برنامج "النَّجْمْ الشَّعْبِي"… الفنان مروان السلموني يرتقي بكنوز "إرث تركة فنية" خلدتها اليوسفية

برنامج "النَّجْمْ الشَّعْبِي"… الفنان مروان السلموني يرتقي بكنوز "إرث تركة فنية" خلدتها اليوسفية الفنان مروان السلموني

حضور بنفس فني راقي:

حلقة البرايم الرابع من برنامج مسابقات "النَّجْمْ الشَّعْبِي" الذي تبثه القناة الثانية، وينشطه الإعلامي رشيد العلالي، كان من بين المتبارين فيها ليلة السبت 18 يناير 2025، ابن عاصمة الفوسفاط مدينة اليوسفية، الشاب الواعد الفنان الأنيق مروان السلموني، حيث تمكن وهو يمتطي صهوة آلة لوتار الأطلسي من عبور جسر "لجنة التحكيم"، مؤديا أغنية طربية جميلة تحت عنوان: "لَّا لَا لَا مَا شِي أَنْتَ الِّلي كُنْتْ مْعَاكْ"، محاكيا طريقة وأسلوب عملاق الطرب والغناء الشعبي الفنان القدير عابدين الزرهوني الذي يتربع على كرسي موسيقى وغناء الفن الشعبي، كتابة ولحنا وعزفا وأداء وسلوكا طيبا، حيث خلّد اسمه في الساحة الفنية مساهما بذلك في تجويد الذوق لدى جمهوره الواسع بربوع الوطن.

ساكنة اليوسفية تتسمر أمام التلفزة:

في سياق متصل، وحسب العديد من الشهادات والاتصالات الهاتفية بجريدة "أنفاس بريس" فقد فضل العديد من المشاهدين والمتتبعين لبرنامج "النَّجْمْ الشَّعْبِي" مثل سائر عشاق غناء الفن الشعبي على مستوى مدينة اليوسفية خاصة، أن يتابعوا أبن مدينتهم الفوسفاطية، الفنان مروان السلموني، ويستمعوا برفقة أفراد أسرهم، لطريقة غنائه، وصوته وأداءه وعزفه على آلة لوتار المغربية الأصل، خصوصا أنه فاجئ الجميع باختياره أداء أغنية تغترف من ربرتوار مسار المبدع الفنان الكبير عابدين الزرهوني ابن حاضرة المحيط ـ أسفي البهية.

لم أتردد بدوري كإعلامي أولا، وكمهووس بالتراث والفن الشعبي في متابعة فقرات "البرايم الرابع"، إلى أن ولج الفنان مروان السلموني لمنصة العزف والغناء، أمام "الَّلجْنَةْ"، فكانت حقيقة لحظة جميلة أبان فيها عن علو كعبه، كفنان متكامل الأوصاف والحضور بالكلمة والصوت والأداء المصاحب بالإبتسامة التلقائية، وتمكنه من الإنتقال بسلاسة من جملة شعرية وغنائية إلى أخرى، مبحرا في تناغم جميل بين طبقات صوته الطروب والعزف والإيقاع والميزان دون الحديث عن مخارج نطق كلمات الأغنية بوضوح تام.

الفنان مروان استمرار لجيل ظاهرة الغناء والموسيقى:

لست وحدي من خرج بهذا الإحساس والإنطباع، والدليل أن "الَّلجْنَةْ" منحته أربع أصوات دفعة واحدة وبدون تردد، علما أنني لا أعرف هذا الفنان الصاعد ابن مدينتي الفوسفاطية التي خلّد بناتها وأبنائها منذ عقود، حضورا متميزا على جميع الأصعدة والمستويات، إلا بعد أن نبهني بعض الفنانين من أجل متابعة "البرايم الرابع" من البرنامج.

لقد كانت شهادة الفنان حجيب فرحان بالنسبة لي شخصيا، جد بليغة باستحضاره لنداء الرائد الراحل الشِّيخْ بَلّْحْسَنْ ذات زمن، على ابنته الشيخة لطيفة وهو يقول لها: "وَا لَطِيفَةْ، مَسْحِي لِيَّا قْلَيْبِي بِ حْوَيْمْضَةْ" في إشارة لإعجابه بأداء شيخة طباعة أو شيخ متمكن من الغناء في جلسة فنية.

تألق سفير وممثل مدينة الفوسفاط:

إن طريقة جلسة الفنان مروان على كرسي التباري أمام كاميرات التلفزة، وهو يتأبط آلته الوترية الأطلسية التي عرف كيف يمسك بدراعها بحنو وعشق، وضبط أنامله الرقيقة على أوتارها برقة جميلة، حيث اكتمل توحد ذاته وروحه مع ذات وروح الآلة دون نشاز موسيقي، نعم، لقد أكدت لي طريقته وأسلوبه بأن مدينة اليوسفية مازالت ولّادة للفن والإبداع رغم الصعوبات والإكراهات، وأن تراكمات العطاء الفني التي خلدها جيل الثمانينات والتسعينات من الرقن الماضي لم تذهب سدى، بل ظلت تنتقل من جيل لآخر عبر جينات موروثة تاريخيا في الزمان والمكان.

