في ظل التحولات التي تشهدها الإدارة الترابية بالمغرب، عاد الجدل حول مكانة موظفي الجماعات الترابية ودورهم في تحقيق التنمية المحلية، وذلك عقب التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 28 يناير 2025. فقد أثنى الوزير على رؤساء الجماعات الترابية والمنتخبين، واصفًا إسهاماتهم في تدبير الشأن المحلي بـ"العمل الجبار"، لكنه بالمقابل تجاهل الإشارة إلى الدور المحوري لموظفي الجماعات الترابية، الذين يمثلون الركيزة الأساسية لضمان سير المرافق الجماعية وتفعيل السياسات المحلية.
لم تمر هذه التصريحات مرور الكرام، حيث أصدرت الجبهة الوطنية لموظفي الجماعات الترابية بيانًا عبّرت فيه عن استغرابها الشديد من هذا التجاهل، مؤكدة أن الموظفين الجماعيين يشتغلون بتفانٍ وروح وطنية عالية رغم الأوضاع المهنية الصعبة التي يعانون منها. ويواجه هؤلاء الموظفون أجورًا متدنية، وغياب التحفيزات والتعويضات، وعدم تسوية أوضاعهم الإدارية مقارنة بزملائهم في القطاعات العمومية الأخرى، وهو ما يعيق أداءهم ويحد من طموحاتهم.
كما شددت الجبهة على أن تحقيق التنمية المحلية لا يقتصر فقط على المنتخبين، بل يعتمد بالأساس على الموارد البشرية الجماعية، التي تتولى تسيير الجماعات الترابية بشكل يومي، وتحرص على تنفيذ القرارات الجماعية وتقديم الخدمات للمواطنين.
من خلال مداخلة وزير الداخلية، تم التأكيد على ضرورة تمكين الجماعات الترابية من الموارد المالية اللازمة حتى تتمكن من أداء دورها بفعالية. كما شدد الوزير على أهمية تنمية المداخيل الذاتية للجماعات لضمان استقلالية تدبيرها المالي، مشيرًا إلى أن الوزارة تعمل على تنزيل الإدارة الجبائية والمحلية لتمكين الجماعات من التحكم الكامل في مواردها.
إلا أن الجبهة الوطنية لموظفي الجماعات الترابية ترى أن هذه الرؤية تبقى غير مكتملة، حيث أن نجاح الجماعات في تدبير مواردها المالية وتحقيق التنمية المستدامة لا يمكن أن يتم دون الاهتمام بالموارد البشرية الجماعية. وأوضحت الجبهة أن المنتخبين يتغيرون عند كل استحقاق انتخابي، وتتم إعادة تشكيل المجالس الجماعية بشكل دوري، مما يجعل الموظفين الجماعيين العنصر الوحيد الثابت والمستمر في إدارة الجماعات الترابية، نظرًا لخبرتهم في تطبيق القوانين التنظيمية، وإلمامهم بالتسيير الإداري والمالي.
وفي هذا الإطار، أكدت الجبهة أن الحديث عن تحسين أداء الجماعات الترابية يظل مجرد شعارات إذا لم يتم الاعتراف رسميًا بدور الموظفين الجماعيين، ومنحهم حقوقهم العادلة والمشروعة. فالقوانين التنظيمية رقم 111.14 و112.14 و113.14 التي تؤطر عمل الجماعات الترابية تؤكد أن الموظفين هم المسؤولون عن تنفيذ السياسات الجماعية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، مما يستدعي منحهم المكانة التي يستحقونها داخل المنظومة الترابية.
كما طالبت الجبهة وزير الداخلية بضرورة الاستجابة لمطالب الموظفين، التي سبق طرحها في الملف المطلبي المؤرخ في 15 يناير 2025، وذلك عبر الحوار القطاعي المقرر استئنافه يوم 4 فبراير المقبل. وشددت على أن تجاهل هذه المطالب سيؤثر سلبًا على أداء الجماعات الترابية، وقد يؤدي إلى تصاعد الاحتقان داخل أوساط الشغيلة الجماعية، وهو ما قد ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.