بوبوش: سياسة تغيير الخرائط وإعادة تشكيل المجال الحيوي الأمريكي.. قراءة في الطموحات الإقليمية للرئيس المنتخب ترامب

بوبوش: سياسة تغيير الخرائط وإعادة تشكيل المجال الحيوي الأمريكي.. قراءة في الطموحات الإقليمية للرئيس المنتخب ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وفي الإطار د.محمد بوبوش

منذ أن نالت استقلالها في عام 1776، عملت الولايات المتحدة بشكل مستمر على التوسع من خلال استخدام القوة: حيث وسعت أراضيها بعد الحرب المكسيكية الأمريكية، لتتحول إلى قوة عابرة للأقاليم، وتوغلت في نصف الكرة الغربي وشرق آسيا بعد الحرب الأمريكية الإسبانية، لتصبح قوة عظمى عالمية بعد الحربين العالميتين، واكتسبت القدرة على استعراض القوة ووضع القواعد في مختلف أنحاء العالم. عقب انتهاء الحرب الباردة، حلت الهيمنة أحادية القطب محل النظام ثنائي القطب، ومن ثم حققت الولايات المتحدة الهيمنة العسكرية العالمية. ومنذ ذلك الحين، حرصت الولايات المتحدة على الحفاظ على هيمنتها العسكرية من خلال استخدام القوة ووسائل أخرى.

 

هذه ليست المرة الأولى التي يطالب فيها دونالد ترامب بمطالبات إقليمية. فقد تم اقتراح فكرة شراء غرينلاند، على وجه الخصوص، في عام 2019 خلال فترة ولايته الأولى. بهذه الطريقة، يُظهر ترامب لناخبيه أن لديه استمرارية في أفكاره". بل إنه يتقدم خطوة إضافية هذه المرة ويضيف كندا وقناة بنما إلى قائمة رغباته وسلة مقتنياته وكأنه في سوبرماركت. ويعود هذا التزايد في المطالب جزئياً إلى شعوره "بالتشجيع على اتخاذ مزيد من الخطوات بعد فوزه الكبير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الذي يمنحه، في نظره، شرعية أكبر لمطالبه".

 

أولا: أسس ومرتكزات التوسع الأمريكي

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 من يناير   2025 إلى البيت الابيض، يتوقع المحللون أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة خارجية ستعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي. سيكون على ترامب اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالعلاقات مع روسيا والصين والمجال الحيوي الأمريكي، وهي المحاور الرئيسية في السياسة الخارجية الأمريكية. من خلال قراءة لتصريحاته التي اتسمت بعدم التماسك إلى حدٍ كبير، يمكن تحديد أربع سمات أساسية، قد تكون مُفيدة في قراءة أو تحليل أي رؤية لسياسة ترامب المحتملة حيال المنطقة:

 

 1-تبنى ترامب في سياسته الخارجية مبدأ «أمريكا أولاً» كهدف عام لسياسته الخارجية، بمعنى أنه على أمريكا ألّا تؤمِّن مصالح غيرها أو تضعها في اعتبارها بالقدر الحالي، مع ضرورة الالتزام بالمصالح الأمريكية والتعامل معها على أساس أنها الدافع الأساسي لأي تحرك على مستوى السياسة الخارجية. فأمريكا ليس عليها أن تتحمل عبء حماية أو الدفاع عن دول أخرى بلا مقابل.

 

-التوسع الامبريالي.. مبدأ قديم جديد: يحاول الرئيس المنتخب إحياء تقليد قديم، وهو الامبريالية الأمريكية في مطلع القرن العشرين. هذا العصر الذهبي، الذي بدأ بعد حرب الانفصال عن التاج البريطاني، هو العصر الذي يحلم به دونالد ترامب: ثروات هائلة، وفسادٍ منتشر، وانطواء على الذات مع رسوم جمركية كانت تحمي الصناعة الأمريكية وتسمح بعدم وجود ضرائب على الدخل. وخصوصًا الامبريالية لضمان هيمنة الولايات المتحدة على نصف الكرة الغربي.

