كريم مولاي: المؤامرة الفرنسية على النظام الجزائري.. معركة مضللة

كريم مولاي: المؤامرة الفرنسية على النظام الجزائري.. معركة مضللة كريم مولاي
يتصاعد التوتر المحسوب بين الجزائر وباريس منذ إقدام الرئيس إيمانويل ماكرون على تأييده لمقترح الرباط المتصل بمصير الصحراء، والانحياز لصالح الحكم الذاتي الذي يمنح الصحروايين صلاحيات واسعة ضمن السيادة المغربية.. 
 
تم سحب السفير الجزائري، والبدء بحملة إعلامية شرسة استهدفت كل شيء في باريس، باستثناء الركائز الأساسية التي تقف عليها علاقات البلدين، والتي لا يملك نظام الجزائر تجاوزها أو الذهاب ضدها بعيدا.. 
 
لم تدخر الصحف الجزائرية جهدا في شيطنة باريس واتهامها بالتآمر على أمن الجزائر، بينما لم تترجم القيادة هذا الهجوم إلى قرارات سياسية واقعية، كقطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، كما تم مع الرباط، ولا أغلقت أجواءها في وجه الطائرات الفرنسية ولا قررت منع الرعايا الفرنسيين من دخول التراب الجزائري أو وقف الاستثمارات الفرنسية في الجزائر الممتدة.. 
 
التزمت باريس التعامل بهدوء ولم تعر الحملة الإعلامية أي اهتمام يذكر، ولم يغير الرئيس ماكرون موقفه من تأييده لخيار الحكم الذاتي المتصل بالصحراء، تماما مثلما لم نسمع من المصادر الرسمية الجزائرية ما يشير إلى مستوى الغضب الذي ظهر في وسائل الإعلام.. 
 
وفي خطوة تعكس طبيعة الارتباك الذي تعيشه السلطات الجزائرية جراء فشل جهودها في الانتصار لموقفها المناوئ للمغرب بشأن إصرارها على حق تقرير المصير، الذي تجاوزته كل الأطراف، ودعم جبهة البوليساريو التي أمس معزولة إقليميا ودوليا، أقدمت أجهزة الأمن الجزائرية مؤخرا على اعتقال  الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال في مطار هواري بومدين بالعاصمة قادما من فرنسا من دون اتهامات معلنة..
 
لكن مع الأيام وبعد الحملة الإعلامية الدولية التي قادتها وسائل إعلام ومنظمات حقوقية دولية، أعلنت السلطات الرسمية في الجزائر أن بوعلام صنصال معتقل لديها على خلفية قضايا ذات طبيعة إرهابية.. وكانت مصادر قد رجحت أن يكون الاعتقال على خلفية تصريحات لصنصال شكك فيها بالحدود الحالية للجزائر معتبرا أن بعضها يعود إلى المغرب..
 
ولم يقف الأمر عند ذلك الحد في حملة النظام الجزائري وأجهزته الإعلامية ضد فرنسا بل عمد التلفزيون الرسمي إلى نشر فيلم وثائقي يتحدث عن مؤامرة تقف خلفها المخابرات الفرنسية لاختراق الأمن الجزائري.. 
 
لست هنا للانتصار لفرنسا، التي تملك تاريخا أسود في دول مغربنا الكبير عامة وفي الجزائر تحديدا، ولكن في الحديث عن سياسة دولة تبني خياراتها كلها وتضع علاقاتها الدولية ومصالح شعبها في كفة والموقف من تقسيم بلد جار في كفة أخرى.. ولست أدري أيضا ما الذي يمكن أن يقوله التاريخ يوم أن تقرأ الأجيال المقبلة، أن نظاما جزائريا عمد في فترة تاريخية ليس فقط إلى قطع الأرحام بين الشعبين المغربي الجزائري وإغلاق كل منافذ الحوار بين بلدين جارين، بينما لا تستطيع ممارسة ذات السياسة مع دول غربية أخرى وفي المقدمة منها فرنسا.. 
 
لن تستطيع قيادة النظام في الجزائر أن تكرر سياساتها التصعيدية التي تنتهجها مع المغرب في فرنسا، لسبب بسيط، وهو أن باريس لا تزال تملك إرادة التحكم في القرار السيادي الجزائري، حتى وإن أظهر إعلام الجزائر عكس هذه الصورة، فكثير من هذا الإعلام للاستهلاك المحلي لا غير، أما الحقيقة فهي عكس ذلك تماما.. باريس تظل قبلة عسكر الجزائر سياسيا واقتصاديا وأمنيا لا سيما بعد أن تبين أن الرهان على روسيا لا يحمي العروش، ونظام البعث وعائلة الأسد في سوريا تنبئك اليقين..