أصدرت الغرفة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية في 21 نونبر 2024 في إطار الدعوى المرفوعة أمام المحكمة بشأن الحالة في فلسطين، بإجماع قضاة هذه الغرفة، قرارين رفضت بموجبهما الطعن الذي قدمته إسرائيل في مقبولية الدعوى والدفع بعدم اختصاص المحكمة وفقا للمادتين 18/ (1) و19/ (2) من نظام روما الأساسي. وأصدرت هذه الغرفة في نفس اليوم أوامر القبض التي كان قد طلبها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية منذ 20 ماي 2024 في حق الوزير الأول الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو" ووزيره السابق في الدفاع "يوهاف غالنت".
أولا – مذكرات القبض الصادرة في 21 نونبر 2024: السياق والمضمون
تناولنا في مقال سابق ( أنظر المقال المنشور حول الموضوع في أنفاس بريس 02 يونيو 2024) السياق العام للدعوى المقدمة أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن الحالة في فلسطين ، الذي أملى توجيه المدعي العام "كريم خان" لطلباته الى المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر القبض على عدد من المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين ومتابعتهم واعتقالهم و تقديمهم للمحاكمة ، كما شرحنا في ذلك المقال الأسباب والدلائل الواقعية والأسس والمرتكزات القانونية التي خلص اليها تحقيق المدعي العام ، و التي استند اليها لطلب تحريك المتابعة الجنائية في حق هؤلاء المسؤولين .
فاستنادا الى الأدلة التي جمعها مكتب المدعي العام في إطار التحقيق الذي فتحه بشأن الحالة في فلسطين ، وبعد فحصها وتمحيصها ، اعتبر أن التحقيق العميق للعناصر المادية والقانونية المتوفرة لديه مكّنه من استخلاص أسباب معقولة للاعتقاد بأن عددا من المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين ، قد يكونوا ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إطار العمليات الحربية التي شنتها القوات الإسرائيلية على قطاع غزة ، وذلك بدءا من الهجوم الذي قام به الجناح العسكري لحركة حماس في 07 أكتوبر 2023، الأمر الذي استتبع توجيه طلبات اصدار الأمر بالقبض على عدد من الأشخاص الى الغرفة التمهيدية ، التي تجاوبت معها بعد مضي أزيد من ستة شهور و موافقتها في 21 نونبر 2024 على تسليم مذكرات الاعتقال المطلوبة ضد "نتنياهو" و"غالنت" و ضد القائد العسكري الفلسطيني محمد ضيف .
ولعل ما يلفت الانتباه، أنه خلافا لما دأبت عليه ممارسة المحكمة الجنائية الدولية في قضايا سابقة، التي كانت حريصة فيها على التزام السرية ولامتناع عن كشف مضامين مذكرات الاعتقال التي تصدرها، فإنها قد حادت عن نهجها المبدئي بخصوص هذه المذكرات الأخيرة، وقررت على غير عادتها تعميم محتواها والتواصل بخصوصها من خلال إصدار بلاغات رسمية. فالظاهر إذن، أن الغرفة التمهيدية قررت أن تتواصل بإصدار عدة بيانات في 21 نونبر 2024 تكشف فيها.
محتوى المذكرتين اللتين أصدرتهما ضد الوزير الأول الإسرائيلي والوزير الإسرائيلي السابق في الدفاع، موضحة أن ثمة ما يؤكد حصول وقائع وأفعال مشابهة لتلك التي بررت إصدارها لهذه المذكرات، لا زالت تحصل وترتكب في الوقت الراهن.
ويبدو أن إعلان الغرفة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية عن فحوى مذكرات الاعتقال التي أصدرتها يعزا إلى جملة من الدواعي والأسباب من بينها، اقتناعها بوجود ضرورة الإنذار والتنبيه الى استمرار ارتكاب الجرائم المعنية بمذكرات الاعتقال، علما أن هذه الجرائم تهم المرحلة الممتدة ما بين 08 أكتوبر 2023 و20 ماي 2024 على الأقل، وهو تاريخ توجيه المدعي العام لطلبات إصدار أوامر القبض.