  

3-ترامب وسياسة الصفقات في إدارة أعمال العلاقات الدولية: خلال عهدته الرئاسية الأولى، كرس دونالد ترامب مصطلح " سياسة الصفقات" كأسلوب حكم وعمل، وكأداة لتسوية النزاعات المعقدة، وهو ما يتماشى مع رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تعتمد على مبادئ إدارة الأعمال والتجارة في العلاقات الدولية. يتجه هذا النهج إلى إدارة التفاعلات السياسية كأنها مشروعات اقتصادية تهدف إلى تحقيق الربح. ونشير هنا على صفقة القرن التي طرحها خلال عهدته الأولى، بالإضافة إلى طموحاته "العقارية" لشراء غرينلاند والسيطرة على قناة بنما.

 

لذا، ليس من المستغرب أن فوز ترامب في انتخابات 2024 قد أثار عناوين مثل "أمريكا تختار دوراً جديداً في العالم" و"ترامب سيقضي على النظام الليبرالي". من المؤكد أن فترة ترامب الثانية ستعيد تشكيل السياسات المحلية والدولية، حيث يخطط لدفع كلاهما في اتجاهات غير ليبرالية. ومع ذلك، فإن رئاسته لن تؤدي إلى إنهاء ما يُعرف بالنظام الدولي الليبرالي، وذلك لسبب بسيط: هذا النظام قد انتهى بالفعل.

 

يشير النظام الدولي الليبرالي إلى المؤسسات الدولية والترتيبات المعاهداتية التي أنشأتها واشنطن خلال العقد الأول بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك الأمم المتحدة وحلف الناتو. وقد كانت هذه المؤسسات، سواء بشكل ظاهري أو فعلي، تعزز حقوق الإنسان، والتجارة الحرة، والديمقراطية، والتعاون متعدد الأطراف. قامت واشنطن -بالتعاون مع أقوى حلفائها -بتوسيع وإعادة تشكيل هذا النظام بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، مما جعل الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم. وقد شهد هذا التوسع موجة من التحول الديمقراطي، وإنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO)، ودفعاً عالمياً نحو التجارة والتدفقات المالية غير المقيدة.

 

 4-العودة إلى مبدأ مونرو:

تتضمن عقيدة مونرو أربعة مبادئ، ويعتبرها الخبراء في الشؤون الأمريكية حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدى القرنين الماضيين. تعود هذه التسمية إلى الرئيس الأمريكي جيمس مونرو (1817-1825)، الذي اتبع سياسة تعارض الاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الغربي. في رسالة ألقاها أمام الكونغرس عام 1823، تناول أربعة مبادئ رئيسية، وهي: "عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأوروبية أو في أي نزاعات تنشأ بينها". كما شملت: "اعتراف الولايات المتحدة بالمستعمرات الأوروبية الموجودة في ذلك الوقت في نصف الكرة الغربي وعدم تدخلها فيها"، و"عدم جواز استعمار القوى الغربية لأي مناطق جديدة في نصف الكرة الغربي في المستقبل"، وأخيرًا "أي محاولة من دولة أوروبية للسيطرة على أي دولة في نصف الكرة الغربي أو قمعها ستعتبر عملاً عدائيًا ضد الولايات المتحدة".

 

 أعاد التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لكندا وبنما وغرينلاند إلى الأذهان، مسألة إحياء مبدأ مونرو في السياسة الأمريكية فقد أعيد تفسير مبدأ مونرو، الذي يجعل "النصف الكرة الغربي" منطقة للهيمنة الأمريكية، بطريقة هجومية، مما أدى إلى سيطرة الولايات المتحدة على ألاسكا وكوبا وبويرتوريكو والفلبين وبنما.

    

 ثانيا: أطماع ترامب في غرينلاند وكندا وبنما

بالنسبة لأي رئيس حديث آخر -خاصةً من حمل على إنهاء الحروب وليس بدؤها -فإن التهديد بالتعدي على سيادة الحلفاء سيكون أمرًا غير عادي للغاية. لكن سياسة الولايات المتحدة الخارجية خلال فترة رئاسة ترامب الأولى تميزت بانحرافات شبه دائمة عن الاتفاقيات الدبلوماسية والالتزامات الدولية السابقة، وتحديداً من خلال سلوك سياسي واقتصادي غير متوقع، وفي بعض الأحيان عدائي، مع الشركاء والأعداء التقليديين في جميع أنحاء العالم. بالنسبة لترامب، فإن تدريب غرائزه الإمبراطورية على بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة يُقدم نسخة من نفس السياسة الخارجية المتناثرة التي اتبعها خلال فترته الأولى، عندما سعى إلى تعزيز المصالح الأمريكية بقوة على الساحة العالمية دون اعتبار للحدود أو العلاقات الدولية الدقيقة.

