انغير بوبكر: تهجير الفلسطينيين من أرضهم مخالف للقانون الدولي ومهدد للسلم والأمن الدوليين

انغير بوبكر: تهجير الفلسطينيين من أرضهم مخالف للقانون الدولي ومهدد للسلم والأمن الدوليين انغير بوبكر
استمعت كمعظم سكان العالم للتصريحات الغريبة والمفاجئة للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في المؤتمر الصحفي الذي نظمه بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو، التي قال فيها بأنه ينوي تهجير الفلسطينيين من غزة واسكانهم قسرا في الأردن ومصر وباقي الدول العالمية ليحول غزة الى مشروع عقاري كبير أو ما اسماه ريفيرا الشرق الأوسط، هذه التصريحات الخطيرة التي بينت من جديد سيطرة العقلية الاقتصادية الراسمالية الفجة في العالم على انقاض القيم الإنسانية النبيلة وعلى انقاض القانون الدولي الإنساني، تصريحات غير مسؤولة وغير واقعية بتاتا، أتت في وقت كان العالم ينتظر من حكام البيت الأبيض الجدد مواقف أخرى مغايرة، تصحح الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها الإدارة الامريكية السابقة بقيادة بايدن اتجاه الفلسطينيين واتجاه كل الديموقراطيين والاحرار في العالم حيث سمحت لليمين الإسرائيلي في تدمير غزة وابادة جزء من شعبها بالسلاح الأمريكي تحت ذريعة القضاء على حماس، كما سمحت إدارة بايدن ببقاء نظام الأسد الجاثم على شعبه والسكوت على جرائمة المروعة التي يندى لها جبين الإنسانية، كما سمحت إدارة بايدن لإسرائيل بتدمير جزء من لبنان وتهجير الالاف المدنيين من القرى الجنوبية ..، كان من المنتظر أن يساهم الرئيس الأمريكي الجديد في مساعي إيجاد تسوية سياسية في الشرق الأوسط على أساس قيام الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية جنبا الى جانب وحصر دوامة العنف والاقتتال في المنطقة والتمهيد لحوار إسرائيلي فلسطيني يوقف الإرهاب والتطرف ويبني قواعد الثقة لاستئناف مباحثات ومناقشات الوضع النهائي المفضي لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة بجاور دولة إسرائيل الامنة المستقرة، وكان من المتوقع ان يقوم الرئيس الأمريكي الجديد بلجم اليمين الإسرائيلي المتطرف ومواجهة كل أفكاره الدينية المتطرفة التي تبني عقيدتها على القتل والابادة واسترداد أراض موعودة في التوراة وغيرها من المرتكزات الأيديولوجية التي يبني عليها اليمين الإسرائيلي عدوانه وشغفه للدماء والحروب، انتظر العالم رئيس دولة عظمى ينشر السلم والأمن الدوليين ويتجاوز منطق سابقيه في غزو أفغانستان والعراق وسوريا واليمن .. حيث ماتزال تداعيات التدخلات الأمريكية العنيفة في عدد من مناطق العالم شاهدة على الجرائم البشعة التي ارتكبها الساسة الأمريكيون  وقاموا بالاضرار بشكل كبير بصورة أمريكا لدى الشعوب .

فكرة تهجير الفلسطينيين من ارضهم و تقويض  حلم الدولة الفلسطينية عبر الاعتراف الأمريكي بضم الضفة الغربية لإسرائيل، فكرة غير قابلة للتحقق عمليا ولم يستسغها حتى عتاة الدولة الإسرائيلية أمثال يهود بارك واخرون الذين اعتبروا الفكرة محض خيال، كما ان هذه الفكرة ستواجه من طرف كل الدول المحيطة بفلسطين حيث ان تهجير الفلسطينيين الى الأردن  يعني تغيير ديموغرافي كبير  في بلد شهد  تشكل منظمات فلسطينية عانى معها النظام الأردني سابقا ومنها منظمة أيلول الأسود  التي ورطت الأردن في حروب داخلية خطيرة في السبعينات وادت الى مشاكل اردنية داخلية عويصة وجروح لم تندمل بعد بين الفلسطينيين والأردنيين، التهجير نحو الأردن هو اعلان حرب من قبل إسرائيل على بلد صغير امن مستقر ونقض لمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الهشة أصلا ، التهجير الفلسطيني هو تهديد حقيقي  لنظام الحكم الأردني الذي عانى تاريخيا من النكبة الفلسطينية ومن جميع التطورات السلبية التي يعرفها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما ان تهجير الفلسطينيين الى مصر  هو مس  واضح بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وعودة لعقارب الساعة الى الصفر، الى زمن الصراع والاحتراب المصري الإسرائيلي، فهل يعقل  الرئيس ترامب فعلا ما يقول؟. 

