تُعد المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين واحدة من أبرز القضايا التي تميز العلاقات الاقتصادية الدولية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. تتمحور هذه المواجهة حول اتهام الولايات المتحدة للصين باتباع سياسات تهدف إلى تخفيض قيمة عملتها، اليوان، لتعزيز صادراتها على حساب الاقتصاد الأمريكي.
هذه السياسة الصينية، التي تعتمد على التدخل في سوق العملات والتحكم في سعر الصرف، مكّنتها من جعل صادراتها أرخص وأكثر تنافسية على المستوى الدولي. ونتيجة لذلك، حققت الصين تقدمًا كبيرًا في صادراتها، حيث وصلت قيمتها إلى حوالي 3.7 تريليون دولار في عام 2022، ما جعلها أكبر مصدر للسلع والخدمات عالميًا.
في المقابل، أدى هذا النهج إلى إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الأمريكي. فقد ساهم انخفاض قيمة اليوان في توسيع العجز التجاري بين البلدين، حيث بلغ في عام 2022 حوالي 382.9 مليار دولار، بزيادة 29.4 مليار دولار عن العام السابق. ورغم انخفاض العجز إلى 279 مليار دولار في عام 2023، إلا أنه لا يزال يشكل تحديًا جوهريًا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي. علاوة على ذلك، تسبب تدفق المنتجات الصينية الرخيصة إلى الأسواق الأمريكية في إضعاف قطاعات صناعية تقليدية مثل التصنيع والنسيج، مما أدى إلى فقدان ملايين الوظائف، وزيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
لم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي أمام هذه السياسات. فقد بدأت في عام 2018 بفرض تعريفات جمركية عالية على مجموعة واسعة من السلع الصينية في محاولة للحد من العجز التجاري وتحفيز الصناعات المحلية. واستمرت هذه السياسات التصعيدية حتى عام 2024، حيث تم فرض تعريفات جديدة على الخلايا الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية، إلى جانب سلع أخرى مثل الصلب والألمنيوم والمعدات الطبية. ورغم هذه الجهود، فإن التأثير الفوري لهذه التعريفات كان محدودًا، نظرًا لتشابك الاقتصادين واعتماد الولايات المتحدة على الواردات الصينية في العديد من القطاعات الحيوية.
التوترات بين البلدين لم تقتصر على السياسات التجارية فقط، بل امتدت إلى الساحة الدولية. فقد سعت الولايات المتحدة إلى الضغط على المؤسسات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، لإجبار الصين على تعديل سياساتها. ومع ذلك، كانت هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة، خاصة مع صعوبة تحقيق توافق دولي حول هذه القضايا. في ديسمبر 2022، على سبيل المثال، رفضت الإدارة الأمريكية حكمًا أصدرته منظمة التجارة العالمية يقضي بأن التعريفات الأمريكية على الصلب والألمنيوم تنتهك قواعد التجارة العالمية.
انعكست هذه المواجهة بشكل واضح على الاقتصاد العالمي، حيث ساهمت في تباطؤ النمو العالمي نتيجة لتراجع حركة التجارة وارتفاع الحمائية الاقتصادية. كما أثرت هذه التوترات على استقرار العملات في الأسواق الناشئة، مما أدى إلى تفاقم التحديات الاقتصادية في هذه الدول. بالإضافة إلى ذلك، دفعت هذه النزاعات الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة النظر في سلاسل التوريد الخاصة بها، وتقليل الاعتماد على التصنيع في الصين، ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل خريطة الإنتاج والتجارة العالمية في المستقبل.
من الناحية المستقبلية، يبدو أن هذه التوترات ستستمر، حيث تسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى تعزيز موقعهما في الاقتصاد العالمي. لتحقيق استقرار طويل الأمد، قد يكون من الضروري إعادة صياغة قواعد التجارة الدولية وتعزيز الحوار بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر عالميًا. ومع ذلك، فإن التوصل إلى حلول مستدامة يتطلب توازنًا دقيقًا بين المصالح الوطنية والحاجة إلى التعاون الدولي.
تمثل هذه المواجهة تحديًا كبيرًا للنظام الاقتصادي العالمي، حيث تعكس صراعًا أعمق على الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية. ستظل السياسات النقدية والتجارية محور هذا الصراع، ما لم يتم التوصل إلى إطار جديد ينظم العلاقات الاقتصادية بين هاتين القوتين ويضمن نموًا مستدامًا للاقتصاد العالمي.