شهد عام 2024 تحولات سياسية واستراتيجية مهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، أبرزها الفشل الواضح الذي مُنيت به الجزائر في محاولاتها لعرقلة صعود المغرب وتعزيز مكانته كقوة إقليمية ودولية. فقد عمل النظام الجزائري على مدار سنوات على تنفيذ استراتيجية عدائية تجاه المغرب، مستخدمًا أوراقًا عديدة لتقويض مكانة المملكة. لكن هذا العام كشف عن تآكل هذه الأوراق وعن العزلة المتزايدة التي تعيشها الجزائر نتيجة سياساتها غير المتزنة ورهاناتها الخاطئة. في المقابل، استطاع المغرب تحقيق انتصارات دبلوماسية واقتصادية متتالية، تؤكد فعالية نهجه الاستراتيجي الذي يقوم على التنمية والتعاون الإقليمي والدولي.
أحد أبرز مظاهر فشل الجزائر كان سعيها المستمر لتأليب دول رئيسية على المغرب، وفي مقدمتها مصر، حيث حاولت الجزائر استغلال قنوات دبلوماسية وإعلامية لتصوير المغرب كخصم في المنطقة، مركزة على قضية الصّحراء المغربية التي تسعى باستمرار لتدويلها واستغلالها كورقة ضغط. إلا أن مصر، بفضل علاقاتها القوية والمتينة مع المغرب، أدركت أن هذه المحاولات لا تخدم المصالح المشتركة، بل تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة. لذلك، كانت القاهرة حريصة على الحفاظ على موقفها المتوازن، مما شكّل خيبة أمل كبيرة للجزائر التي كانت تأمل في إحداث شرخ في العلاقات المغربية المصرية.
ومن بين المحاولات الفاشلة التي أقدمت عليها الجزائر لتأليب مصر على المغرب، كانت محاولة تسريب وثيقة مزورة تتعلق بموقف مزعوم للمغرب من القضايا الإقليمية. فالنظام الجزائري سعى من خلال هذه الوثيقة إلى خلق انقسام بين الرباط والقاهرة عبر الترويج لإشاعات عن تدخلات مغربية ضد المصالح المصرية. لكن هذه المناورة افتُضحت بسرعة بعد أن تبين زيف الوثيقة ومصدرها المشبوه. هذه المحاولة، التي لم تكن سوى جزء من سلسلة خطوات يائسة، أثبتت مرة أخرى أن الجزائر تعتمد على أساليب غير أخلاقية وغير مدروسة لتحقيق أهدافها السياسية.
على الجانب الآخر، تعامل المغرب ومصر بحكمة مع هذه المحاولات، حيث أظهرت الدولتان انسجامًا وتنسيقًا على أعلى المستويات، ما عزز من متانة العلاقات الثنائية، والتعاون المستمر بين الرباط والقاهرة، الذي تميز بتنسيق اقتصادي وثقافي وأمني، وتأكد أن العلاقات بين البلدين أقوى من أن تتأثر بمحاولات التحريض الخارجية، وأن الشراكة المغربية-المصرية مبنية على أسس متينة تتجاوز المناورات الضيقة والأجندات العدائية.
في موريتانيا، تكبدت الجزائر أيضًا خسارة استراتيجية واضحة، على الرغم من تاريخها الطويل في محاولة احتواء موريتانيا واستمالتها من خلال المساعدات الاقتصادية والضغط السياسي، والرباط نجحت في تعزيز علاقاتها مع نواكشوط عبر مبادرات تنموية مستدامة ومشاريع اقتصادية ذات أثر ملموس. زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب ولقاؤه بالملك محمد السادس عكست قوة هذه العلاقات، وأكدت أن موريتانيا تنظر إلى المغرب كشريك موثوق وقادر على دعم التنمية في المنطقة، بعيدًا عن أي أجندات ضيقة تسعى الجزائر إلى فرضها.
وعلى مستوى أوسع، استمرت حالة الجمود في اتحاد المغرب العربي، الذي بات يرمز إلى فشل مشاريع التكامل الإقليمي بسبب السياسات الجزائرية. فرغم الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يحقّقها التعاون بين دول الاتحاد، أصرّ النّظام الجزائري على عرقلة أي مبادرات للتقارب، خاصة تلك التي تشمل المغرب. لكن على الرغم من ذلك، استطاعت المملكة أن تعوض هذا الغياب من خلال تعزيز شراكاتها مع دول القارة الإفريقية عبر مشاريع تنموية كبرى مثل أنبوب الغاز النيجيري-المغربي، الذي يُعدّ أحد أكبر المشاريع الاستراتيجية في إفريقيا. هذه المبادرة أكدت أن المغرب قادر على بناء جسور التعاون خارج نطاق اتحاد المغرب العربي، وأن رؤية المملكة للتنمية والتكامل لا تعترف بالحدود الجغرافية الضيقة.
على الصعيد الدولي، تلقى المحور الجزائري-الإيراني ضربة موجعة بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الذي كان أحد الحلفاء الأساسيين للجزائر وإيران في المنطقة. فقد كان هذا النظام يشكل جسرًا للتنسيق بين الأطراف الثلاثة، لكن مع تغير المعادلة السياسية في سوريا، فقدت الجزائر واحدًا من أهم أدواتها للتأثير في الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، استثمر المغرب في تعزيز علاقاته مع دول الخليج العربي، التي اعتبرت المملكة شريكًا استراتيجيًا بفضل سياساتها المعتدلة ومبادراتها الاقتصادية الواعدة.
