كانت أول حصة رياضة مدرسية لنا في السنة أولى إعدادي جرت في ملعب فسيح جديد ومجهز ..فيه مسار للعدو مخطط بأرضية حمراء .. كانت وقتئد على ما يبدو سياسة رياضية تنطلق من الألعاب المدرسية حيث يتم انتقاء احسن العناصر في شتى الرياضات التنافسية الفردية والجماعية ..
كان الملعب مجهزا بملاعب للباسكيط والهوند والفولي والقفز الطولي ووقفز العلو ورمي الاثقال والجافلو..نعم كل هاته الألعاب كانت لها أماكن تقنية جيدة مع كل تجهيزاتها، حتى تسلق الحبل كان موجودا.. كان المعترك فسيحا وجميلا يسع عدة أساتذة يشتغلون في نفس الوقت، كل واحد مع تلامذته يأخذ جانبا مريحا قرب مكان الرياضة التي سيلقنها لهم، فتسمع الصراخ هنا وهناك أثناء الإحماء و أثناء اللعب ..
كانت حيوية ملحوظة تراها طيلة الزمن المدرسي وتكون أكثر تنافسية في الأربعاء بعد الظهيرة حيت الألعاب المدرسية ASS .. اليوم أصبح فضاء الرياضة جد مقلص في جانب من الاسفلت المسلح في زاوية ما قد لا تتوفر على حرمة تليق بالرياضة وتقي الجسم من الحوادث..
كان أول يوم رياضي لنا جد مثير، وقفنا أربعة صفوف ككتيبة مجندين جدد، كل يلبس ما توفر عليه من لباس رياضي، بدت الصفوف مزركشة بألوان مختلفة قبل أن يحدد الأستاذ لون القميص العلوي بالخصوص ليقسم القسم إلى فريقين بلونين مغايرين حتى يسهل اللعب بفرق منسجمة.. يكون الحديث بنوع من الصرامة أخذا بقاعدة العنف المشروع الرائج وقتئد "من نهار اللول يموت المش" : شوفو سيمانة الجاية لي ما جابش التوني بلا ما يجي راه غادي يتقيد absent..
يجيء السوق الأسبوعي الذي هو يوم خميس، لأنه لم يكن هناك متاجر للالبسة عموما ولا حتى الأواني، متاجر الفيلاج كان فيها فقط ما يفيد في المطبخ والمأكل من خبز وزيت وما في حكمها، وحتى الخضروات لا توجد الا يوم السوق .. نذهب للسوق وننتشر كالجراد بين قياطين الثوب والالبسة بحثا عن شيء يشبه لون القميص، ونبحث أيضا عن حذاء رياضي ذلك المشهور وقتئد صاحب الثوب الأحمر المتين في الأعلى والمخطط بالأسود وأحيانا نقتني حذاء بلاستيكيا كنا نسميه "باطاخينز" لأننا لم نكن نحلم بشراء باطا الحقيقية التي كانت هي رأس السوق في الأحذية وقتئد .. نقتني أيضا شورطا أقرب إلى التبان منه للباس رياضي، ونقتني بعض الحمص ونصف باريزيان مدهون بالطون والحرور ونقفل راجعين ..
في الأسبوع الموالي نقف منتصبين أمام الأستاذ فيمر بين الصفوف يراقب ويتامل أطفالا أتوا على التو من أصقاع دكالة و تبدو عليهم البداوة ، يعطي ملاحظات حول اللباس بين مقبول ومرفوض فتمر الحصة التدريبية الأولى "بستة وستين كشيفة"، وتتوالى الحصص حتى يألفنا ونالفه..
وإذ كنا نميل للرياضات الجماعية الاندفاعية كالهوند والباسكيط وكرة القدم التي كانت حصصها قليلة جدا جدا لأن مجالها المفتوح هو الملعب البلدي، فإن أطرف رياضة كانت تقرفنا عموما هي الجمباز، فما أن نرى "التابيات" تخرج من الفيستيار حتى نعلم أن الحصة ستكون مليئة بالطرائف..
يقوم الأستاذ بعرض أولي تطبيقي حول تسلسل الحركات l'enchaînement ، ثم بعدها نقف في الصف الواحد تلو الآخر ونمر بالتتابع.. فتبدأ الحركات العشوائية والسقوط بعد محاولات ومحاولات الوقوف على الرأس.. لكم أن تتصوروا مع تلك الالبسة الرياضية ما قد يحدث من طرافة ومواقف وخصوصا في الجزء السفلي.. نكتم ضحكاتنا بقوة ونؤجلها رغما عنا حتى تنتهي الحصة ويذهب الأستاذ كي لا نتعرض للعقوبة .. بعدها تبدأ الضحكات ملء الفم بين تلاميذ يشبه بعضهم بعضا في المسارات ويشاركون افراحهم وخيباتهم بلا تحفظ إلى يومنا هذا ..
الدكتور عبد العزيز حنون/ طبيب اختصاصي في الصحة العامة