قال الباحث الجامعي محمد بوزنكاض، إن “تقاطع أجندة الحركات الإرهابية مع بعض الأنظمة السياسية بالمنطقة، من قبيل الجزائر، يشكّل أحد أكبر التحديات التي تعمق خطورة هذه الظاهرة، مما يستدعي تعميق التعبئة في مواجهة هذه التّحديات ومواكبة هذه التحولات بالبحث العلمي العميق لتركيب كلّ السّياقات ودراسة أبعاد الظّاهرة التي يبدو أنها ستتخذ أشكالا مختلفة في سياق التطورات الدولية الأخيرة و التَّنَبُّؤ بإيقاعاتها المختلفة في إطار المقاربة الاستباقية الوطنية”.
ويفكّك الجامعي بوزنكاض في حواره مع جريدة “أنفاس بريس”، “تمظهرات ذلك، وما يحصل في منطقة الساحل من تهديدات قد تعصف باستقرار الدول، على خلفية احتضان وتكوين عناصر التنظيمات الإرهابية لجعل خطر الإرهاب أكثر قربا منا في المنطقة”.
وفي ما يلي نصّ الحوار:
تتحدث عدّة تقارير عن وجود جهاديين مغاربة بأعداد مهمة في منطقة الساحل، هل يمكن ذكر أسباب ذلك، خاصّة أن الجهاديين المغاربة كانوا يتوجهون إلى الشرق، والأن إلى الجنوب؟
يجب قراءة هذا المعطى على ضوء التّحول الكبير الذي عرفته الحركات الإرهابية بعد الضغط الذي مارسته دول العالم على تنظيمات القاعدة وداعش في المشرق؛ حيث انتقل مركز الإرهاب من الشّرق نحو منطقة الساحل، واستغلت الحركات الإرهابية الفراغ السياسي الذي تعيشه المنطقة والمعطيات الجغرافية والأمنية المختلفة التي جعلت منها ملاذا لهذه الحركات لتطوير أنشطتهاـ مما أدى إلى تشكل حركات كثيرة تبايع داعش والقاعدة. وهو تحول جعل أنشطة هذه الحركات غير بعيدة من حدود المغرب الجنوبية ووجهة للعناصر التي يتم استهدافها وتجنيدها خدمة لهذه الأجندات الإرهابية. فأصبحت بذلك وجهة المجندين نحو الجنوب بدل الشرق، كما أن هذا التحول جعل خطر الإرهاب أكثر قربا منا، مما يستوجب منا كمغاربة الكثير من الحذر، تحصينا للمكتسبات، وعلى رأسها الأمن والتعايش الذي يظل يميز المغرب داخل العالم.
هناك تحديات كبيرة يواجهها المغرب، ويتعلق الأمر بالأمن بمتطقة الساحل بسبب وجود جماعات إرهابية نشطة مثل “القاعدة” و”داعش”، بالإضافة إلى الصراعات الداخلية في بعض هذه الدول، فضلا عن دور المخابرات الجزائرية في احتضان هذا الإرهاب واستعماله ضد الدول المجاورة ما تأثير ذلك على الأمن القومي للمغرب؟
تعيش منطقة السّاحل معضلة أمنية متعدّدة الأبعاد يشكل الإرهاب وضعف الاستقرار السياسي أحد أبرز مظاهرها، بالموازاة مع مظاهر التّخلف والفقر والجريمة الدولية والهجرة وغيرها، وهي معطيات تطرح تحديات كبيرة على دول الجوار باعتبار تأثير هذا الوضع على المجال المتوسطي بشكل عام وعلى المغرب خاصة باعتبار المجال الصحراوي الكبير المشترك، وكذا بالنظر للأدوار المركزية التي يلعبها المغرب في المنطقة تنمويا وأمنيا، وباعتبار الأدوار الكبيرة التي يضطلع بها في حفظ السّلم وتنمية المجال وحماية المنطقة بل وأروبا من المخططات الإرهابية، وهو سياق يرفع من مركزية المغرب في محاربة الإرهاب والجريمة بمختلف مستوياتها، باعتبار رهان دول الساحل على التجربة المغربية الأمنية والدينية والتنموية، حيث يضطلع المغرب بأدوار مهمة في الجوانب الاستعلاماتية وتفكيك الخلايا الإرهابية والتأطير الديني ومحاربة الأسباب العميقة للإرهاب، وتقديم الدعم البشري والتقني لدول المنطقة، وكذا باعتبار الشراكة متعددة الأبعاد التي يقدمها المغرب لدول المنطقة ويقدم من خلالها الجواب الأكثر فعالية لمشاكل الإرهاب والمتمثل في التنمية عبر مبادرة الأطلسي وأنبوب الغاز المغرب- نيجيريا وغيرها من المبادرات، في سياق تزايد الوعي بأن المقاربة الأنجع في مواجهة الإرهاب يجب أن تكون مقاربة تنموية أكثر منها مقاربة أمنية.
