كريم مولاي: عام آخر من الضياع في الجزائر

كريم مولاي: عام آخر من الضياع في الجزائر كريم مولاي
عام آخر من تاريخ الجزائر يمضي، وتتالى الأحداث السياسية الكبرى في الداخل والخارج من دون أن أن تتم تلبية مطالب الشعب الجزائري في الكرامة أولا قبل الحرية التي أمست مطلبا بعيد المنال.

فداخليا تستمر آلة القمع السياسي في إغلاق منافذ التعبير عن الرأي، ومازالت الأجهزة الأمنية تطبق الحصار على الحراك الشعبي والمتظاهرين، مما أثار انتقادات دولية بشأن حقوق الإنسان.

ويأتي ذلك بينما تستمر الأزمة الاقتصادية في التأثير على الحياة اليومية للمواطنين الجزائريين، مع ارتفاع الأسعار وحدوث أزمة في الموارد الأساسية.

والناظر للمشهد السياسي في الجزائر يكاد يلخصه في شخصيتين اثنتين، الأول هو الرئيس عبد المجيد تبون، وهو شخص لا يقوى إلا على الكلام لا غير، والفريق أول السعيد شنڨريحة الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، وهو الشخصية الفاعلة في توجيه دفة الحكم في البلاد، لا سيما بعد الصلاحيات الواسعة التي منحها له الرئيس قبل أيام.

أما الأحزاب السياسية التقليدية منها والحديثة، فهي أشبه بالموت السياسي، إذ أنها لا تقدم ولا تؤخر شيئا في البلاد، وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني وريثة الحركة الوطنية التي جاءت باستقلال البلاد وحررتها من استعمار وحشي استمر لـ 132 سنة.. وبات اسم عبد العزيز بلخادم الآن يتردد من جديد لرئاسة مجلس الأمة بعد أن طال العمر بالرئيس الحالي للمجلس صالح قوجيل.

ولكم يحز في النفس ليس فقط حال حزب جبهة التحرير، وإنما أيضا واقع الأحزاب الإسلامية التي استحالت إلى جزء من الأجهزة الوظيفية لدى العسكر وأحيانا ما تبقى من جهاز أمني شاخ به العمر، وبات عبئا على أصحابه قبل الدولة.

وعندما أقول إن السياسة ماتت في الجزائر، فأنا لا أقول ذلك من باب التهجم أو التندر السياسي واللغوي، بل أصف واقعا معيشيا، أحال الجزائريين إلى كيانات متفرجة وصامتة، لا تسمع إلا ما تقوله أجهزة إعلام تم تدجينها بالكامل، وذات اتجاه واحد.

وإذا أضفنا إلى ذلك أن الجزائر بمساحتها الشاسعة واقتصادها الغني، تكاد تتحول إلى جزيرة معزولة، بسبب السياسات الخاطئة التي انتهجتها في علاقاتها الخارجية، والتي رهنتها إلى قضية واحدة تقيم من خلالها علاقاتها الخارجية، وهي الموقف من الصحراء، بعد ارتفاع عدد الدول المنحازة لخيار الحكم الذاتي الذي تطرحه المغرب حلا لهذه القضية التي أرقت ميزانيتنا وعطلت دواليب الاتحاد المغاربي، بل وأسست لحالة من الفوضى الأمنية والسياسية في المنطقة بالكامل..

وباستثناء علاقاتها مع تونس، وهي بالمناسبة دولة ضعيفة ولا أريد أن أقول بأنها ساقطة سياسيا واقتصاديا حتى أن التقارير تتحدث عن أنها أصبحت عبئا على ميزانية الجزائر ومواردها، فإن الجزائر تكاد تكون محاطة بدول أعداء وبحدود قابلة للانفجار في أية لحظة..

حتى روسيا التي لطالما تغنت الجزائر بعلاقاتها التقليدية معها، ومثلت المصدر الرئيس لسلاح الجزائر هي الآن في وارد أن تتحول إلى خصم سياسي..

ولقد زادت عزلة الجزائر عربيا بعد سقوط أحد حلفائها التقليديين، وأعني هنا نظام بشار الأسد، الذي فر إلى موسكو تاركا وراءه بلادا منهارة بشكل كامل، وتاريخا من الظلم والكوارث لا تمحوها السنين الطويلة..

عام 2024 في الجزائر كان عامًا آخر من الضياع وراء أوهام نظام فاقد للشرعية، وعاجز لا أقول في تأمين الحياة الكريمة لمواطنيه، وإنما في توفير حتى ضمانت استمراره في قيادة البلاد وبالتالي ضمان سيادتها..

يجب على الحكومة الجزائرية اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة هذه التحديات وضمان مستقبل أفضل للمواطنين الجزائريين.
 

كريم مولاي، خبير أمني جزائري