محمد الطيار: كيف كانت الجزائر تنكل وتعذب اللاجئين السوريين إرضاء لبشار الأسد

محمد الطيار: كيف كانت الجزائر تنكل وتعذب اللاجئين السوريين إرضاء لبشار الأسد محمد الطيار
وصل‭ ‬عدد‭ ‬السوريين‭ ‬الهاربين‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬13‭ ‬ملايين‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬والعالم‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬ويُقدر‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬غير‭ ‬المسجلين‭. ‬ويتنوع‭ ‬مقام‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬استطاعوا‭ ‬خلال‭ ‬رحلتهم‭ ‬النجاة‭ ‬بحياتهم،‭ ‬بين‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬صعبة‭ ‬والاندماج‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬البلدان‭ ‬المضيفة،‭ ‬كما‭ ‬يعيش‭ ‬حوالي‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬لاجئ‭ ‬سوري‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬أعلنت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬سنة‭ ‬2021،‭‬أن‭ ‬السوريين‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬القائمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬اللاجئين‭ ‬وطالبي‭ ‬اللجوء‭ ‬في‭ ‬المغرب‭. ‬

وتعد‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬قصدها‭ ‬السوريون‭ ‬لقربها‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬وأروبا،‭ ‬ورغم‭ ‬الأعداد‭ ‬المعلنة‭ ‬وصفة‭ ‬لاجئ‭ ‬الذي‭ ‬يطلقها‭ ‬عليهم‭ ‬الإعلام‭ ‬الجزائري،‭ ‬فإنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬مأساة‭ ‬إنسانية‭ ‬حقيقية،‭ ‬ولا‭ ‬تعترف‭ ‬بهم‭ ‬قوانين‭ ‬البلد‭ ‬كلاجئين‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬الجزائر‭ ‬كانت‭ ‬تقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬لحطة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬وكانت‭ ‬تصف‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬بالإرهابين،‭ ‬بل‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬أرسلت‭ ‬جنودها‭ ‬وجنرالاتها‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬ضد‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية،‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬عدة‭ ‬تقارير‭ ‬إعلامية،‭ ‬عن‭ ‬أسرها‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬الجزائريين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يقاتلون‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬النظام‭ ‬السوري،‭ ‬منهم‭ ‬أعداد‭ ‬مهمة‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬"البوليساريو"‭ ‬الانفصالية‭.‬

الجزائر‭ ‬تعترف‭ ‬فقط‭ ‬باللجوء‭ ‬السياسي‭ ‬
‭ ‬لقد‭ ‬قامت‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬بالمصادقة‭ ‬على‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬الخاصة‭ ‬بشؤون‭ ‬اللاجئين‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الدساتير‭ ‬الجزائرية‭ ‬المتتالية،‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬التعديل‭ ‬الدستوري‭ ‬لسنة‭ ‬2020،‭ ‬تحصر‭ ‬حالات‭ ‬اللجوء‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬السياسي‭ ‬فقط،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحالات‭ ‬المدرجة‭ ‬في‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬المصادق‭ ‬عليها‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعا،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الدستور‭ ‬الجزائري‭ ‬لا‭ ‬يعطي‭ ‬أهمية‭ ‬للاجئين،‭ ‬ولا‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬المصادق‭ ‬عليها،‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬حالة‭ ‬السوريين‭ ‬الهاربين‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬يمنح‭ ‬الدستور‭ ‬الجزائري‭ ‬الحماية‭ ‬للأجانب‭ ‬الذين‭ ‬ليست‭ ‬لهم‭ ‬إقامة‭ ‬قانونية،‭ ‬وهو‭ ‬حال‭ ‬السوريين‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬81: "يتمتّع‭ ‬كلّ‭ ‬أجنبيّ،‭ ‬يكون‭ ‬وجوده‭ ‬فوق‭ ‬التّراب‭ ‬الوطنيّ‭ ‬قانونيّا،‭ ‬بحماية‭ ‬شخصه‭ ‬وأملاكه‭ ‬طبقا‭ ‬للقانون‭.‬"‭ ‬فالأجنبي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬قانونية‭ ‬يكون‭ ‬دمه‭ ‬مباحا‭ ‬وكذلك‭ ‬ممتلكاته‭. ‬

ولا‭ ‬يتطرق‭ ‬الدستور‭ ‬الجزائري‭ ‬بتاتا‭ ‬إلى‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬اللجوء،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬باحتياجات‭ ‬الذين‭ ‬هربوا‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنف،‭ ‬وفقا‭ ‬لاتفاقية‭ ‬عام‭ ‬1951‭ ‬المتعلقة‭ ‬بوضع‭ ‬اللاجئ‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭.‬

وقد‭ ‬دأبت‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬الجزائر‭ ‬لحماية‭ ‬جميع‭ ‬المهاجرين‭ ‬واللاجئين‭ ‬ضد‭ ‬العنف،‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬وضعهم‭ ‬كمهاجرين،‭ ‬ودعت‭ ‬أيضا‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات،‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬التشريعات‭ ‬الوطنية‭ ‬ومطابقتها‭ ‬بأحكام‭ ‬اتفاقية‭ ‬عام‭ ‬1951‭ ‬المتعلقة‭ ‬بوضع‭ ‬اللاجئين‭ ‬وبروتوكولها‭ ‬الاختياري‭ ‬لعام‭ ‬1967،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحماية‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬الحماية‭ ‬الدولية‭ ‬وتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬للاجئين‭ ‬المعترف‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المفوضية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬لا‭ ‬تعير‭ ‬أي‭ ‬أهمية‭ ‬لدعوات‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭.‬

