ورغم شح المساحات الخضراء بالدارالبيضاء، فإن هناك تفاوتا رهيبا في توزيع هذه "الجنينات" بين مقاطعات المدينة، فصحراء أحياء: مبروكة والسالمية وسيدي مومن وديور لامان مثلا، ليست هي جنة عين الذياب وأنفا العليا والسيال. والجفاف المنظري بأحياء: القدس وليساسفة والزوبير ودرب السلطان وحي شريفة، ليس هو تلك الفضاءات المعشوشبة والمشجرة بوسط المدينة أو المشور أو المارينا أو الهناء أو حي كاليفورنيا أو الليمون.
فقراءة الميزانية تكشف لنا أرقاما صادمة، مفادها أن المسؤولين لا يرصدون سنويا لمدينة الدارالبيضاء سوى مبلغا حقيرا لتهيئة الحدائق ولصيانتها وللتشجير. فبالرجوع إلى السنوات الخمس الأخيرة نجد أن نسبة ما تخصصه المدينة للمساحات الخضراء من موارد مالية كل عام يتراوح بين 1% و1،9% من الميزانية العامة السنوية، وهي أفلس نسبة على الصعيد العالمي، لأنها تبين مدى احتقار الدولة - في شخص سلطاتها المنتخبة والمعينة، المركزية واللامركزية- لقطاع الحدائق في أكبر مدينة بالمغرب المقبلة على احتضان المونديال ياحسرتاه. علما أن العاصمة الاقتصادية لا تتميز فقط بالاكتظاظ الديمغرافي فحسب( بلدية البيضاء لوحدها تضم 3.218.036 نسمة حسب إحصاء 2024)، بل وتعاني أيضا من حدة التلوث الذي يرفع من مستوى هشاشة سكانها.
إذا أخذنا مثلا السنوات الثلاث الماضية:2021 و2023 و2024، نجد أن مجموع ما اقترحه مجلس الدارالبيضاء في الميزانية السنوية لقطاع الحدائق هو:
50 مليون درهم في ميزانية عام 2021.
79 مليون درهم في ميزانية عام 2023.
95 مليون درهم في ميزانية عام 2024.
معنى هذا، أن حصة كل بيضاوي من الخضرة والأشجار كان في السنوات الثلاث المذكورة لم تتجاوز: 15 و23 و28 درهما لكل مواطن في العام على التوالي (أي لا تصل حتى إلى درهم واحد في الأسبوع!).
وإذا كان من المحمود رصد الدولة للملايير من الدراهم لتوفير البنية التحتية لاستقبال مونديال2030 بالدارالبيضاء(من ملعب كبير وطرق سيارة وقناطر وقطار جهوي وفنادق ومواصلات سلكية ولاسلكية)، فإن المطلوب أن تتدارك الدولة المونطاج المالي والمؤسساتي لتدمج ولو نسبة 10% من مجموع مارصدته للبنية التحتية للمونديال بكازا، يكون مخصصا فقط لتهيئة المنتزهات والحدائق بالعاصمة الاقتصادية وتشجير شوارعها وساحاتها حتى تكون محطة المونديال فرصة لإدماج الدار البيضاء في القرن 21 من بابه الواسع من جهة وتسويق صورة بهية عن المغرب من جهة ثانية.
فالمونديال ليس فقط ملاعب وخرسانة مسلحة، بل هو الوصفة المناسبة لترميم الأعطاب الحضرية الكبرى.
ولكم في مونديال باريس لعام 1998 والألعاب الأولمبية بلندن لعام 2012، أحسن مثال، حيث استغلت كل من فرنسا وبريطانيا الحدث الرياضي العالمي لردم الاختلالات الحضرية بشرق باريس وشرق لندن.