أكدت‭ ‬تقارير‭ ‬استخباراتية‭ ‬تورط‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬دعمه.. التهديد الإرهابي القادم من منطقة الساحل

أكدت‭ ‬تقارير‭ ‬استخباراتية‭ ‬تورط‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬دعمه.. التهديد الإرهابي القادم من منطقة الساحل معظم التقارير الأمنية الدولية تؤكد تورط الجزائر في تمويل ودعم تنظيمات إرهابية بمنطقة الساحل
لا‭ ‬يمتد‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الساحل‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬مستقيم‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬"لحظة‭ ‬احترازية‭ ‬دائمة"‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬تعاني‭ ‬إجمالا‭ ‬من‭ ‬الاضطراب،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ضعف‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬وضعف‭ ‬مراقبة‭ ‬الحدود،‭ ‬واستغلال‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬للهشاشة‭ ‬الجغرافية‭ ‬التي‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭ ‬الصحراوية‭ ‬الشاسعة‭ ‬وبين‭ ‬المناطق‭ ‬الاستوائية‭ ‬الوعرة‭ ‬التي‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطابع‭ ‬الغابوي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الأزمات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البلدان‭.‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المعقد،‭ ‬يقاتل‭ ‬المغرب‭ ‬بكل‭ ‬إمكاناته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الفكاك‭ ‬من‭ ‬ارتدادات‭ ‬الأزمة‭ ‬المتشابكة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬مع‭ ‬تحول‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭ ‬إلى‭ ‬محضنة‭ ‬دائمة‭ ‬الحرارة‭ ‬للتنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬وطدت‭ ‬علاقاتها‭ ‬بشبكات‭ ‬تهريب‭ ‬المخدرات‭ ‬وعصابات‭ ‬الاتجار‭ ‬في‭ ‬الأسلحة‭ ‬والبشر‭. ‬

ما‭ ‬يؤكد‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬هو‭ ‬تواتر‭ ‬تفكيك‭ ‬الخلايا‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬مباشر‭ ‬بالجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬إذ‭ ‬كشف‭ ‬مدير‭ ‬المكتب‭ ‬المركزي‭ ‬للأبحاث‭ ‬القضائية‭ ‬«البسيج»،‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬صحافية‭ ‬بالرباط،‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭  ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬الأمن‭ ‬فككت‭ ‬40‭ ‬خلية‭ ‬لها‭ ‬ارتباط‭ ‬مباشر‭ ‬بالجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬«القاعدة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬الإسلامي،‭ ‬جماعة‭ ‬التوحيد‭ ‬والجهاد‭ ‬بغرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬جماعة‭ ‬نصرة‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين،‭ ‬داعش‭.. ‬إلخ»‭. ‬إذ‭ ‬تتلقى‭ ‬هذه‭ ‬الخلايا‭ ‬تمويلات‭ ‬مالية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تدريبات‭ ‬تقنية‭ ‬متقدمة‭ ‬لصنع‭ ‬المتفجرات‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬أولية‭ ‬متاحة‭ ‬في‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تنفيذ‭ ‬اعتداءات‭ ‬إرهابية‭ ‬على‭ ‬أهداف‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبرى‭ ‬بالبلاد‭. ‬

وحسب‭ ‬التقرير‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬الخلايا‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬توقيف‭ ‬عناصرها‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬بشكل‭ ‬سري‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬متفرقة‭ ‬من‭ ‬المغرب،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬مراكش،‭ ‬وفاس،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مناطق‭ ‬نائية‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬وبعض‭ ‬الأحياء‭ ‬الهامشية‭ ‬في‭ ‬ضواحي‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬الكبرى‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الموقوفين‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬طريقهم‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬إرهابية،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬يخطط‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬الساحل،‭ ‬إذ‭ ‬نجح‭ ‬130‭ ‬من‭ ‬المتطرفين‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬الالتحاق‭ ‬بساحات‭ ‬«الجهاد»‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬والساحل،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬كشف‭ ‬عنه‭ ‬تقرير‭ ‬البسيج‭.‬
 
.‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬يعتبر‭ ‬المغرب‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬من‭ ‬المساحة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بمكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬الساحل،‭ ‬علما‭ ‬أنه‭ ‬كان،‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬لاعبًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬في‭ ‬استراتيجيات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬برمتها،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاون‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬أمريكا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإسبانيا،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والتدريبي‭ ‬لبعض‭ ‬الجيوش‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يسعى‭ ‬لتعزيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬التنمية‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬الإرهاب‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أهم‭ ‬مبادرتين‭ ‬اقتصاديتين‭ ‬تقدم‭ ‬بهما‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإفريقي‭ ‬تتصلان‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بالاستقرار‭ ‬الضروري‭ ‬بدول‭ ‬الساحل،‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬عموما:‭ ‬أنبوب‭ ‬الغاز‭ ‬المغرب-‭ ‬نيجيريا،‭ ‬والمبادرة‭ ‬الأطلسية‭.‬
 
وإذا‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬هدفا‭ ‬للجماعات‭ ‬الإرهابية،‭  ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬مختلف‭ ‬التقارير‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬المحلية‭ ‬والدولية،‭ ‬فإن‭  ‬وجود‭ ‬جهاديين‭ ‬مغاربة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬يضعه‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الدول‭ ‬المهددة‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬موقعه‭ ‬الجغرافي‭ ‬جعله‭ ‬نقطة‭ ‬عبور‭ ‬للمجندين‭ ‬المتطرفين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والأفريقية‭. ‬كما‭ ‬يطرح‭ ‬عليه‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭ ‬تفسرها‭ ‬العمليات‭ ‬النوعية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬أجهزته‭ ‬الأمنية،‭ ‬بل‭ ‬يفسرها‭ ‬سعيه‭ ‬المستمر‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬دوره‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬ودول‭ ‬غربية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬«فريكوم»‭ ‬التي‭ ‬يشترك‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭. ‬حيث‭ ‬يقدم‭ ‬المغرب‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬معلومات‭ ‬حيوية‭ ‬حول‭ ‬تحركات‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الصحراء‭ ‬الكبرى،‭ ‬بينما‭ ‬يقدم‭ ‬«أفريكوم»‭ ‬الدعم‭ ‬الضروري،‭ ‬التقني‭ ‬واللوجيستي‭ ‬لمكافحة‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬الكبرى‭ ‬كملاذ‭ ‬آمن‭ ‬لعناصرها‭.‬
 
غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬طرحه‭ ‬هنا‭ ‬يبقى‭ ‬هو‭ ‬التالي:
إذا‭ ‬كانت‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬قد‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬تعيش‭ ‬ذروة‭ ‬نشاطها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬وأنها‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬تهديد‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدول‭ ‬المعنية،‭ ‬ومعها‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬فما‭ ‬الفائدة‭ ‬التي‭ ‬ترجى‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬وتجنيد‭ ‬الجيوش‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية؟‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي؟‭ ‬وما‭ ‬معنى‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يتطور‭ ‬بوتيرة‭ ‬تصاعدية‭ ‬في‭ ‬المنطقة؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الإرهابيين‭ ‬في‭ ‬منأى‭ ‬عن‭ ‬الهزيمة،‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الإمكانات‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭ ‬والتقنية‭ ‬المرصودة؟

 
يشير‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬ورقة‭ ‬سياسية‭ ‬واستخباراتية‭ ‬رابحة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وفي‭ ‬طليعتها‭ ‬الجزائر،‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬بعض‭ ‬التقارير،‭ ‬أنها‭ ‬قدمت‭ ‬دعمًا‭ ‬لبعض‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ٱقليمي‭ ‬معقد‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬صراع‭ ‬نفوذ‭ ‬أكبر‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭.‬

ويتضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬شاحنات‭ ‬مغربية،‭ ‬مؤخرا،‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬شرعت‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬كأداة‭ ‬للابتزاز،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬سعيها‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬ومعه‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬به‭ ‬علاقات‭ ‬تعاون‭. ‬فهل‭ ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬انخرطت‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬إقليمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وكلاء‭ ‬ٱرهابيين‭ ‬يقاتلون‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الثقيلة؟‭ ‬هل‭ ‬يتلقى‭ ‬الإرهابيون‭ ‬دعما‭ ‬سريا‭ ‬من‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الجزائرية‭ ‬لإبقاء‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬وخاصة‭ ‬مالي‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬تحت‭ ‬نفوذها،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬أصبحت‭ ‬خارج‭ ‬اللعبة‭ ‬بعد‭ ‬تمكن‭ ‬المجالس‭ ‬العسكرية‭ ‬لثلاث‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة؟‭ ‬هل‭ ‬تستنسخ‭ ‬الجزائر‭ ‬تجربة‭ ‬البوليساريو‭ ‬لتنتج‭ ‬جماعات‭ ‬عسكرية‭ ‬ملتحية؟‭ ‬هل‭ ‬تسعى‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬تزويج‭ ‬الإنفصال‭ ‬بالإرهاب‭ ‬لتحقق‭ ‬قوتها‭ ‬الضاربة‭ ‬المزعومة؟

 
لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬النماذج‭ ‬التي‭ ‬يُستشهد‭ ‬بها‭ ‬لاختبار‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬هو‭ ‬سياق‭ ‬نشوء‭ ‬«القاعدة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬الإسلامي»،‭ ‬وهي‭ ‬جماعة‭ ‬جهادية‭ ‬متشددة‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كفرع‭ ‬لـ‭ ‬«القاعدة»‭ ‬الأم‭. ‬وقد‭ ‬تزامن‭ ‬نشوؤها‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الجزائرية‭ ‬«العشرية‭ ‬السوداء»‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬كانت‭ ‬تحارب‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬معينة‭ ‬كان‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تسهيل‭ ‬تحركات‭ ‬بعض‭ ‬عناصر‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سياسة‭ ‬ضبط‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي،‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬للقاعدة‭ ‬بتوسيع‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الساحل،‭ ‬حيث‭ ‬أسست‭ ‬وجودًا‭ ‬قويا‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفضحه‭ ‬كتاب‭ ‬«الحرب‭ ‬القذرة»‭ ‬لجوناثان‭ ‬ليونز،‭ ‬إذ‭ ‬يثير‭ ‬المؤلف‭  ‬قضية‭ ‬تورط‭  ‬بعض‭ ‬عناصر‭ ‬المخابرات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬«توجيه»‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬دعم‭ ‬بعض‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتشددة‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬استراتيجية‭. ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬كأداة‭ ‬ضغط‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬صراعها‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬كوسيلة‭ ‬لزعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬مثل‭ ‬مالي‭ ‬أو‭ ‬النيجر‭.‬
 
وقد‭ ‬بينت‭ ‬تطورات‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬جوناثان‭ ‬ليونز‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬اتهامات‭ ‬باطلة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬أعلن،‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬إنهاء‭ ‬اتفاق‭ ‬الجزائر‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬توقيعه‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬متهما‭ ‬دولة‭ ‬العسكر‭  ‬بدعم‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لمالي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬بالنيجر‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬بعين‭ ‬الرضى‭ ‬لموقف‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬ضد‭ ‬الرئيس‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬نيامي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬العسكر‭ ‬بإغراق‭ ‬النيجر‭ ‬شهريا‭ ‬بآلاف‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نددت‭ ‬به‭ ‬منظمات‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬منظمة‭ ‬أطباء‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭.‬
 
خلاصة‭ ‬القول،‭ ‬إن‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يواجه‭ ‬فقط‭ ‬التهديدات‭ ‬الإرهابية‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الساحل،‭ ‬بل‭ ‬يواجه‭ ‬«إرهاب‭ ‬دولة»‭ ‬اختارت‭ ‬القناع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تصفية‭ ‬حساباتها‭ ‬الوضيعة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬اختارت‭ ‬زعماء‭ ‬الانفصال‭ ‬والإرهاب‭ ‬وكلاء‭  ‬للتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وهي‭ ‬استراتيجية‭ ‬تتوهم‭ ‬أنها‭ ‬ستسمح‭ ‬لها‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬على‭ ‬حدودها‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وتحويل‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬خلفية‭ ‬لكل‭ ‬عملياتها‭ ‬القذرة‭ ‬لضرب‭ ‬الحصار‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬ارتباطه‭ ‬بعمقه‭ ‬الإفريقي‭.‬

تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"
رابط العدد هنا