ويمكن أن يعزا أيضا قرار قضاة الغرفة التمهيدية الأولى بتجاوز عرف السرية الذي ظلت تلتزم به في السابق، الى تفضيلها في هذه الدعوى بالذات، التواصل العلني والمباشر حول فحوى مذكرات الاعتقال التي أصدرتها، تفاديا منها للتخمينات والمضاربات ولنشر الاخبار الزائفة ، لو أنها أبقت على محتوى هذه المذكرات طي السرية والكتمان ، لا سيما في سياق الحملة الإعلامية والانتقادات العنيفة التي تعرضت لها المحكمة من طرف إسرائيل و بعض حلفائها، بغية نسف نتائج تحقيق مكتب المدعي العام والضغط عليه والنيل من شرعيته و استقلالية و نزاهة تحقيقاته ، وتقويض قوة العدالة الجنائية الدولية برمتها . والواقع أن المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية، كان نفسه سباقا الى هذه العلنية بإصداره بيانا مفصلا في 20 ماي 2024 وضح فيه الوقائع التي تبرر في نظره توجيه طلبات إصدار أوامر القبض على بعض المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتحديد هوياتهم وصفاتهم والجرائم المنسوبة إليهم. ومن ثم، يمكن القول أن البيان الذي أصدرته الغرفة التمهيدية في 21 نونبر 2024 إنما يندرج ضمن استمرار العلنية التي اعتمدتها المحكمة الجنائية الدولية في هذه القضية.
ويتضح من مضمون بيان الغرفة التمهيدية ومن المعلومات التي أوردها أن المذكرتين اللتين وافقت الغرفة على تسليمها للمدعي العام تؤكد وتؤيد في جزء كبير منها مضمون صك المتابعة الذي وجهه الى المحكمة. وهكذا، إن مذكرتي الأمر بالاعتقال توجه الى كل من " نتنياهو " و " غالنت" تهم ارتكاب جرائم حرب خلال المدة ما بين 8 أكتوبر 2023 و20 ماي 2024 وتتمثل هذه الجرائم في:
تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ب) من نظام روما الأساسي. وأكد بيان الغرفة التمهيدية أن هذين المسؤولين الإسرائيليين قد تعمدا إحداث معاناة شديدة للسكان المدنيين في غزة، بحرمانهم من الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء وبعرقلة أو تقييد وصول المساعدات الإنسانية. وحرصت الغرفة التمهيدية على التأكيد أيضا ، أن هناك أسباب معقولة تدفع الى الاعتقاد بعدم وجود أية ضرورة عسكرية واضحة ،أو أي سبب مقبول طبقا للقانون الدولي الإنساني من شأنه تبرير القيود التي فرضتها القوات العسكرية الإسرائيلية على عمليات المساعدة الإنسانية للمدنيين ، رغم التنبيهات والنداءات المتوالية التي ما فتئ يطلقها مجلس الأمن الدولي ، والأمين العام للأمم المتحدة ، ومجموعة من المقررين الخاصين للأمم المتحدة ، فضلا عن الدول والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني بشأن الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة.
محمد العمارتي / أستاذ سابق للقانون الدولي بكلية الحقوق بوجدة
أما فيما يتعلق بالجرائم ضد الإنسانية، فقد تضمنت مذكرات اعتقال " نتنياهو " و " غالنت" توجيه التهم إليهما وفقا للالتماس الذي قدمه المدعي العام، حيث أنها اعتبرت العمليات الحربية التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة قد أدت الى هجوم واسع النطاق ومنهجي على السكان المدنيين، وبأن جرائم ضد الإنسانية قد تكون ارتكبت أثناء هذه العمليات الحربية التي لم تتوقف. وذكرت من بين هذه الجرائم على وجه التحديد، القتل العمد والاضطهاد وأفعال لاإنسانية أخرى. كما قامت الغرفة التمهيدية في بيانها بتكييف الجرائم ضد الإنسانية المنسوبة الى هذين المسؤولين الإسرائيليين.
فبالنسبة للجريمة ضد الإنسانية بسبب ارتكاب القتل العمد، اعتبرت أنه يتمثل في القضاء على جزء من السكان المدنيين في غزة بسبب النقص الكبير في الغذاء والماء والدواء والكهرباء والبنزين والمواد الطبية.