 

يسعى دونالد ترامب، من خلال وعده بزيادة نفوذه في مناطق جديدة، إلى تحسين الصورة التي تركها في نهاية ولايته الأولى عن أمريكا التي تتراجع قوتها بسرعة على الساحة الدولية. وتوحي تلاعبات ترامب بالتاريخ والقانون الدولي بأن مزاعمه تتجاوز حدود الحديقة الخلفية للولايات المتحدة (بنما والمكسيك)، لتطاول أوروبا (غرينلاند). قد تكون مناطق أخرى خفية على جدول أعماله الاستعماري التوسعي.

 

 قد لا يكون ترامب قادراً على غزو هذه البلدان، لكن تصريحاته المبالغ فيها حول استعادة المستعمرات الروسية تهدف إلى ترهيب جيرانه وإخلال توازنهم. في عالم ترامب القائم على أسلوب الصفقة في إدارة أعمال العلاقات الدولية، سيكتسب النفوذ والسيطرة على سياساتهم من خلال تهديدهم إلى أن يسمحوا لروسيا بإملاء سياساتهم الخارجية والداخلية.

 

قناة بنما: تُعتبر قناة بنما من أهم المعابر المائية على مستوى العالم، حيث تلعب دورًا حيويًا في تسهيل حركة التجارة الدولية، وتعمل على تقليص المسافة بين السواحل الشرقية والغربية للأمريكيتين وآسيا وأوروبا. تُقلل هذه القناة المسافة البحرية بنحو 8000 ميل، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد في التجارة العالمية. وقد جعلت هذه الأهمية الاستراتيجية القناة محط اهتمام الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

خليج المكسيك: أعرب الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، عن نيته تغيير اسم خليج المكسيك إلى "خليج أميركا"، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستكون جزءا من سياسته الجديدة. وعلق على الخليج قائلا: "إنه يمتد على مساحة شاسعة من الأرض. خليج أميركا. إنه اسم رائع". كما جدد وعده بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المكسيك   إذا لم تحدد قيوداً لعبور المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود.

 

لم يحدد ترامب موعدًا دقيقًا لاتخاذ قرار بشأن إعادة التسمية، لكنه أشار إلى أنه سيتم الإعلان عن ذلك قريبًا. أما وعده بإعادة تسمية الخليج، فهو يعكس تعهده السابق بإعادة اسم دينالي، أعلى قمة جبلية في أميركا الشمالية، إلى جبل ماكينلي. وكان الرئيس السابق باراك أوباما قد غيّر اسم الجبل في ألاسكا احترامًا للهنود الأميركيين.

 

هاجمت رئيسة المكسيك، كلاوديا شينباوم، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، يوم الأربعاء 8 يناير 2025، ووصفت تصرفاته بأنها تعود إلى الماضي. وأشارت شينباوم إلى أن اسم "خليج المكسيك" معترف به دولياً، وذلك رداً على تصريحات ترامب حول تغيير اسم هذا المسطح المائي، حيث اقترح، يوم الثلاثاء 7 يناير 202، تغيير الاسم إلى "خليج أميركا".

 

وأضافت رئيسة المكسيك: "أعتقد أنهم يقدمون معلومات مضللة للرئيس ترامب، وأخبروه أن فيليبي كالديرون لا يزال رئيساً". يذكر أن كالديرون تولى رئاسة المكسيك من عام 2006 حتى 2012.

 

كما رد وزير الاقتصاد المكسيكي، مارسيلو إبرارد، على تصريحات ترامب بتأكيده أنه "إذا كتب لنا الحديث بعد 30 عاماً، سيظل خليج المكسيك محتفظاً باسمه". وأشار إلى أن اتفاقاً جمركياً تم توقيعه خلال ولاية ترامب الأولى قد خضع لتعديلات. من الجدير بالذكر أن اللجنة الأمريكية للأسماء الجغرافية هي الجهة المسؤولة عادةً عن تغيير أسماء المناطق أو المواقع الجغرافية، إلا أن الرؤساء الأمريكيين يتمتعون بصلاحية إجراء مثل هذه التغييرات عبر قرارات تنفيذية.