قد يكون رئيس الوزرء الإسرائيلي بينيامين نتانياهو اسعد رجل في العالم اليوم وهو يرى بام عينيه ويسمع باذنيه مباشرة رئيس دولة أمريكا العظمى يخلصه من كابوس غزة و من اهوال شعبها، وسيكون  وزراء اليمين الإسرائيلي بن غفير وسموتريتش اكثر سعادة منه لانهم يحققون احلامهم التلموذية المتطرفة بايدي أمريكية وبسلاح امريكي وبدعم من رئيس امريكي ينظر إلى العالم بمنظار الاستثمار والمال والأعمال ولا يبالي لا بالانسانيات ولا بالشعارات الحقوقية ولا يكترث لا بالمحاكم الجنائية الدولية ولا بقراراتها ، بل أولى خطواته  هي الانسحاب من كل المنظمات الدولية التي لا عائد مالي استثماري لها، فانسحب من دعم الانروا وهي منظمة اغاثية دولية لها دور محوري في دعم الساكنة المتضررة من الحروب والمجاعات والأوبئة  مما يعني ان الغاء الدعم الأمريكي لها هو اعدام للمبادرات الإنسانية التي  تنقذ الالاف النساء والشيوخ والأطفال في فلسطين والعالم، كما أن الانسحاب الأمريكي من مجلس حقوق الإنسان الأممي ومن اتفاقية المناخ العالمية ومن كل المنظمات الحقوقية الدولية هو اعلان نكوصي لدور الولايات المتحدة على صعيد نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان واعتبارها من الدول الديموقراطية الحرة، لكن الإدارة الجديدة أعلنت بدون شك ولا دوران أنها مصطفة  مع الراسمال المتوحش الذي يمهد للحروب العالمية ولمزيد من الاحتقانات الدولية عبر الضغط على الصين ومواجهة المكسيك وكلوبيا والتحرش بوحدة أوروبا واستهداف كندا وابتزازدول الشرق الأوسط . لكن هل الولايات المتحدة الامريكية بتاريخها وقوتها ستبقى رهينة تقديرات شخصية لرئيسها الجديد ، ام هي منظومة دولتية قادرة على كبح جماح التغلغل اليميني في دواليب إدارة ترامب؟ بطبيعة الحال وزير الخارجية الأمريكي الجديد مارك روبيو يعرف تمام المعرفة تشعبات القضية الفلسطينية وفي ادارته للخارجية يعرف أن قرار ترامب لتهجير الفلسطينين غير قابل للانجاز لذلك حور كلام رئيسه ليقول بانه يقصد المساهمة في اعمار غزة وليس احتلالها،  لكن الأكيد أن حقوق الإنسان والديموقراطية وجميع القضايا الإنسانية ستعاني مع الفكر الترامبي الذي يجسد تراجعا أمريكيا خطيرا في مجال الالتزام بالديموقراطية وحقوق الانسان في العالم .

الأمن والسلم الدوليين اليوم أمام محك حقيقي مع رئيس امريكي جديد يسعى لاظهار القوة الامريكية على حساب الشعوب الأخرى ويسعى لبيع الامن والسلم والاستقرار لكل بلدان العالم، فهاهو يساوم النيتوو الاتحاد الأوروبي على أمن أوروبا، وفي الشرق الأوسط يطالب امراء الخليج باموال طائلة لحمايتهم من شعوبهم، اما الدول الفقيرة التي ليس لديها ما تعطيه فلا يكترث إليها تماما ولا تهمه لا مجاعات شعب السودان ولا اقتتاله الطائفي كما لا تهمه كل القضايا الإنسانية العادلة ومنها الاحتباس الحراري وتغيرات المناخ القاتلة ولا يصغي لمطالب منظمات حقوق الانسان حول أوضاع المعتقلين في سجون الطغاة في العالم ولايسمع لصيحات ونداءات منظمات الصليب الأحمر ولا اليونسيف ولا اليونسكو ولا الأمم المتحدة حول القضايا الحقوقية التي راكم المجتمع الدولي في سبيل تحصينها والحفاظ عليها تراكمات مهمة معمدة بدماء ملايين الضحايا  والمعذبين .

 فكرة تهجير الفلسطينين من غزة وتسويغ احتلال الضفة الغربية هي أفكار قديمة متجددة تمتح من مرجعية يمينية متطرفة تعادي الإنسانية وتعلي من قيم الراسمال على حساب كرامة وحقوق الإنسان، أفكار يجب التصدي لها عبر مجتمع دولي متضامن وقطب دولي يضم الخيرين في العالم وجميع محبي السلام والديموقراطية في العالم وهم كثر لكنهم مشتتين ومتفرقين على الملل والنحل والأحزاب والنقابات، حان الوقت لاحياء جبهات المقاومة الدولية ضد الأفكار اليمينية المتطرفة في العالم بلبوساتها المختلفة الدينية والمذهبية والثقافية... حان الوقت لتشكيل جبهات للتصدي لكل الأفكار التراجعية النكوصية التي تستهدف المكتسبات الإنسانية في مجالات حقوق الانسان والحريات الأساسية ،فرئاسة ترامب وقتية ظرفية محدودة في الزمان لكن الأفكار الترامبية المستوحاة من العقائد الأيديولوجية الرجعية تعيش طويلا وتعتاش على الفراغ والفوضى والأنانية التي تطبع العالم، بمعنى أن مواجهة الأفكار الترامبية لا يكون بالشعارات ولا بالوقفات ولا بالندوات فقط بل يجب العمل على تقوية منظمات المجتمع المدني الداعية للسلام المتبنية لحقوق الإنسان وجميع القوى الدولية الفاعلة التي تسعى الى قيام نظام دولي عادل متوازن وقائم على احترام القانون الدولي وسيادة حقوق الشعوب. 

انغير بوبكر/ المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان دكتورفي تاريخ العلاقات الدولية