نجيب البقالي: الخلط بين المرجعية الغربية والإسلامية في مدونة الأسرة سيربك الزواج

نجيب البقالي: الخلط بين المرجعية الغربية والإسلامية في مدونة الأسرة سيربك الزواج المحامي نجيب البقالي

في إطار النقاش الذي لا يزال متواصلاً حول تعديلات مدونة الأسرة، تطرق نجيب البقالي، محامٍ بهيئة الدار البيضاء، إلى العديد من التعديلات التي ستشهدها مدونة الأسرة والأسباب التي أثارت الجدل حولها وسط العديد من المتتبعين والمراقبين. وقد قدم نجيب البقالي في تصريح لـ"أنفاس بريس" قراءته لهذه التعديلات.

 فيما يلي التصريح الكامل للمحامي نجيب البقالي.

 

"من الطبيعي أن يتفاعل الشعب المغربي مع قضية مدونة الأسرة، لأنها موضوع حيوي وله ارتباط بالأحوال الشخصية والأسرة التي تعد عماد المجتمع، وهو الأمر الذي يؤكده الدستور والقرآن الكريم والسنة النبوية. وما يبرر هذا النقاش الحاد هو أن الحكومة، في شخص وزير العدل، أعلنت عن حوالي 17 تعديلاً كانت موضوع نقاش وعُرضت على المجلس العلمي الأعلى، والتي تثير الكثير من الأسئلة حول شرعيتها ومرجعيتها. وقد اعتبر المجلس العلمي الأعلى أن ثلاثة مقترحات مخالفة للشريعة، بينما برر بعض المقترحات الأخرى شرعًا أو اقترح تعديلات إضافية.

 

وهناك بعض الاقتراحات التي تُثير نقاشًا كبيرًا، كما هو الحال بالنسبة لزواج القاصرات، والتعدد، واقتسام الممتلكات، وحق الزوجة في المتعة، خاصة إذا كانت طالبة للتطليق، والتصرف في بيت الزوجية. وهذه القضايا خلافية، لأن هناك من يريد أن تستند حياته الزوجية إلى المرجعية الإسلامية، وهناك من يريد أن تستند الحياة الزوجية إلى المرجعية الكونية لحقوق الإنسان الغربية العلمانية.

 

النقاش الحالي له ما يبرره وهو طبيعي جدًا، إلا أن هناك وجهة نظر لا تقول كل الحقيقة وفيها نوع من التحريف للمقتضيات التي تم الإعلان عنها. ولو تم الإفصاح عن جميع التعديلات البالغ عددها 139 تعديلًا، لكان الرأي العام أكثر اطمئنانًا، ولكانت الرؤية أكثر شمولية. لذلك، فإن الحكومة مدعوة للإعلان عن كافة التعديلات.

 

النفقة:

الزوجة المطلقة لا تحصل على النفقة، بل هي موجهة للأبناء الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية والشرعية. وكان للزوج الحق في تقديم طلب بإسقاط الحضانة عن طليقته بعد زواجها، وذلك تحت رقابة القضاء الذي له الحق في إسقاط الحضانة أو الإبقاء عليها. وحاليًا، هناك نوع من التفاعل الكاريكاتيري مع هذه القضية. ولابد من وضع شروط دقيقة لضمان رقابة الأب على أبنائه والتأكد من أنهم يعيشون في ظروف جيدة في كنف زوج أمهم. وما يُروج له الكثير من الرأي العام في هذا الاتجاه غير صحيح.

 

اقتسام الممتلكات:

لابد من الإشارة إلى أن هذه القضية لها جذور في الفقه الإسلامي وتاريخ المغرب، حيث ناقشها فقهاء مثل ابن عرضون وابن عاصم وغيرهما. وكان الجواب هو مبدأ "الكد والسعاية"، وهو المقصود بالمساهمة المالية للزوجة من خلال غزل الصوف، والعمل في الفلاحة، ومختلف الأعمال التقليدية التي عرفها المجتمع المغربي. والجديد حاليًا هو اقتراح تثمين العمل المنزلي، أي كل ما تقوم به الزوجة من شؤون البيت بصفة عامة.

 

ومن الطبيعي أن يحدث نقاش، لأن هذا المقترح ليس له أي أصل في الفقه المالكي، وأعتقد أن المذاهب الأخرى لا تتضمن مرجعية فقهية تؤطره. وأصله مستمد من بعض التجارب الغربية، وخاصة الأنكلوفونية، التي تعتبر العمل المنزلي مساهمة في تنمية أموال الزوج والأسرة عمومًا. وشخصيًا، أتحفظ على هذا الإجراء، لأن الجمع بين الحقوق الإسلامية المستمدة من القرآن والسنة والاجتهادات الفقهية، وخاصة في المذهب المالكي، وبين الحقوق المستمدة من المرجعية الغربية العلمانية، قد يؤدي إلى تناقض خطير جدًا.

 

بيت الزوجية بعد الوفاة:

هناك إشكال كبير في هذه المسألة، حيث إن وزير العدل حينما قدم عرضه أمام الملك واللجنة، لم يستعمل نفس العبارات خلال الندوة الصحافية. وفي الفقه المالكي، كان هناك اجتهاد لبعض العلماء القدامى والمعاصرين، مثل الفقيه عبد الله بن الطاهر السوسي، الذي وافقه الدكتور أحمد الكافي وغيره، وخالفه فقهاء آخرون من تيارات مختلفة. الفكرة تقوم على منح الزوجة والأبناء والبنات، في حالة عدم وجود الذكور، حق "العمرة" في السكن الرئيسي إلى حين انتهاء هذا الحق بالوفاة أو امتلاك سكن آخر.

 

التصرف في بيت الزوجية سواء من قبل الزوج أو الزوجة هو انحراف عن الفكرة الأساسية التي طرحتها بعض الجهات، حيث حدث تشوش واختلال في إخراج هذه الفكرة. لذلك، لابد من العودة إلى أصل الفكرة، وهي ما يسمى في الفقه المالكي "بالعمرة" للزوجة وبناتها إلى غاية انتهاء هذا الحق.

 

مدونة.. هل للمرأة أم للأسرة

مدونة الأسرة ليست للرجل أو المرأة فقط، بل للأسرة ككل بمكوناتها كافة (أصول وفروع). والمغاربة يعتمدون على العائلة، التي تعد أصل الاجتماع القائم على التعدد والتمدد في الأصول والفروع.

 

للأسف، تعديلات 2004 والتعديلات الحالية تسير في اتجاه واحد، وهو تكريس مزيد من الحقوق للمرأة على حساب الرجل. المرأة أصبحت تتمتع بحقوق شرعية وحقوق مستمدة من التجارب الغربية، بينما يتم التخلي عن العديد من المقتضيات الشرعية من تعديل إلى آخر. ونتجه تدريجيًا إلى تحويل عقد الزواج من عقد شرعي إلى عقد مدني.

 

لابد أن نعرف إلى أين نسير، وإن أمير المؤمنين والشعب المغربي يؤكدون دومًا أن مرجعية الأمة والأسرة هي مرجعية إسلامية. نحن لسنا ضد التحول والانفتاح على العصر، ولكن الحلول المطروحة يجب أن تكون منضبطة للقواعد الشرعية والاجتهاد الوسطي المعتدل".