المقصود ب"الأقسام"، هو الأقسام المدرسية، وخصوصا، أقسام المدرسة الابتدائية وأقسام التعليم الثانوي الإعدادي. والمنطق والقانون يقولان أن ما يدور داخل هذه الأقسام، يجب، حتماً، أن يكون ذا توجُّهٍ تربوي، بيداغوجي، تعليمي وتَعَلُّمي. التربية l'éducation لها علاقة ببناء شخصية المتعلِّمين. والبيداغوجية la pédagogie تسهِّل التربية والتعليم والتَّعلُّم. والتعليم enseignement ينطلق من المدرس تُجاهَ المتعلِّم. والتَّعلُّم يخصُّ المتعلِّمَ الذي جاء إلى المدرسة ليفهمَ كل الأشياء. الكل ينصهر فيما يُسمَّى، عادةً، العملية التَّعليمية التَّعلُّمية la situation d'enseignement apprentissage التي، من المفروض، أن تساهمَ في بناء شخصية المُتعلِّمين وتثقيفهم، أي إغناءُ رصيدهم المعرفي.
هذا هو الاتِّجاه الذي يدعوان له المنطِق والقانون، بمعنى أن كلَّ الأشياء (وضع، حدث، أقوال، أفكار…)، الصادرة عن المدرسين، خارجَ هذا الاتِّجاه، فهي بمثابة انحراف عن مهمة المدرسة التي لها دورٌ لا يُستَهان به في التَّنشئة الاجتماعية للمتعلِّمين la socialisation des apprenants.
والتَّنشئة الاجتماعية للمتعلِّمين هدفُها هو تحضيرُ هؤلاء المتعلِّمين للعيش في المجتمع. والمجتمع عبارة عن مجموعة مُنظَّمة من البشر يتعايشون في مكانٍ مُعيَّنٍ ويتقاسمون فيه نفسَ الثقافة ونفسَ القيم والأعراف والعادات والتَّقاليد… والمدرسة، إلى جانب الأسرة، تساهمان في بناء هذه التَّنشِئة الاجتماعية، علماً أن كلَّ واحدة منهما لها دور تقوم به.
ومساهمةً منها في بناء التنشِئة الاجتماعية، المدرسة تُربِّي وتُعلِّم. تُربِّي عبر المساهمة في بناء شخصية المُتعلِّمين. وبناء شخصية المتعلِّمين يتطلب تحرُّرَهم الاجتماعي émancipation sociale وتفتَّحَهم الفكري épaniuissement intellectuel وتمكينُهم من اكتساب الكفاءات les compétences الضرورية للعيش في المجتمع كالفكر النقدي la pensée critique، التحليل l'analyse والتركيب la synthèse وحلّ المشكلات la résolution des problèmes والاستنتاج la déduction والتَّعوُّد على التَّعلُّم الذات l'auto-apprentissage…
وما يُؤسف له هو أن ما يدور داخلَ الأقسام ليس دائما متماشِياً مع قداسة مهمَّة المدرسة وسُمُوِّ دورها داخلَ المجتمع. هناك مدرسون ومدرِّسات، وخصوصا، أولئك الذين يؤمنون بأفكار أو إديولوجيات تجاوزها الزمان ceux et celles qui croient à des idéologies rétrogrades يسعون داخلَ الأقسام إلى جلب بعض المتعلِّمين إلى صفِّهم أو إلى الإيمان بأفكارهم.
وهذا النوع من المدرسات والمدرسين موجود ولهم دورٌ سيء داخل الأقسام، وخصوصا، عندما أصبح بابُ التوظيف مفتوحا أمام مَن هبَّ ودبَّ. فمن بين المدرسات والمدرسين، فئةٌ اختارت مهنةَ التعليم، فقط وحصريا، للإفلات من البطالة، أي بصريح العبارة، لضمان راتبٍ شهري، وليس، على الأطلاق، حبّاً أو شغفا في مهنة التَّدريس.
ولهذا، التَّوظيفُ، بصفة عامة، يجب أن يخضع لشروط صارمة. أما بالنسبة للتعليم، بالإضافة للصرامة، يجب، عند التوظيف، استحضار المهمة الأساسية والحامسة التي، من المفروض، أن يقومَ بها المدرس داخلَ الأقسام، ألا وهي المساهمة في بناء المواطن المغربي تعليماً، تربوياً، أخلاقياً واجتماعياً. وهذه المهمة ليست سهلة ولا يجب، على الإطلاق، إسنادُها لمَن هبَّ ودبَّ.
فما بالكم، عندما تصبح المدرسةُ حقلا لتطاحن وتصارع الإيديولوجيات الغريبة عن المجتمع المغربي، أي المصنوعة خارج البلاد؟ وما بالكم، عندما ينتقل هذا التصارُع داخلَ الأقسام ويُحاول كل مدرس أو مدرِّسة إقناعَ المتعلمين بهذه الإيديولوجيات؟
وهذه الإيديولوجيات كلها متناقضة مع المهمة السامية للمدرسة المتثِّلة في بناء الإنسان أو المواطن المغربي بناءً صالِحاً ونافعاً. والبناء الصالح يعتمد على تعويد المتعلِّمين على تشغيل عقولهم بكيفيةٍ تجغلهم متحرِّرين ومتفتِّحين اجتماعيا وفكريا.
والطامة الكبرى هو أن بعضَ مدرسي أو مدرسات العلوم المنتمين للتيار الإسلاموي يُدخِلون المتعلمين في تناقض كبير مع أنفسهم. وهذا التَّناقص ناتج عن كون هؤلاء المدرسات أو المدرسين يبلغون للمعلمين معارف علمية لا جدالَ فيها، وفي نفس الوقت، يُبلٍِغون لهم أفكاراً دينية تتناقض مع هذه المعارف العلمية.
هذا النوع من المدرسين أو المدرسات لا يصلحون للتعليم لأنهم يخلطون بين أفكارهم الشخصية وبين مهمتهم النبيلة. أن تكونَ لهم أفكارهم الشخصية، فهذا حقُّهم. ولكن أن ينقلوا هذه الأفكار إلى داخل الأقسام، فهذه جريمة ضد الأجيال الصاعدة وضد الوطن.
فما بالكم لو كان هذا النوع من المدرسين أو المدرسات موجوداً في كل المدارس. والحقيقة إنهم موجودون. حينها، فلنقل وداعاً للمهمة التَّربوية للمنظومة التعليمية.
بل فلنودِّع المهمةَ التربويةَ للمنظومة التَّعليمية. وحينها، سيُفتَح الباب على مصراعيه لانتشار إيديولوجيات غريبة عن بلادنا. لماذا؟
لأنه، إذا اقتنع التمعلِّمون بهذه الإيديولوجيات، فسيصبِحون سبباً في توغُّلها داخلَ المجتمع المغربي. وهذا شيءٌ خطيرٌ ولا يوجد مواطن يحب بلادَه يرغب فيه.
المسئولية الكاملة، في هذا الباب، تتحمَّلها الدولة المغربية التي جعلت من المنظومة التَّربوية ورشاً لامتصاص البطالة. حينها، أصبحت هذه المنظومة مفتوحةً لمَن هبَّ ودبَّ. التوظيف في التعليم، كما سبق الذكر، يجب أن يخضع لشروط صارمة. بل على الدولة أن تُعيدَ النظرَ في رواتب المدرسين لتجعلها من أعلى الرواتب حتى تستقطبَ أجودَ الخريجين من الجامعات والمدارس والمعاهد العليا.