برافو للفنان المتألق مروان السلموني، ممثل وسفير مدينة اليوسفية الذي استطاع أن يعيد عقارب الزمن الجميل للذاكرة الجميلة، ويضبطها على إيقاع وميزان الطرب والغناء الشعبي، ويحيي فينا بنبرة وخامة صوته نوستالجيا الخلود، ويوزع الفرح والفرجة على وجوه الناس هنا وهناك. لا يهمنا تتويجك باللقب بقدر ما يختلج في نفسنا من تطلعات وآفاق فسيحة ومشرقة تفتح أبوابها في وجه كل الشباب المغربي نحو الأفضل وما أكثرهم في وطني.

ما هي كنوز "تركة الإرث الفني" التي صقلت موهبة الشاب الفنان مروان السلموني؟

لا بأس أن نساهم في التعريف بالأرض والتربة الحمرية الإبداعية الخصبة، والبيئة الفنية التي ولد وترعرع ونشأ فيها المتباري الفنان الشاب مروان السلموني، والتي وُلِدَ من رحمها ورضع من حليب ثديها المعطاء، والكشف عن الأيادي البيضاء التي عجنت وصاغت خلاياه وجيناته الوراثية في ميدان الفن والتراث الأصيل.

أولا، فهو طبعا، ينتمي لمدينة عمالية، وعائلة بصمت بحضور أحد أفراد العائلة والمساهمة والتألق على مستوى رياضة الجمباز باليوسفية، بحكم أن عمّه علي السلموني كان مدربا رفقة ثلة من المختصين في هذه الرياضة الساحرة التي ساهمت في إشعاع عظيم على المستوى الدولي والوطني، برشاقة أبطالها وبطلاتها وبجمال إيقاعاتها المعقدة، مما أسهم في بناء مخيلة الفنان مروان السلموني مثل سائر بنات وأبناء المدينة الفوسفاطية.

ثانيا، لابد من استحضار تأثير الفعل الثقافي والفني على المحيط الاجتماعي، والذي ساهمت فيه منذ إحداثها الجمعية الثقافية JVG التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط بالمدينة، حيث كانت هذه المؤسسة، تتميز بأنشطتها المتنوعة من "مسرح وسينما ورقص وموسيقى وغناء..."، من خلال أساتذة ومؤطرين مختصين في جميع حقول الفن والإبداع.

ويمكن أن نستشهد هنا والآن بأسماء عينة من الأساتذة والمؤطرين الموسيقيين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، عبد الكبير سلّام، ومحمد بلهاط، وعزيز الربيب، ونادية النفار، والفنانة المتألقة وفاء الشيكي، وأمينة بن زيدان، وعزمي نادية، والفنانة "جميلة" المنحدرة من قرية سيدي أحمد، والفنان المتألق رشيد المهداوي، وعبد الجبار بلوك، وسعيد عزيزي، وسعيد البهجة....دون أن ننسى مدرسة الموسيقى للإخوة زغلول بجميعة الطريق التي كانت تقدم أعمالها الفنية وتأطيرها الموسيقي بدار الشباب الأمل.

ثالثا، التأكيد على مساهمة كنوز "تركة الإرث الفني" من تراكم الأنشطة الموسيقية والغنائية التي كانت تحتضنها قاعة الأفراح التابعة لقطاع الفوسفاط أو فضاء السينما الحمراء، والتي استقطبت وقتئذ أجمل وأجود الأصوات الطربية العصرية، نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر، محمد الحياني، وعبد الوهاب الدكالي، عبد الهادي بلخياط، نعيمة سميح، لطيفة رأفت وغيرهم من النجوم، إلى جانب المجموعات الغيوانية مثل "ناس الغيوان والتكدة والسهام ومسناوة وجيل جيلالة"

رابعا، لا يمكن أن ننكر بصمة "لَمَّةْ" التظاهرات الفنية الشعبية الخالدة، التي كان يسهر على تنظيمها في أحد الأحياء الشعبية الهامشية ـ حي العرصة ـ شيوخ الفن الشعبي بمدينة اليوسفية، الموسومة بـ "الدَّوْرْ"، وهو لقاء سنوي تواصلي كان يستقطب أغلب شيوخ فن العيطة والغناء الشعبي من أنحاء الوطن، وكانت اللحظة فرصة لمحاكات كل الأنماط الموسيقية والغنائية، وأرقى الطبوع والإيقاعات والميازين الشعبية، وكانت "لَمَّةْ / الدَّوْرْ" فعلا مدرسة فنية بكل المقاييس ذات الصلة، على اعتبار أن مدينة اليوسفية كانت ومازالت مختبرا حقيقيا لأغلب أنماط الغناء والموسيقى التقليدية، وكانت أرضها وتربتها تحتضن شيخات وشيوخ من الرواد والرائدات الذين بصموا بشخصياتهم المحترمة مسارا فنيا راقيا.

هذه بخلاصة محطات خالدة في تاريخ الموروث الثقافي والتراث والإبداع والفن بمدينة اليوسفية العمالية ومحيطها، والتي تلاقحت فيما بينها وأترث بلا شك في المجتمع المحلي، وستبقى موشومة في الذاكرة الجماعية والجمعية، باعتبارها محطات جميلة ساهمت في ولادة العديد من النجوم والفنانين والفنانات، منذ إحداث القرى المنجمية بمنطقتي "سِيدِي أحْمَدْ و الَمْزِينْدَةْ" حيث استقطبت حينئذ عمال الفوسفاط محملين بعاداتهم وتقاليدهم وأنماطهم الغنائية وتنوع خصوصياتها وروافدها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

مجموعة من فناني المجموعة الغيوانية من أبناء اليوسفية