حدائق ثريا.. إلى روح ثريا السقاط في ذكرى رحيلها الثالثة والثلاثون

حدائق ثريا.. إلى روح ثريا السقاط في ذكرى رحيلها الثالثة والثلاثون المرحومة ثريا السقاط والدة توفيق الوديع، ومشهد لحدائق ثريا بمدينة بلنسية
في رحلة، لم تكن مبرمجة، أخذتني، لبضع ساعات، إلى مدينة بلنسية الإسبانية...كان فن المعمار المغربي يبصم لتاريخ وحضارة حرص أهل الدار على الحفاظ عليهما...كما حافظوا على مبادئ ابن رشد وابن ميمون عبر تماثيل تؤرخ للتعايش العقائدي الذي طبع حقبةً فاصلة من تاريخ البشرية...
 
ببلنسية كانت مفاجأةُ رفيقة دربي لي حين أخذتني ، من حيث لا أدري، إلى حدائقَ غنّاء اكتشفتُها صُدفة...هي "حدائق ثريا"...

حدائق تمتد على مساحة مائة هكتار تشق المدينة الى ضفتين تربطهما عدة جسور متنوعة الهندسة منها الحديثة وأخرى يظهر انها بُنيت في عصر النهضة...
 
تساؤلي عن سبب تواجد هاته المنشآت الفنية الضخمة على طول المنتزه لم يدم طويلا: لقد كان هناك نهر ثريا القديم الذي تم تجميده وتحويله الى منتزه بعد الفيضانات المهولة لسنة 1957.

 على مد البصر كانت حدائقك، التي تحدها شمالا وجنوبا، أشجار كثيفة ومتنوعة جعلت منها متنفسا طبيعيا للساكنة واتخذ الزوار منها منتزها خصوصا عند عطلة نهاية الاسبوع. 
 
على الضفة الشمالية دروبُ بلنسية العتيقة التي حافظت على طابع معماري خاص...و جنوبا دروب المدينة الحديثة...

تأملت كثيرا في الصدف التي جعلت نهرا يحمل إسمك يصر على الاستمرار في العطاء رغم تجفيفه طوعا، فبعد أن كان مصدرا لعيش الساكنة وكان ماءه رَواءا يسقيها والحقول صار متنفسا لها...
 
هو نفس العطاء الذي لم تبخلين به على أحد طول حياتك...على قِصَرِها...وبعد الرحيل كذلك
تحضرين، ثريا والدتي أيتها الام الرؤوم، حيثما يحضر الجمال ...جمال الطبيعة، جمال الكياسة...جمال الروح...
حينها تنفلت من ذاكرتي صورك وانت تتصفحين الجرائد بحثا عن أخبار بعينها،
وانت تحدثيني عن آخر كتاب طالعتيه،
عن نقاشاتك في آخر اجتماع أممي حضرتيه وكان جزاؤك الطرد من الجارة الشرقية حين رفضْتِ مقايضة الحديث عن اعتقال الأبناء بالقضية الوطنية، 
عن مؤتمر وطني كنت في  رئاسته في حضرة الكبار، عن إصرارك عليَّ لإلقاء رائعة نزار قباني في رثاء "بلقيس"  في حضرتك، تصححين لَحني وانت تُعدِّين تلك الحلويات التي عشقناها...ولانزال.
لن ازور قبرك في ذكرى رحيلك الثالتة والثلاثون ولكن تشاء الصدف أن أستمتع بك في الحديقة البديعة التي تحمل إسمك...
 
ربما هو نداء روحك من أجل التلاقي في جنة خضراء...هي صدفة حتما...والصدفة خير من ألف ميعاد كما كنت ترددين...

على روحك الرحمة أيتها الأيقونة، وجميل الامتنان لك على حضورك الابدي رغم الغياب الجسدي