وأما تهمة ارتكاب جريمة الأعمال اللاإنسانية التي تضمنتها مذكرات الاعتقال، فتستند الى أن الأطباء في غزة صاروا مجبرين على إجراء عمليات للجرحى والمصابين والمرضى، بما فيهم الأطفال دون تخدير، لأن الجيش الإسرائيلي قد يكون قيّد او حتى تعمّد منع تزويد غزة بأدوية ومواد التخدير المستعملة في الجراحة.
بينما تتمثل جرائم الاضطهاد في حرمان السكان المدنيين لغزة من حقوقهم الأساسية في الحياة والصحة، فضلا عن كون استهداف السكان المدنيين قد تم على أساس أسباب سياسية و/ أو قومية.
في المقابل، لم تساير الغرفة التمهيدية المدعي العام في طلبه المتعلق بثبوت ارتكاب جرائم ضد الإنسانية عن طريق الإبادة وفقا للمادة 7 (1) (ب) حيث استبعدتها من مذكرات الاعتقال التي أصدرتها.
وخلصت الغرفة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية في مذكرات الاعتقال التي أصدرتها إلى وجود أسباب معقولة تدفع الى الاعتقاد أن " نتنياهو" و " غالنت" يعتبران مسؤولين جنائيا، بصفتهما سلطة رئاسية عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتحميلهما بالتالي المسؤولية المباشرة والفردية في ارتكاب هذه الجرائم. مضيفة أنهما بالرغم من توفرهما على وسائل منع حصول هذه الجرائم أو زجر مرتكبيها أو إحالة هذه الأفعال على انظار السلطات المختصة، فإنهما لم يفعلا شيئا من ذلك.
ثانيا- آثار وتبعات مذكرات القبض على الوزير الأول لإسرائيل والوزير السابق في الدفاع
أخذا بالاعتبار أن إسرائيل ليست دولة طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فبديهي أن مذكرات الاعتقال التي أصدرتها الغرفة التمهيدية في حق وزيرها الأول ووزيرها السابق في الدفاع الن ترتب آثارا ملموسة وفورية عليهما طالما يظلان في إسرائيل.
بيد أن التأثير الرئيسي لهذه المذكرات، يكمن مبدئيا في منع هذين المسؤولين من التنقل الى احدى الدول التي صادقت أو انضمت الى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (124 دولة)، ذلك أن جميع الدول الأطراف في هذا النظام ملزمة باحترام قرارات المحكمة، لا سيما تنفيذ مذكرات اعتقال الأشخاص المتابعين وتسليمهم الى المحكمة، وفقا للمادة 59 ولأحكام الباب التاسع من نظام روما الأساسي المتعلقة بتعاون الدول الأطراف مع المحكمة الجنائية الدولية.
وهكذا، إن السلطات المختصة لأية دولة طرف سوف تكون ملزمة بموجب النظام الأساسي للمحكمة وبمقتضى موافقتها على اختصاص هذه المحكمة، بإلقاء القبض على "نتنياهو " و " غالنت" في حالة وجودهما في الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية وتسليمهما الى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي من أجل المثول أمام قضاتها مع احترام جميع ضمانات المحاكمة العادلة.
صحيح أن تنفيذ مذكرات الاعتقال ليس أمرا محسوما ولا مؤكدا، مادام متوقفا على شرط اتخاذ السلطات المختصة للدولة لقرار يقضي بإعمال إجراءات الاعتقال في إقليمها. ومن المتوقع أيضا، أن دولا أطراف في النظام الأساسي لن تحترم مذكرات الاعتقال ولن تفي بالتزاماتها تجاه المحكمة، كما حصل سابقا في حالة منغوليا الدولة الطرف في نظام المحكمة، التي استقبلت الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" فوق أراضيها في شتنبر 2024، ورفضت اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية التي كانت قد أصدرت مذكرة اعتقال في حقه منذ 17 مارس 2023.