الوضع الأمني ومشاكل الإرهاب والجريمة بالساحل وإفريقيا جنوب الصحراء عموما ترفع من مركزية وريادة المغرب افريقيا وتجعل من تجربته نموذجا يحتذى وأساسا للشراكة الأمنية والاقتصادية تقدم لإفريقيا إلى جانب التنمية، الأمن والاستقرار والتوازن الديني والمجتمعي الذي يشكل أساسا عميقا لمحاربة التطرف بمختلف مستوياته.
المغرب كان دائمًا لاعبًا رئيسيًا في استراتيجيات مكافحة الإرهاب في المنطقة، سواء من خلال التعاون الاستخباراتي مع دول أخرى، أو من خلال تقديم الدعم العسكري والتدريبي لبعض الجيوش في دول الساحل. هل يمكن الحديث عن مواجهة استباقية يقوم بها المغرب ضد الجماعات الإرهابية بالساحل؟
الحقيقة أن التّجربة المغربية أعطت النموذج في أن محاربة الإرهاب تكون بالضرورة استباقية ووقائية أكثر ممّا هي ردّ فعل محدود في الزّمن، لذلك فقد اتسم النّموذج المغربي بالشّمولية، بما هي استراتيجية أمنية ودينية وتنموية وتشريعية تقوم على استهداف الأسباب العميقة للإرهاب، وتقطع الطريقة على القيم الحاملة أو المشجعة لكل أسباب التطرف، وتكريس النّموذج المغربي في التعايش والاعتدال والوسطية ومركزية إمارة المؤمنين، وهي قيم مغربية متأصلة تشكل أحد أبرز أسباب نجاح المغرب في حربه ضد الإرهاب، لذلك أمكننا الحديث عن نموذج مغربي متكامل أثبت فعاليته في محاربة بل والوقاية من الإرهاب.
لذلك، فإن الشراكة مع دول العالم تقوم من بين ما تقوم عليه على التنسيق لإفشال المخططات الإرهابية، وتبادل التجارب والمعطيات. وفي اتجاه افريقيا جنوب الصحراء أصبح للمغرب سمعة كبيرة في مجال التأطير الديني والثقافي وإشاعة الإسلام المعتدل والوسطي ونبذ كل قيم التطرف، ومساعدة الدول في تحقيق الاستقرار والتنمية باعتبارها الحل الأمثل لكل مشاكل المنطقة خاصة المشاكل الأمنية.
المكتب المركزي للأبحاث القضائية كشف عن وجود خلايا متطرفة داخل المغرب على ارتباط بداعش في الساحل، وذكر أنها كانت تهدف إلى تجنيد مقاتلين من داخل البلاد، بما في ذلك الذهاب للقتال في مناطق النزاع. ما هي أبرز العمليات التي نفذها المكتب للحد من خطر هذه الخلايا؟
أثبتت المقاربة المغربية في بعدها الأمني فعالية كبيرة في حماية المغرب وتقديم المساعدة لدول الجوار، ممّا جعل منها نموذجا يحظى بسمعة طيبة دوليا، وفي هذا الإطار يقود المكتب المركزي للأبحاث القضائية هذه المساعي الأمنية بشراكة وتنسيق مع مختلف المؤسسات الأمنية الوطنية والدولية، حيث استطاع المكتب المركزي منذ تأسيسه سنة 2015 تفكيك عددا كبيرا من الخلايا خاصة التابعة لداعش آخرها خلية حدّ السوالم أو ما عرف إعلاميا بخلية “الإخوة الأشقّاء“، التي كشفت عن استمرار التخطيط لاستهداف المغرب، كما كشفت عن مستوى التنسيق الكبير بين المؤسّسات الأمنية والتّعبئة الوطنية في مواجهة هذه التحديات وعيا من المغاربة بأهمية الأمن الذي يشكّل مكتسبا وطنيا يجب تحصينه؛ ذلك أن مسألة الوقاية من أسباب التّطرف وحماية البلاد من الإرهاب هي مسؤولية كل المغاربة ومختلف المؤسسات وليست حكرا على المؤسّسات الأمنية.
بعض التقارير تشير إلى أن الاستخبارات الجزائرية (دي آر إس) قد تكون قد قدمت دعمًا لجماعات مسلحة في سياق الصراع في مالي و النيجر من أجل توجيه هذه الجماعات لمواجهة خصوم سياسيين أو جماعات معارضة في المنطقة. مثلًا، هناك ادعاءات بأن الجزائر ربما قد دعمت جماعات متطرفة كجزء من استراتيجيتها السياسية لضمان تأثيرها في المنطقة ومنع الهيمنة الأجنبية (خصوصًا الفرنسية) على الوضع الأمني الإقليمي؟
يشكّل الأمن المؤشّر الأهم لقياس قوّة الدّولة المركزية في أيّ بلد، لذلك فقد كان الأمن الذي ينعم به المغرب مؤشرا قويا على قوة الدولة وتنظيمها، وهو الشرط الأساسي الذي يفسر التطور الكبير الذي عرفه المغرب على مختلف المستويات وصموده في وجه كل المحاولات الإرهابية. في المقابل كانت الجزائر أول الدول التي عانت من الإرهاب وظلّت تعيش تحت وقع تهديداته، لذلك اهتدت مبكرا إلى استراتيجية للتعامل مع الحركات الإرهابية قائمة على حماية عناصرها واحتضانه لتجنب تهديداته، وهو معطى اعترفت به الخارجية الفرنسية في مناسبات عدة على خلفية العمليات التي كانت تقوم بها ضد الإرهابيين بالمنطقة والذين يلتجئون إلى الجزائر، وفي مستوى آخر انخرطت الجزائر في توظيف الحركات الانفصالية والارهابية ضد دول الجوار، خاصة المغرب ومالي، وهو معطى لم تعد الجزائر قادرة على اخفائه بادعاء الحياد أو المساهمة في السّلم بالمنطقة، بل تجاوز الأمر ذلك لاحتضان وتكوين قيادات بعض هذه الحركات مثل “أياد غالي” الذي يقود حركة أنصار الدين في مالي، وثبت تورّطه مع المخابرات الجزائرية.
لذلك فالعقيدة العسكرية الجزائرية تعتبر توظيف الإرهاب وسيلة لزعزعة استقرار الدّول التي يشكّل استقرارها إحراجا للجزائر، وتحقيق مكاسب سياسية في مواجهة الأنظمة السّياسية التي تعتبر معادية للجزائر مثل مالي، بل وتهديد دول أخرى باستهدافها مثل الجمهورية الموريتانية، ويشكل تقاطع أجندة الحركات الإرهابية مع بعض الأنظمة السّياسية بالمنطقة، أحد أكبر التحديات التي تعمق خطورة هذه الظاهرة وتستدعي تعميق التّعبئة في مواجهة هذه التّحديات ومواكبة هذه التّحولات بالبحث العلمي العميق لتركيب كلّ السّياقات ودراسة أبعاد الظّاهرة التي يبدو أنها ستتّخذ أشكالا مختلفة في سياق التّطورات الدّولية الأخيرة والتَّنَبُّؤ بإيقاعاتها المختلفة في إطار المقاربة الاستباقية الوطنية.