أريري: ليس كل مسؤول متهم بريئا

أريري: ليس كل مسؤول متهم بريئا عبد الرحيم أريري
أمام تواتر حالات الفساد بالمغرب وإهدار المال العام من طرف عدد من المسؤولين العموميين ( محليا ومركزيا)، تنهض الحاجة لإحداث صدمة في العقل القانوني للمغرب عبر نزع القداسة عن مبدأ «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، بعدم تعميم هذا المبدأ على المسؤولين العموميين المدانين ابتدائيا في جرائم الفساد والمخدرات ونهب المال العام. 
 
إن مبدأ «المتهم برئ حتى تتم إدانته»، هو مبدأ كوني تم تقعيده لحماية المواطن العادي من كل تسلط أو شطط، ولتمكينه من كل ضمانات المحاكمة العادلة واستنفاذ طرق التقاضي والطعن. وبالتالي «فمبدأ البراءة هو الأصل»، هو مبدأ تم تنزيله لخلق مواطن صالح في المجتمع ولحمايته ولضمان أمنه القانوني. 
 
لكن في حالة الشخصيات العمومية والمسؤولين الذين اختاروا العمل العمومي العلني، فإن هذا المبدأ الكوني لم يوضع لتحصينهم وتمكينهم من «شراء الطريق» لنهب المال العام، أو استغلال مناصبهم العمومية للإثراء غير المشروع، أو المتاجرة في المخدرات أو نهب الصفقات. 
 
فالمسؤول العمومي (وزيرا كان أو  برلمانيا، أو رئيس جماعة، أو رئيس جهة، أو واليا، أو عامل عمالة، أو مدير مؤسسة عمومية، إلخ...)، حين تتم إدانته ابتدائيا بسبب الجرم المرتكب المتعلق بالفساد، يجب توقيف المسؤول مباشرة عن مزاولة مهامه، وأن لا يسمح له بالترشح ثانية أو تمثيل الوزارة أو المؤسسة والإدارة المعنية، إلى حين أن تبت المحكمة الأعلى درجة في الملف بشكل نهائي ، إما بالإدانة أو بالبراءة.
 
اليوم، لم يعد مسموحا، أن نستفز المغاربة بأحكام ابتدائية تصدر فيها قرارات بإدانة ضد مسؤول عمومي (منتخبا أو معينا) بالجرائم المالية والمخدرات، ومع ذلك يتم تركه يترشح في اللجان بالبرلمان أو الترشح للانتخابات المحلية والجهوية ويترأس الاجتماعات والحضور في الأنشطة الرسمية والبروتكولات المخزنية، بدعوى أن «المتهم برئ حتى تثبت إدانته»، وبأن الحكم النهائي لم يصدر بعد عن محكمة النقض، بالنظر لأن مساطر التقاضي بهذه الأخيرة، مساطر سلحفاتية لا تحقق الإنصاف للمجتمع. وبالتالي لما يكون الحكم النهائي قد نزل بعد سنوات، تكون «الفأس قد هوت على رأس المغاربة»، وتكون خزائن المغرب قد استنزفت سرقة وتلاعبا. ثم، وهذا هو الأهم، تكون بكارة الثقة في القضاء وفي باقي المؤسسات، قد تم افتضاضها ويصعب رتقها. 
 
في الدول المتمدنة، تتم عملية إبعاد المسؤول المتهم أوتوماتيكيا (أي السياسي أو المسؤول الإداري المعني بالفضيحة)، بإقدامه على تقديم استقالته، إلى حين أن تنتهي أطوار المحاكمة. لكن في المغرب، حيث لا توجد هذه الثقافة ولا هذه الأخلاق السياسية، على الدولة أن تتدخل للتمييز بين المواطن العادي الذي يجب تمتيعه بالمبدأ الكوني « المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، وبين المسؤول العمومي، الذي اختار العلن والأضواء، والذي يجب إخضاعه لقواعد خاصة وقوانين خاصة.
 
وحين ينهي المسؤول العمومي المدان ابتدائيا، مساطر التقاضي، ويحصل على الحكم الحائز لقوة الشئ المقضي به، فإن المعني بالأمر يساق إلى السجن لإنهاء عقوبته ومصادرة ممتلكاته، إن كان القرار بالإدانة. وإن حصل على البراءة، وعرت محكمة النقض القرار النهائي الابتدائي ونسفت حكم القاضي بالمحكمة الابتدائية، على المسؤول المتهم أن يرفع دعوى ضد الدولة بسبب تقصير قضاتها ابتدائيا الذين لم «يطرزوا» الأحكام واستهزئوا بالمسؤولية، وتلاعبوا، كقضاة، بمصير مستقبل المسؤول المتهم وتهاونوا في دراسة الملف دراسة قانونية متينة، حتى نقوي مستوى أجهزتنا الرقابية والقضائية والإدارية. ويصبح شعار «اللي فرط يكرط»، هو تذكرة الولوج للترشح لأي مسؤولية انتدابية أو لتقلد أي منصب سامي أو مسؤولية عمومية: مدنية أو قضائية.
 
بدون ذلك، سنبقى نتفرج في هذه «السوليما» (أي السينما باللغة الدارجة)، التي جعلت المغرب في أرذل ترتيب الأمم عالميا في الفساد!.