في أوروبا، تراجعت مكانة الجزائر بشكل ملحوظ بسبب سياساتها العدائية وابتزازها لدول القارة عبر ملف الغاز. فالعلاقات مع باريس ومدريد شهدت توترات كبيرة نتيجة هذه السياسات، التي أظهرت الجزائر كطرف غير موثوق به. من جهة أخرى، عزز المغرب مكانته كحليف استراتيجي موثوق عبر توقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية طويلة الأمد مع كل من فرنسا وإسبانيا، ما ساهم في تعزيز حضوره وتأثيره في السياسة الأوروبية.
هذا التوجّه الإيجابي تُوّج بخطوة محورية تمثلت في الاعتراف الفرنسي بمغربية الصّحراء، وهي خطوة تاريخية أكدت دعم فرنسا للوحدة الترابية للمملكة، وألحقت هزيمة دبلوماسية قاسية بالجزائر التي كانت تراهن على تقويض الموقف الفرنسي. في صفعة جديدة للجزائر ولوبياتها اليسارية داخل المؤسسات الأوروبية، أعلن البرلمان الأوروبي رسميًا عن تخليه عن “المجموعة البرلمانية المشتركة الصّحراء الغربية”، ما يمثل نكسة كبيرة للجهود الجزائرية الرامية إلى استغلال هذه المجموعة للترويج لأجندة تقسيم المغرب. هذا القرار يعكس بشكل واضح رفض الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي لأي محاولات لزعزعة استقرار المنطقة أو المساس بوحدة المغرب الترابية.
القرار يأتي كإشارة قوية لدعم الموقف المغربي الذي يحظى بتأييد واسع داخل القارة الأوروبية، خاصة بعد النجاحات الدبلوماسية المتتالية للمملكة، التي استطاعت من خلالها تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع العديد من دول الاتحاد. التخلي عن هذه المجموعة البرلمانية يؤكد أيضًا تزايد القناعة الأوروبية بعدم جدوى دعم الأطروحات الانفصالية التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي، مقابل تأييد مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل عملي وواقعي للنزاع.
وعلاوة على ذلك، القرار يمثل انتصارًا للدبلوماسية المغربية التي نجحت في كشف الأجندات المضللة للوبيات الجزائر داخل البرلمان الأوروبي، والتي لطالما استغلت الشعارات اليسارية والحقوقية للتأثير على المواقف الأوروبية. في المقابل، ظهر الموقف الأوروبي أكثر انسجامًا مع رؤية المغرب في تعزيز الاستقرار والتنمية بمنطقة شمال إفريقيا، ما يعزز موقع المملكة كشريك موثوق للاتحاد الأوروبي في مواجهة التحديات المشتركة.
في هذا السياق، أصبح المغرب شريكًا رئيسيًا في القضايا الإقليمية والدولية بفضل دبلوماسيته المتزنة ونهجه التنموي الذي يراعي مصالح شركائه الأوروبيين، في مقابل عزلة متزايدة للجزائر التي فشلت في مواكبة التحولات الدولية وأظهرت افتقارًا إلى استراتيجية دبلوماسية فعالة.
أما في غرب إفريقيا، فقد شهدت الجزائر انهيارًا شبه كامل لنفوذها. فبعد سنوات من محاولات بناء تحالفات في المنطقة، عانت الجزائر من تراجع كبير نتيجة سياساتها التي تفتقر إلى رؤية تنموية حقيقية. في المقابل، تمكن المغرب من أن يصبح لاعبًا رئيسيًا في غرب إفريقيا بفضل استثماراته في مجالات مثل البنية التحتية، التعليم، والصحة. المراكز التعليمية والمستشفيات التي أنشأتها المملكة في دول مثل السنغال وكوت ديفوار باتت نموذجًا يُحتذى به، مما عزز صورة المغرب كقوة ناعمة تعتمد على التعاون والتنمية.
كل هذه الإخفاقات الجزائرية تعكس عزلة متزايدة للنظام الجزائري، الذي بدا عاجزًا عن مجاراة التحولات الكبرى في المنطقة والعالم. السياسات التي تقوم على المواجهة وخلق الأزمات أثبتت فشلها في مواجهة رؤية المغرب، التي تركز على التنمية والشراكات البناءة. المغرب، بقيادة الملك محمد السّادس، استطاع أن يحقق قفزات نوعية على المستويين الإقليمي والدولي، معتمدًا على دبلوماسية حكيمة واستراتيجية اقتصادية مستدامة.
في النهاية، يمكن القول إن عام 2024 شكّل علامة فارقة في العلاقات المغربية-الجزائرية، حيث أصبح واضحًا أن المغرب يمضي قدمًا نحو تحقيق طموحاته الإقليمية والدولية، بينما تعاني الجزائر من التّراجع المستمرّ نتيجة سياساتها العقيمة. المملكة المغربية أكّدت مرة أخرى أن النّجاح لا يُبنى على الأزمات، بل على بناء الجسور وتعزيز التنمية، وهو ما يجعلها نموذجًا يحتذى به في المنطقة.