الجزائر‭ ‬تنكل‭ ‬باللاجئين‭ ‬السورين‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬
كانت‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائري‭ ‬تعمد‭ ‬الى‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬إرضاء‭ ‬لنظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬كلما‭ ‬نجحت‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬في‭ ‬تقليص‭ ‬مساحة‭ ‬نفوذه،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬فيه‭ ‬جيشه‭ ‬بقصف‭ ‬الأبرياء‭ ‬بالبراميل‭ ‬المتفجرة‭. ‬
فحسب‭ ‬تصريحات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين،‭ ‬فإن‭ ‬القوات‭ ‬الجزائرية‭ ‬تقوم‭ ‬بدفعهم‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬ترابها،‭ ‬باتجاه‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬النيجر‭ ‬وليبيا‭ ‬وتونس‭ ‬وباتجاه‭ ‬الحدود‭ ‬المغربية،‭ ‬وتطالبهم‭ ‬بعدم‭ ‬العودة‭ ‬نهائيا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬وتهددهم‭ ‬بالتصفية‭ ‬الجسدية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬العثور‭ ‬عليهم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬داخل‭ ‬التراب‭ ‬الجزائري،‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬سافر‭ ‬لكل‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭. ‬وتتصرف‭ ‬مع‭ ‬اللاجئين‭ ‬السورين‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬تروج‭ ‬له‭ ‬إعلاميا،‭ ‬فخلال‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭ ‬مثلا،‭ ‬توفي‭ ‬12‭ ‬سوريا‭ ‬عطشا‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بلڨبور،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬طفل‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬عام‭ 2014.
ومنذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬تتوافد‭ ‬التقارير‭ ‬والشهادات‭ ‬حول‭ ‬عمليات‭ ‬ترحيل‭ ‬المهاجرين‭ ‬السوريين،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬باعتقال‭ ‬المهاجرين‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الجزائرية،‭ ‬وتنقلهم‭ ‬إلى الصحراء‭ ‬الحدودية مع‭ ‬النيجر‭ ‬ويتم‭ ‬تركهم‭ ‬عند‭ ‬"نقطة‭ ‬الصفر"‭. ‬وتتركهم‭ ‬هناك‭ ‬دون‭ ‬طعام‭ ‬أو‭ ‬شراب،‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬ليسيروا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدى‭ ‬ويضطرون‭ ‬إلى‭ ‬السير‭ ‬مسافة‭ ‬15‭ ‬كيلومترا‭ ‬إلى‭ ‬بلدة‭ ‬أساماكا‭ ‬النيجيرية‭ ‬تحت‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬شديدة‭ ‬للغاية،‭ ‬وهي‭ ‬أقرب‭ ‬بلدة‭ ‬نيجيرية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭. ‬وإذا‭ ‬نجح المهاجرون‭ ‬السوريون‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬وجهتهم،‭ ‬يتم‭ ‬تسجيلهم‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬إيواء‭ ‬مؤقتة‭ ‬ترعاها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬قبل‭ ‬نقلهم‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬النيجر‭.‬

الآلاف‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬وطيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬تم‭ ‬اعتقالهم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬خلال‭ ‬مداهمات‭ ‬لأماكن‭ ‬إقامتهم‭ ‬أو‭ ‬عملهم‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬التونسية‭ ‬أو‭ ‬الليبية،‭ ‬ويتم‭ ‬نقلهم‭ ‬بالشاحنات‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬المغربية،‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬تجميعهم‭ ‬في‭ ‬تمنراست‭ ‬(جنوب‭ ‬الجزائر)،‭ ‬حيث‭ ‬يتعرضون‭ ‬للتعذيب‭ ‬والسلب‭ ‬والاغتصاب‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬عسكر‭ ‬الجزائر،‭ ‬قبل‭ ‬نقلهم‭ ‬في‭ ‬شاحنات‭ ‬نحو‭ ‬النيجر‭ ‬وسط‭ ‬ظروف‭ ‬مأساوية‭. ‬ويتعرض‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬للقتل‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬العصابات‭ ‬والمهربين‭ ‬ومن‭ ‬طرف‭ ‬تجار‭ ‬الأعضاء‭ ‬البشرية،‭ ‬ونفس‭ ‬الامر‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الليبية‭ ‬حيث‭ ‬يلقون‭ ‬حتفهم‭ ‬بسبب‭ ‬الحرارة‭ ‬والعطش‭ ‬والسلب‭ ‬والنهب‭ ‬والاعتداءات‭. ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إرضاء‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬بترحيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السوريين‭ ‬بالطائرات‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدفعات‭ ‬رغم‭ ‬تواجدهم‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬لعدة‭ ‬سنوات‭.‬
 
محمد الطيار ، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية