يكاد المرء يُجزم اننا هنا بإزاء ظاهرة مَرَضية غير قابلة للشفاء بتاتاً، بسبب تعدد منابعها، ودوافع نُشوئِها، وتَنوُّع خلفيات مُنشِئيها الفسيفيائية، التي يصعب في أغلب الحالات وضع اليد على حقيقتها، الخفية والملتبسة في أغلب الحالات أيضاً!!
مناسبة العودة إلى هذا الموضوع، المزعج بكل المعايير، أن عالَماً غيرَ مألوفٍ ولا منطقيٍّ ولا معقولٍ نشأ وينشأ على أيدي أصحاب تلك القنوات، لا يحكمه أي منطق، ولا يخضع لأي معيار معقول، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو الثقافة أو الفن او الرياضة... عالم يصنعه الفكر والفهم الغريبان والمَريضان لدى هؤلاء المؤثرين الهامشيين، الذين يخرج الواحد منهم علينا كل صباح مدفوعاً بضحالة انتظاراته وانشغالاته!!
فمرةً تعلن قناةُ أحدِ هؤلاء الحربَ من جانب واحد على عدو أو أعداء لا علم لهم بالموضوع أساساً، فتارةً، على سبيل المثال، يكون المغرب هو المعلِن لبدء المعارك، وتارةً أخرى يكون المغرب متقمصاً دور الضحية الغافلةِ وغيرِ المُدرِكةِ ولا الدارِيةِ بما يدور حولها أو بالقرب منها!!
ومرة يخرج صاحب القناة، أيُّ قناة من ذلك النوع الرديء والمتعفّن، فيُطلق تفاسيرَ وتَآويلَ لتصريحاتِ شخصياتٍ مسؤولة من هنا وهناك ليتضح في آخر المطاف أن الأمر في حقيقته لا يعدو أن يكون تعبيرا أحادياً عن فهم صاحب القناة لما يجري على الساحة فهماً لا يشاطره إيّاه أحدٌ من العالمين!!
ومرةً يصنع صاحب إحدى تلك "القنوات/المَصائبية" حواراً بين شخصيتين عموميتين، يرقَيان أحياناً إلى منصب قيادة دولتين، فتنشأ عن ذلك بلبلة لا يُعرَفُ لها أولٌ ولا آخر، كما فعل أحدهم وهو ينقل خبر وقوع ملاسَنة شديدة اللهجة بين الرئيسين ترامب وبوتين، بمجرد استلام أوّلِهما مفاتيحَ مكتبِه البيضاوي، بالبيت الأبيض، بينما الاتصال المباشر بينهما لم يتحقق لا عن قُربٍ ولا عن بُعد!!
والغريب العجيب أن أصحاب هذا الضرب من العَتَه التواصلي والإعلامي (يا حسرة على رسالة الإعلام) ينامون قريرِي العين، ولا يَرِفُّ لهم جَفن، لأن ضمائرهم في راحة مستديمة، حتى لا نقول إن ضمائرَهم أسلمتِ الروحَ لربها وغادرت إلى غير رجعة!!
مِن آخر ما تفتق عنه هذا النوع الأسود من القنوات، أن عدداً غيرَ قليلٍ منها تَخصَّص في الغيبة والنميمة والتلامز والتنابز، حتى أنني أوشك أن أُفصح عن اسم صاحب إحداها، لولا مخافة الخروج عن مَساطر التعامل عبر هذه الوسائل التواصلية، يعيش خارج الوطن بسبب متابعات تزكم روائحها الأنوف، ولكنه رغمَ وضعِه المريب هذا، والمُخزي، يَخرج يومياً بحلقات يَسبّ فيها مثقفين ومسؤولين وفاعلين يعيشون داخل الوطن، يتقاسمون مع إخوانهم المواطنين حُلْوَهُ ومُرَّهُ بكل أريحية، فلا يجد مَن يوقفُه عن حدّه، رغم ما يُلحِقُه بضحاياه هؤلاء من الضرر المتجاوز حدوده المعنوية والأدبية إلى درجة الإضرار بأنشطتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها... وما زال على ذي الحال إلى غاية زمان الله هذا، ولا يبدو عليه أدنى حرج وهو يمارس خِسَّتَه ونِفاقَه وجُبنَه اليومي والمستديم، موجهاً ضرباته العشوائية إلى ضحاياه مِن وراء حُجب الجغرافيا، وتلك خِصلةُ كل الأَفّاقين والجُبناء الرَّعاديد!!
والنتيجة، كما قلنا ذلك مراراً وتكراراً، أن الساحة الإعلامية أضحت موبوءةً وكريهةَ الكُنْهِ والرائحة، لأنها بكل بساطةٍ مَلْئَى بالمتردية والنطيحة وما أكل السبُع... فأين هي الغايات الموصوفة بالنبيلة، والتي أُنشِئَت من أجل خدمتها الوسائلُ التكنولوجيةُ فائقة التطوّر والدقة، في مجالاتٍ راقيةِ الأهداف كالاتصال والتواصل وتبادل المعارف والمنافع؟!
من يجيب بعقلٍ، وبمنطقٍ، وبلا بَبغائية؟!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.