستفيد الوحيد من هذا المشهد. ومع استمرار هذه الديناميكية الدراماتيكية يبدو أن الحلم الفلسطيني بوطن مستقل يتلاشى شيئًا فشيئًا.
 
فبدلًا من التفاوض على دولة ذات سيادة، باتت الأولويات تتجه نحو صفقات تبقي الوضع على ما هو عليه، إسرائيل تقتل، تعتقل، تدمر دون أفق سياسي واضح. وفي ظل هذا الواقع، تتعاظم المخاوف من أن يصبح الوطن مجرد صفقة، وأن يختزل المشروع الفلسطيني في صفقات تفتح الباب لمزيد من الدمار، فتتآكل الأرض وتضيع الهوية، ويدفن الحلم الفلسطيني في وطن براية ومطار وجواز سفر. وما لم يتوقف هذا النزيف السياسي، وما لم تتوحد الرؤية الوطنية الفلسطينية، فإن الثمن سيكون باهظا، ليس فقط على المستوى السياسي، بل على وجود فلسطين نفسها ككيان ودولة. 
 
ويبقى السؤال مطروحا: إلى متى سيظل الفلسطينيون يدفعون الثمن في صفقات لا تخدم إلا من يتاجر بالقضية؟