محمد أمزيان: حرائق أمريكا.. دروس و عبر

محمد أمزيان: حرائق أمريكا.. دروس و عبر محمد أمزيان ومشهد من حرائق كاليفورنيا
توالت أخبار الانتشار السريع للحرائق بمحيط مدينة لوس انجلس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، والتي بدأت بحريق غابوي صغير، قبل أن تتسارع النيران والأحداث لتتحول الى جحيم متأجج يندفع بشكل جنوني، أشبه ما يكون بفوهة بركان مفتوحة وموجهة الى المدينة الميتروبولية التي تناهز ساكنتها 4 ملايين نسمة. و من خلال الصور المرعبة التي تناقلتها كبريات وسائل الاعلام العالمية و تقاسمتها الساكنة المحلية، و فداحة الخسائر التي خلفتها النيران بالمنازل و الممتلكات، يتضح جليا مدى قوة الحريق و قدرته التدميرية بالإضافة الى عامل السرعة في الانتشار و الذي كان مفاجئا على ما يبدو، مما حد كثيرا من قدرة فرق الإطفاء و حتى الساكنة المحلية على التدخل بشكل فعال في الوقت المناسب. 
 
و أنا أتابع هذه التطورات السريعة و المتسارعة و خروج الوضع، عن السيطرة، أثار انتباهي العجز الكبير الذي أبانت عليه الأجهزة الحكومية في التعاطي مع الكارثة، رغم كل الإمكانات المادية و اللوجستية المتوفرة في دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود العالم، و بالأخص في واحدة من أغنى الولايات التي تضم أحد أقوى رموز التفوق العلمي و التكنولوجي الأمريكي المتمثل في السيليكون فالي، كما تضم استوديوهات هوليوود الشهيرة و التي مثلت على مدى عقود من الزمن ذراعا ثقافية قوية لترويج النموذج الثقافي لبلاد العم سام و للحلم الأمريكي كما يفضل البعض تسميته، بالإضافة الى مدن كبرى عالمية مثل سان فرانسيسكو ولوس انجلس. كل هذا لم يمنع الكارثة و لم تتمكن السلطات من تطويق النيران او على الأقل حماية المناطق السكنية المأهولة و تجنب سقوط الأرواح و تدمير الممتلكات.
 
وانطلاقا من عدة أوجه الشبه التي تجمع ولاية كاليفورنيا الأمريكية بالقسم الشمالي لبلادنا، كالتطابق الكبير بين المعطيات المناخية والتشابه في نوعية الغطاء النباتي، بالإضافة الى النمو الكبير للمدن وما تشكله من ضغط متزايد على المساحات الطبيعية وخصوصا الغابات، يمكن اعتبار ما حدث جرس انذار يجب أن نأخذه بكثير من الجدية حتى نستعد بما يكفي لتجنب كارثة مشابهة لا قدر الله. 
 
وبعيدا عن المنطق الذي ذهب اليه البعض في تحليل الأحداث من خلال ربطها بالغيبيات واعتبارها غضبا وانتقاما الاهيا، سنحاول من خلال هذا التحليل البحث عن الأسباب التي كانت وراء هذه الكارثة الطبيعية و انجاز مقارنة بين مميزات المنطقة المتضررة و عدة مجالات ترابية ببلادنا، مع اقتراحات عملية يمكنها المساهمة في تجنب الكارثة. 
 
الموقع الجغرافي : 
تمتد ولاية كاليفورنيا على الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية على المحيط الهادي، و تقع بين خطي العرض 32 و 40 شمالا، و تتموقع أهم المدن الكبرى مثل سان دييغو ولوس أنجلس و سان فرانسيسكو بين خطي الطول 32 و 37 شمالا. و يتطابق هذا الموقع الجغرافي لولاية كاليفورنيا بالنسبى لخطوط العرض مع المنطقة الواقعة شمال مصب نهر تانسيفت (الصويرة القديمة  32 درجة شمالا)  الى كاب سبارتيل بطنجة (35 درجة شمالا).
 
