لكن إذا اعتبرنا أن سوريا أضحت مستباحة لكل هذه الأطراف الدولية المتنافسة على اقتسام أراضيها وثرواتها. وهي نفسها الأطراف التي حملت السلطة الجديدة على دبابتها لتدخل دمشق، فما قدرة هؤلاء الحكام الجدد على مواجهة أطماع من كان لهم الفضل في تبوئهم السلطة؟ وهل يستقيم اكتسابهم شرعية الحكم مع التفريط في السيادة والوحدة الترابية التي يتم استباحتها من هذه الأطراف الداعمة؟ علما أن الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب السوري المتعدد بأعراقه وطوائفه تعتبر من التعقيدات الأكثر خطورة بالنسبة للسلطة الجديدة. خاصة وأن مرجعية الحكام الجدد سنية متطرفة، بالتالي اقصائية، بطبعها لباقي مكونات الشعب، وأن هذا التنوع في ظل الانفراد السني الإخواني والسلفي بالحكم يشكل في حد ذاته استفزازا لباقي الأطياف السورية، وهو ما يمكن أن يشكل أرضية خصبة لاشعال فتيل حرب أهلية طائفية وعرقية تغذيها نفس القوى. أو قوى أخرى خرجت مؤقتا من المعادلة مع سقوط النظام السابق. وهو ما بدأنا نشهد عليه من خلال ما تتناقله وسائل الإعلام، والشهادات حول الإعدامات التي تتم خارج نطاق القانون، والخطابات التحريضية، والتوترات الطائفية، بين الشيعة والعلويين من جهة والحكام الجدد من جهة أخرى إضافة إلى ما تشهده المنطقة الشرقية من سوريا من تحركات عسكرية ومعارك بين الجيش التركي المدعوم من الفصائل المسلحة السنية والسلفية السورية، وبين قوات سورية الديمقراطية المدعومة من أمريكا.
خلاصة القول، ومن خلال ما سبق ذكره يبدو أن الوضع في سوريا يسير نحو الفوضى والاقتتال الداخلي، لأن الأطراف المتدخلة في الشأن السوري الآن، حتى وإن اتفقت على إسقاط النظام السابق، إلا أن أجنداتها مختلفة. وكل طرف غير مستعد للتنازل عن ما حققه من امتيازات على الأرض السورية، ولن تقبل بنظام حكم قوي ومستقر في دمشق يمكن أن يفرض عليها الانسحاب من أراضيه واستقلالية قراراته السيادية. كما أن الدول العربية المحيطة بسوريا التي وقفت على الحياد نسبيا في السنوات الأخيرة، رغم مشاركتها القوية في صناعة المنتوج الحالي في بداية الفوضى السورية، باستثناء قطر التي بقيت مستمرة في دعمها المالي لمجهودات تركيا وأمريكا وإسرائيل من أجل تغيير نظام حكم بشار ضمن رؤية استراتيجية صهيو أمريكية تروم إحداث الفوضى الخلاقة في المنطقة. وليس خدمة لمصلحة الشعب السوري في تحقيق الحرية والديمقراطية. فإن هذه الدول تجد نفسها الآن خارج هذه المعادلة الجديدة. وتستشعر خطورة ما حدث ويحدث في هذا البلد. وأنها مهددة في وجودها وذلك لاحتمالية أن تكون الهدف المقبل لاستكمال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي خططت له كل من أمريكا الساعية لتقوية نفوذها في هذه المنطقة الجيو استراتيجية. واسرائيل الراغبة في التمدد جغرافيا لتحقيق حلمها التاريخي في اقامة اسرائيل الكبرى. ومن خلفهم تركيا العثمانية الطامعة في الأراضي السورية والعراقية إلى حدود الموصل. لكن ما يغيب عن تركيا هو أنها ستجد نفسها في نهاية المطاف سجينة لما أحدثته من خراب وفوضى واحتلال لبلد تجمعه معها حدود تتجاوز 700 كلم. خاصة إذا أضفنا إلى هذا أن أمريكا وإسرائيل تمتلكان من الأوراق داخل سوريا "النظام" الجديد ما يكفي لجعل تركيا ترضخ لشروطهما في ما يتعلق بمفهوم الشرق الأوسط الجديد وفق الرؤية الصهيو امريكية، وذلك لأن تركيا لم تكن تاريخيا محل ثقة في نظر الغرب الأطلسي.