 

غرينلاند: تخضع غرينلاند لسيطرة الدنمارك منذ قرون عديدة، حيث كانت في الماضي مستعمرة دنماركية، وهي اليوم إقليم شبه مستقل يتبع مملكة الدنمارك. تخضع الجزيرة للدستور الدنماركي، مما يعني أن أي تغيير في وضعها القانوني يتطلب تعديلاً دستورياً. في عام 2009، حصلت غرينلاند على حكم ذاتي واسع النطاق، يمنحها الحق في إعلان الاستقلال عن الدنمارك عبر استفتاء. وقد أكد رئيس وزراء غرينلاند، ميوتي إيجيدي، الذي عزز جهوده نحو الاستقلال، أن الجزيرة ليست معروضة للبيع، وأن قرار تحديد مستقبلها يعود لشعبها.

 

في السابق، حاولت الولايات المتحدة، خلال فترة حكم الرئيس هاري ترومان، شراء غرينلاند كأصل استراتيجي أثناء الحرب الباردة، حيث عرضت 100 مليون دولار على شكل ذهب، إلا أن كوبنهاجن رفضت هذا العرض. كما تكرر هذا السيناريو خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى في عام 2019، عندما أبدى رغبته في شراء الجزيرة، لكن غرينلاند والدنمارك رفضتا هذا الاقتراح مرة أخرى.عبّر ترامب في عام 2019 عن رغبته في شراء الجزيرة من الدنمارك، مستنداً إلى قيمتها الاستراتيجية والاقتصادية، مما أثار استياء الحكومة الدنماركية التي رفضت العرض واعتبرته غير واقعي.

 

ويرى ترامب أن غرينلاند يجب أن تكون جزءًا من الولايات المتحدة، مؤكدا على أهميتها الاستراتيجية للأمن القومي وحماية "العالم الحر" من التهديدات التي تمثلها الصين وروسيا. كما أنه رفض التعهد بعدم استخدام القوة العسكرية للسيطرة على غرينلاند وقناة بنما.

 

أشار ترامب وحلفاؤه إلى الأمن القومي كسبب وراء ضرورة امتلاك الولايات المتحدة لغرينلاند، حيث نشر ترامب على منصة "الحقيقة الاجتماعية" الخاصة به الشهر الماضي أن "الامتلاك والسيطرة الأمريكية على جرينلاند ضرورة مطلقة". الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة الدنمارك منذ القرن الرابع عشر، اندمجت بالكامل في الدنمارك عام 1953 بموجب دستور البلاد، وأصبحت إقليمًا ذاتي الحكم عام 1979. ويحظى سكان جرينلاند بالجنسية الكاملة في الدنمارك.

 

جرينلاند أقرب إلى نيويورك من كوبنهاغن، واحتلتها الولايات المتحدة لفترة وجيزة خلال الحرب العالمية الثانية. وهي تضم قاعدة جوية أمريكية كبيرة وموارد معدنية رئيسية. وفي السنوات الأخيرة، سعى الصين إلى إحراز تقدم في الجزيرة.

 

وبهذه المناسبة، قام دونالد ترامب الابن بزيارة "شخصية" إلى منطقة غرينلاند ذات الحكم الذاتي والتي تتبع الدنمارك. لم يوضح الابن سبب الزيارة، لكن تأتي هذه الخطوة بعد شهر من تأكيد والده ترامب أن "السيطرة على غرينلاند تعتبر ضرورة" للولايات المتحدة.

 

قد تكون السيطرة المتزايدة للولايات المتحدة على غرينلاند مفيدة لها نظرًا لموقعها الاستراتيجي ومواردها. تقع غرينلاند على أقصر مسار بين أوروبا وأميركا الشمالية، مما يجعلها مهمة للنظام الأميركي في رصد الصواريخ الباليستية. وقد أبدت الولايات المتحدة اهتمامًا بتعزيز وجودها العسكري من خلال إنشاء رادارات لمراقبة المياه بين الجزيرة وأيسلندا وبريطانيا، حيث تعتبر هذه المياه نقطة عبور للسفن والغواصات النووية الروسية.

على الرغم من جميع محاولاته لزيادة النفوذ الأمريكي في هذه المناطق، إلا أن تلك الدول ذات السيادة رفضت ذلك بشكل قاطع. بل إن ملك الدنمارك اتخذ خطوة جريئة يوم الإثنين، حيث أصدر أمراً بتحديث شعار المملكة ليبرز بشكل أفضل غرينلاند.

