أريري: مدينة صوفيا.. عاصمة البلغار التي تكبر دون أن تشيخ!

أريري: مدينة صوفيا.. عاصمة البلغار التي تكبر دون أن تشيخ! الزميل عبد الرحيم أريري بوسط مدينة صوفيا
كانت مدينة صوفيا، عاصمة بلغاريا (شأنها شأن باقي مدن أوربا الشرقية) في العهد الشيوعي تخضع لتصريح السكن. لكن بعد انهيار جدار برلين عام 1989 وتفكك الاتحاد السوفياتي، تم إلغاء الحصول على التصريح، مما أدى إلى دينامية داخلية هائلة ببلغاريا تمثلت في تفريغ القرى وانتفاخ المدن الكبرى من قبيل: Sofia- Varna-Plovdiv-Borgos.
 
هذه الظاهرة لم تكن مدينة صوفيا مؤهلة لها ، خاصة وأن أكبر عمليات الهجرة الداخلية طالت العاصمة البلغارية، التي انتفخ عدد سكانها في ظرف زمني قصير. فبعد أن كان عدد سكانها حوالي مليون نسمة عام 1990، قفز العدد في ربع قرن، إلى 1.300.000 نسمة، أي ارتفع العدد بنسبة 30%. بدون أن تكون المدينة مستعدة لذلك من حيث البنية التحتية أو من حيث توفير وثائق التعمير لضبط المجال الحضري. 
 
ويكفي الاستشهاد بمثالين لإبراز حجم الضغط الذي تعرضت له صوفيا: 
المثال الأول، يخص المساحات التي كان مسموح بها في الفترة الشيوعية وفق ضوابط لا تتعدى 18 متر مربع لكل استوديو من غرفة واحدة، و52 متر مربع لشقة من 4 غرف مع أثاث محدد وعادي جدا standar. لكن مع تحرير الاقتصاد وتحرير السوق، برزت مبادرات عقارية استثمارية كانيبالية شملت قطاع السكن وقطاع الخدمات في كل اتجاه بالمدينة بدون رادع، مما أفرز فوارق مجالية واجتماعية فاضحة. وازداد الوضع سوءا مع انهيار منظومة الحماية الاجتماعية التي كانت توفرها "الدولة الشيوعية" لكافة المحرومين.
 

المثال الثاني يكمن في أن المواطن البلغاري كان عليه في العهد الشيوعي انتظار عامين أو أكثر، للظفر بترخيص لشراء سيارة متهالكة، وهو ما يفسر كيف أن أقل من 10% من البلغاريين فقط هم الذين كانوا محظوظين بامتلاك سيارة في الزمن الشيوعي. لكن بعد انهيار الجدار عام 1989، عرفت بلغاريا طفرة في عدد السيارات التي لم تعد وسيلة نقل بقدر ما أضحت إشهارا للترقي الاجتماعي. وهو مايفسر اليوم كيف أن بلغاريا، ذات 6 ملايين ونصف المليون نسمة، تتوفر على حظيرة سيارات تصل إلى 3،6 مليون نسمة( للمقارنة المغرب يضم 36 مليون نسمة بحظيرة سيارات تقارب 3 ملايين سيارة فقط)، أي أن أكثر من نصف البلغاريين يتوفرون اليوم على سيارة.
 
ومما زاد من صعوبة الوضع أن بلغاريا ككل (وليس صوفيا لوحدها)، عاشت حالة من اللااستقرار الحكومي والمؤسساتي في المرحلة الانتقالية التي تلت الانسلاخ عن المعسكر الشيوعي. إذ في الوقت الذي كانت المدن تنتفخ بالهجرات الداخلية وبالضغط على المرافق والخدمات الحضرية، كانت بلغاريا بدون حكومة طوال ربع قرن، على اعتبار أن كل الحكومات التي تعاقبت على تدبير شؤون البلد منذ انهيار جدار برلين عام 1989إلى مطلع الألفية الحالية، كانت تدوم لفترة قصيرة وتنهار( 8 حكومات في ظرف 20 سنة)، وبالتالي نمت صوفيا فوضويا، وبدون تصميم وبدون وثيقة تعمير.
 
لكن مع انطلاق المفاوضات الرسمية لانضمام بلغاريا للاتحاد الأوربي يوم 15 فبراير 2002، وما فرضته هاته المفاوضات من شروط وتدابير وإعداد كتاب أبيض حول الفساد وإصلاح القضاء ومناخ الأعمال وجودة العيش بالمدن، إلخ.... حدثث الصحوة العمومية لدى سلطات بلغاريا بوجوب القطع مع الفوضى ووجوب التدخل لضبط المجال الحضري، لربط البلد مع معايير الفضاء الأوربي.
 
وأعطيت الأولوية لمدينة صوفيا لاعتبارين اثنين: أولا، كونها المدينة التي تأوي 20% من سكان البلاد، وثانيا لجعل صوفيا رأس الحربة في التحول الحضري ببلغاريا ككل. 
 
وهذا ما أثمر عام 2007 إخراج وثيقة تعمير جديدة تسمح بتغطية "صوفيا الكبرى"، لتكون العاصمة البلقانية هي إحدى أهم العواصم الجهوية في منظومة المدن الأوربية.
 
وما لاحظته وأنا أزور بلغاريا للمرة الثانية، في ظرف سنتين، أن مدينة صوفيا " تكبر دون أن تشيخ"، على حد تعبير Yordanka Fandakova، التي كانت تشغل منصب عمدة المدينة سابقا.