المناخ المتوسطي : 
تتميز ولاية كاليفورنيا بمناخ متوسطي مشابه الى حد كبير لمناخ القسم الشمالي للمملكة، و ذلك نتيجة التواجد على نفس خطوط العرض و التأثير الكبير للمحيط، و هو مناخ يتميز بتزامن ارتفاع درجات الحرارة مع الموسم الجاف، و عدم انتظام التساقطات، بالإضافة الى تأثره الكبير بتداعيات التغيرات المناخية. 

 
و ينتشر هذا النوع من المناخ على طول السواحل المطلة على البحر الأبيض المتوسط، و منه جاءت تسميته بالمناخ المتوسطي، و لكن نجده كذلك بعدة مناطق أخرى كمنطقة كاليفورنيا، و الشيلي، و جنوب افريقيا بالإضافة الى أجزاء واسعة من أستراليا. 
 
الغطاء النباتي :
هذا التشابه في الظروف المناخية والموقع  الجغرافي نتج عنه تطابق كبير في الغطاء الغابوي و الأصناف النباتية. وكما هو الحال بكل المناطق ذات المناخ المتوسطي، تتميز هذه الولاية بتركيز كبير من الأنواع النباتية ذات معدل استيطان مرتفع للغاية، حيث من بين 18,743 نوعًا من النباتات المصنفة في الولايات المتحدة، يتواجد 3,488 نوعًا منها في كاليفورنيا مما يمثل معدلا يفوق 20 % ، منها 2,124 نوعًا غير موجود في أي مكان آخر، مما يمثل توطنًا بنسبة 61%. وبالتالي فإن ولاية كاليفورنيا تضم أكثر من 18% من النباتات الوعائية في الولايات المتحدة على مساحة 3% فقط من مساحة البلاد. تتميز أربع مناطق في هذه المنطقة بتنوعها البيولوجي الاستثنائي: سييرا نيفادا، وسلسلة الجبال المستعرضة في جنوب كاليفورنيا، وكلاماث-سيسكيو، وهي سلسلة جبال ساحلية تقع بين كاليفورنيا وأوريجون، بالإضافة إلى سلسلة جبال ساحل المحيط الهادئ.

و تنتشر أصناف الصنوبريات les conifères في جل المساحات الغابوية بالمنطقة، فبالإضافة الى أشجار السكويا بنوعيها الحمراء (Sequoia sempervirens) و السكويا العملاقة (Sequoiadendron  giganteu تتواجد غابات الصنوبر بكل أصنافه و خصوصا الصنوبر البحري Pinus pinaster.
 
التحديات المشتركة : حدة التغيرات المناخية 
وقد شكل توالي فترات الجفاف والارتفاع الكبير في معدلات درجات الحرارة، والانتشار الكبير للغابات الصنوبرية السريعة الاشتعال، عوامل رئيسية ساهمت في ارتفاع خطر الحرائق الغابات، كما هو الحال بشمال المغرب وجل  الدول المتوسطية. و لكن العامل الفارق في حرائق لوس أنجلس هو الرياح القوية التي تزامنت مع اندلاع الحرائق و الذي عقد مهمة فرق الإطفاء نظرا للسرعة الكبيرة لانتشار النيران. 

هذه الخصائص مجتمعة نجدها في المنطقة الممتدة شمال اللكوس الى سواحل طنجة و تطوان، و هو ما يستوجب من السلطات المختصة الرفع من درجة الاستعداد و الحذر و اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي كارثة مماثلة لما وقع في لوس أنجلس. 
 
التحديات المشتركة : التوسع العمراني 
يشكل النمو الديمغرافي الكبير و التوسع العمراني السريع، الناتجين عن قوة الاقتصاد المحلي و استقطاب كبير لرؤوس الأموال و اليد العاملة من داخل الولايات المتحدة و خارجها، يشكل نقط التقاء بين ولاية كاليفورنيا و جهة طنجة تطوان بالإضافة الى كونهما منطقتين حدوديتين لكلا البلدين. 