 

كندا..الولاية 51...ممكن؟: أشار ترامب إلى أن "إلغاء الخط الفاصل بين كندا والولايات المتحدة سيساهم في خلق شيء عظيم"، معبراً عن حبه للكنديين، لكنه انتقد ما وصفه بالتكاليف المرتفعة لحمايتهم. ورأى أن كندا تمتلك موارد واسعة ومساحات شاسعة يمكن أن تعزز من قوة الولايات المتحدة.

 

بعبارة أخرى، يسعى ترامب إلى إهانة كندا. في الحقيقة، كان دونالد ترامب قد سخر من جاستن ترودو قبل استقالته، حيث أطلق عليه عدة مرات لقب "حاكم" كندا، وهو اللقب الذي يُستخدم لحكام الولايات في الولايات المتحدة. وكأن الجار الشمالي هو جزء فعلي من الأراضي الأمريكية.

 

وبعد ساعات من إعلان استقالة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يوم الإثنين 6 يناير 2025، نشر ترامب على منصته "تروث سوشيال" تعليقًا قال فيه إنه في حال اندماج كندا مع الولايات المتحدة: "لن تكون هناك تعريفات جمركية، وستنخفض الضرائب بشكل كبير، وسيكونون محميين تمامًا من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بهم باستمرار". وأضاف ترامب: "الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل العجز التجاري الضخم والإعانات التي تحتاجها كندا للبقاء، وكان جاستن ترودو على علم بذلك، لذا استقال".

 

تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشأن شراء غرينلاند، واستعادة السيطرة على قناة بنما، واعتبار كندا الولاية الأميركية الـ 51، تعكس رؤية تعتمد على التوسع الإقليمي لتعزيز النفوذ الأميركي، مما يشكل انحرافاً واضحاً عن الأعراف الدبلوماسية التقليدية.

 

تظهر سياسات ترامب قبل دخوله البيت الأبيض أنه يعتمد على التصعيد والتهديد كوسائل للضغط، سواء من خلال فرض الرسوم الجمركية أو التهديد باستخدام القوة العسكرية، أو حتى تقديم مقترحات مثيرة للجدل تتعارض مع القانون الدولي. كل ذلك يعكس رؤيته الأحادية واتباعه سياسة التوسع الخارجي خلال ولايته الثانية، أو قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع ستتضح ملامحها في المستقبل!

 

من الصعب التكهن بما قد يحدث في ظل وجود شخصية سياسية غير تقليدية مثل ترامب. هل يعتمد على التهديد بالضم كأداة ضغط لتحقيق مكاسب محددة؟ أم أنه يعبر فعليًا عن نواياه الحقيقية؟ يمتلك ترامب العديد من الأوراق التي يمكن استخدامها للضغط. على سبيل المثال، تعتمد كل من غرينلاند وكندا بشكل كبير على الولايات المتحدة في تجارتهما الدولية، حيث تمثل الولايات المتحدة 75% من حجم التجارة الدولية لكندا. وقد أشار ترامب إلى ذلك بقوله: «مع كندا، لن نلجأ إلى القوة العسكرية، بل سنعتمد على القوة الاقتصادية. أنا أحب الكنديين، إنهم شعب رائع، لكننا ننفق مئات المليارات سنويًا لحمايتهم. نحن نعاني من عجز في الميزان التجاري؛ فهم ينتجون 20% من سياراتنا. نحن لسنا بحاجة إلى ذلك. أفضل أن يتم تصنيعها في ديترويت. نحن لسنا بحاجة إلى أخشابهم، لدينا مساحات شاسعة من الغابات. كما أننا لسنا بحاجة إلى منتجات الألبان الخاصة بهم. فلماذا نستمر في تحمل خسائر تصل إلى 200 مليار دولار أو أكثر سنويًا لحماية كندا؟».

 

إحياء ترامب لفكرة "الولايات المتحدة الفائقة" التي تشمل جرينلاند وكندا يعكس رؤية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة. يُعتقد أن هذه الرؤية ليست مجرد محاولة لتعزيز النفوذ الأمريكي، بل هي خطوة لمواجهة النفوذ المتزايد لروسيا والصين في المناطق القطبية.

ومع ذلك، تبقى هذه الطموحات مليئة بالتحديات، حيث يواجه ترامب انتقادات من الداخل والخارج. ورغم أن الفكرة تبدو طموحة، فإن تحقيقها يتطلب توافقًا دوليًا ودعمًا محليًا قويًا.

د.محمد بوبوش، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة