سعيد عاتيق: إعادة الإيواء بين تراكم الأخطاء وتواتر المعاناة

سعيد عاتيق: إعادة الإيواء بين تراكم الأخطاء وتواتر المعاناة سعيد عاتيق
لعل برنامج "مدن بدون صفيح"، المعلن عنه منذ أكثر من عقدين من الزمن، يُعتبر دفعة قوية في إطار مكافحة السكن غير اللائق، ويُترجم الإرادة الفعلية للرفع من مستوى المواطنين المعنيين، ضحايا ظروف التهميش ووطأة الهشاشة.
 
هذا البرنامج، ومنذ عام 2004، صار ذا أولوية وطنية وبات يمثل محورًا أساسيًا واستراتيجيًا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما يُعد مكونًا أساسيًا للتأهيل الحضري وورشة لافتة لترجمة الفلسفة التنموية المستدامة. ولعله مبادرة جريئة في أجرأة بعض مضامين دستور المملكة، لا سيما وأن الدستور اعتبر الحق في السكن لجميع المواطنين والمواطنات على قدم المساواة. كما أن الحوار الوطني أوصى بتمكين المواطنين والمواطنات من هذا الحق، مع التأكيد على قيمة الجودة.
 
برنامج "مدن بدون صفيح" تبنّى المقاربة التشاركية لإدماج جميع الشركاء على المستوى المحلي والمركزي، فضلاً عن الساكنة المستهدفة. وهنا يظهر عنوان الدولة الاجتماعية التي تعالج ملفات الشعب بالحوار والتشاور وإشراك الأطراف الأخرى. فنحن جميعًا معنيون بالتنمية والرخاء المؤدي إلى الاستقرار والاستمتاع بالأمن العام وتعزيز أواصر اللحمة بين المؤسسات الوطنية وعموم المواطنين والمواطنات، صغارًا وكبارًا.
 
ورغم أهمية ورش السكن، فإنه يُعدّ أحد أهم أسباب استقرار الأمة وتعزيز التماسك الاجتماعي والثقة. هذا هو "برنامج مدن بدون صفيح" نظريًا كما أريد له أن يكون، وتلك هي مضامين دستور 2011. ولكن، أليست عشرون سنة كافية لطي هذا الملف؟ لننظر إلى الواقع:
قد تكون عملية ترحيل كريان سنطرال ومراحل معالجته قد تماهت في كثير من مراحلها مع سلسلة الإجراءات منذ الإعلان عن المبادرة. شملت هذه المراحل الإخبار، إعادة الإحصاء، التحيين، تدارك حالات المقصيين ومعالجتها، اللقاءات، الحوارات، التشاور، وإشراك المجتمع المدني والساكنة. ومع ذلك، برزت بعض الانزلاقات، ومنها استمرار تعليق وضعية عشرات الأسر إلى اليوم، مما يدل على وجود خلل لم يتم معالجته في ملف السكن وإعادة الإيواء.
وبعد كريان سنطرال، ومع بدء معالجة التجمعات العشوائية الأخرى، بدأت مبادئ البرنامج في التراجع، وأُفرغ من فلسفته. وصار بند الحق في السكن في الدستور مجرد نصوص تُقرأ دون أن يُلتزم بها. كما أن استشارة الساكنة وإشراكها في مصيرها تراجعت، وتحولت عمليات إعادة الإيواء إلى مشاهد مأساوية.
 
السكان المعنيون ليسوا قُصّرًا أو فاقدي الأهلية ليفرض عليهم قرارات صارمة دون استشارة أو تشاور. كيف تُستخدم الجرافات في هدم الأكواخ فجأة؟ وكيف يتم إتلاف متاع الناس دون بديل حقيقي، مما يؤدي إلى تبعات وخيمة كالتشرد وانقطاع الأبناء عن الدراسة؟
 
إذا كان برنامج "مدن بدون صفيح" قد امتد لعشرين عامًا دون تحقيق أهدافه، فهذا دليل على فشل الجهات المكلفة في بلورة مضامينه على أرض الواقع. وعليها مراجعة خططها وأساليبها.
 
في الثالث من يوليو 2024، قدمت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة عرضًا أمام مجلس النواب، أقرّت فيه بوجود نقائص عديدة في البرنامج، منها غياب معايير موحدة، ضعف التنسيق، وغياب الحكامة الجيدة.

 . وأمام هذا الإقرار والإعتراف الرسمي ومن داخل قبة البرلمان يجد كثير من  المواطنين المعنيين بعملية إعادة الإيواء أمام "طاحت الصومعة علقو الحجام " والساهرون على عمليات الترحيل متناسين أو متجاهلين "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وفي الختام تحملوا كامل مسؤولياتكم "و لي دارها بيديه يفكها بسنيه "  ما تعفطوووش على لي ما مداااير لااا بيديه لااا برجليه.
 
 سعيد عاتيق، حقوقي