 
ويفرض هذا النمو توسعا عمرانيا سريعا جدا، يستوجب تخطيطا حضريا يستجيب للحاجيات الملحة و المستعجلة للسكن، و هو ما يتم على حساب المناطق الطبيعية، و الأراضي الفلاحية و الغابوية. 
 
من جهة أخرى، تزدهر الأنشطة السياحية بشكل كبير نظرا للمؤهلات الطبيعية الكبيرة و خصوصا الشواطئ و المنتجعات، بالإضافة الى ظروف مناخية مواتية. 
 
ويكفي أن تقوم باطلالة سريعة على صور الأقمار الصناعية لمدينة طنجة حتى يتضح جليا مدى الزحف الكبير على المناطق الغابوية المتواجدة بالمجال الحضري، و هذا يشكل تحديا لتدبير أخطار حرائق الغابات، و هو ما حدث قبل بضع سنوات بحريق منطقة كاب سبارتيل و مديونة، حيث كادت النيران أن تأتي على عدة منازل بحي مديونة المتواجد بقلب غابات الصنوبر، لولا يقظة السلطات المحلية و مصالح المياه و الغابات و الوقاية المدنية و تدخلها في الوقت المناسب. و مع ذلك استمر الحريق لعدة أيام، نظرا لقوة الرياح و الجفاف الشديد في تلك الفترة من السنة، و لم تتمكن فرق الإطفاء من اخماده بشكل كامل الا بعد أن أتى على عشرات الهكتارات من غابات منطقة الجبل الكبير.
 
و تشكل مخططات التعمير واعداد التراب اليات محورية في الجهود المبذولة للحفاظ على التوازن المطلوب لتحقيق التوسع العمراني المستدام و تجنب التوسع على حساب الفضاءات الغابوية، و الحفاظ على مساحات عازلة تفصل بين المساحات الغابوية و الأحياء السكنية لضمان حماية كافية أثناء اندلاع الحرائق، و تكون عبارة عن أشرطة خضراء باتساع كافي، و تتوفر على شبكة لصنابير إطفاء الحرائق، بالإضافة الى غطاء نباتي دائم الخضرة يساعد في توقيف انتشار النار. هذه الأشرطة العازلة يجب أن تكون أولوية خلال اعداد مخططات التهيئة.  
 
نقط الاختلاف : نوعية مواد البناء المستعملة  
يمثل الاختلاف الكبير في نوعية مواد البناء المستعملة في المغرب عموما، و في شمال المملكة على وجه الخصوص، و ما لاحظناه في ضواحي مدينة لوس أنجلس، عاملا محددا في حال اندلاع حرائق غابات في الأحياء المجاورة. 

 
حيث يتميز البناء بالمغرب بالاعتماد الكلي على مواد غير قابلة للاشتعال، كالإسمنت والأجور أو الطوب، و قليلا ما يتم اللجوء الى الخشب كعنصر أساسي في عملية البناء. و على العكس من ذلك تتميز المنازل التي أتت عليها النيران بولاية كاليفورنيا بالاعتماد الكلي على الخشب انطلاقا من الأساسات و الأعمدة و حتى الحيطان الفاصلة بين الغرف و الفضاءات يتم بناءها من الخشب أو من الجبص المقوى بألياف و هي قابلة كذلك للاحتراق. 
 
و رغم تواجد هذا الفارق النوعي و المحدد، فهذا لا يمنع من حدوث وفيات و إصابات في حال اندلاع النيران، و غالبا ما تكون ناجمة عن الاختناق بفعل الدخان الكثيف أو سقوط الأشجار المحترقة على البنايات.
 
 لذا يتوجب اعتماد سياسة عمرانية تأخذ على محمل الجد المخاطر المحتملة للحرائق و خصوصا في مدن جهة الشمال كطنجة و تطوان و المضيق، و ملاءمة مخططات التهيئة مع المعايير الدولية في مجال تدبير الأخطار، حماية للأرواح و الممتلكات.