ورغم الاحتمال القوي لعدم تعاون بعض الدول مع المحكمة الجنائية الدولية، فمما لا شك فيه، أنه سيكون من المحرج للدول الأطراف التي تحترم سيادة القانون، رفض تنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن أول محكمة جنائية دولية دائمة في العالم، أنشئت للتحقيق في مزاعم حصول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم العدوان ومتابعة مرتكبيها، فضلا عن كون هذه الدول صادقت أو انضمت الى الاتفاقية الدولية التأسيسية لهذه المحكمة بمحض إرادتها وبكامل حريتها. كما أن تنصل بعض هذه الدول من التزاماتها الاتفاقية الطوعية، وتنكرها لواجبها في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، سيفضح زيف خطاب هذه الدول حول مناهضة الإفلات من العقاب في مجال العدالة الجنائية الدولية، ويكرس سقوطها في خطيئة ازدواجية المعايير ومقاربتها الانتقائية والتجزيئية لمعايير القانون الدولي والقانون الإنساني تبعا لتحالفاتها ولمصالحها وغير ذلك من الضغوط والاعتبارات المختلفة.
سيكون من الصعب رصد وحصر التفاعلات التي أفرزها على الصعيد الدولي قرار تسليم مذكرات الاعتقال ضد المسؤولين الإسرائيليين، بالنظر إلى الوتيرة المتسارعة لتداعيات هذا القرار، والتباين الواضح في ردود فعل عدد من الدول التي عبرت عن موقفها رسميا من هذه المذكرات.
ويلاحظ عموما، والى غاية كتابة هذا المقال، أن ثمة انقسام بين الدول بشأن مذكرات الاعتقال الصادرة في 21 نونبر 2024، فقد أعلنت بعض الدول عن نيتها في احترام التزاماتها بالتعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية، ومنها إيطاليا وهولندا وإسبانيا وبلجيكا وإيرلاندا والنرويج وكندا والمملكة المتحدة .... بينما يبدو الموقف الفرنسي متذبذبا ومشوبا بالحذر والاحتياط الشديد فأصبح موقفا يلفه الالتباس والغموض. فبعد إعلانها بصيغة دبلوماسية فضفاضة فور صدور مذكرات الاعتقال عن موقفها الداعم للعدالة الدولية، ما لبث وزير خارجيتها أن صرّح من جديد وبشكل يدفع الى التساؤل، بأن نظام روما الأساسي يعترف بالحصانة التي يتمتع بها بعض مسؤولي الدول وبأن فرنسا ستأخذ هذه المسألة بالاعتبار.
وتجدر الإشارة إلى أن الدول الأعضاء في مجموعة السبع أصدرت بيانا في 26 نونبر 2024 تعيد فيه تأكيد التزامها باحترام القانون الدولي الإنساني والوفاء بالتزاماتها ذات الصلة، كما أن رئيس ديبلوماسية الاتحاد الأوروبي أكد أن الاتحاد سوف يحترم وينفذ قرار المحكمة.
بينما لم تتأخر بعض الدول الأخرى في الإعلان عن اعتراضها على قرار المحكمة كما وجهت لها انتقادات قوية ( الأرجنتين ، النمسا ، الولايات المتحدة ، الباراغواي ، جمهورية التشيك ...) ، بل إن الوزير الأول لهنغاريا" فيكتور أوربان " التي تعد طرفا في النظام الأساسي للمحكمة ، أعلن عن عدم تنفيذ سلطات بلاده لمذكرات الاعتقال ، مضيفا في تحد سافر للمحكمة الجنائية الدولية أنه يوجه الدعوة لنتنياهو لزيارة هنغاريا ، مما يعني ان بلاده تمنح للوزير الأول الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق ضمانات بعدم تعرضهم للاعتقال اثناء وجودهم في هنغاريا .
وأما بالنسبة للدول التي ليست أطرافا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن مذكرات الاعتقال التي أصدرتها غرفتها التمهيدية الأولى لا ترتب أي أثر قانوني في مواجهتها. وتنطبق هذه الحالة على الولايات المتحدة التي انتقدت المحكمة بقوة، واعتبرت إصدار مذكرات الاعتقال قرارا " شائنا " ولا يستبعد ان تتخذ تدابير انتقامية ضد المدعي العام للمحكمة وقضاتها، وتشمل هذه الحالة أيضا دولا أخرى مثل الهند والصين وروسيا ... التي لم تنضم الى المحكمة الجنائية الدولية ولا تكتسي قراراتها ومذكرات الاعتقال التي تصدرها أية قيمة قانونية في هذه الدول.
ختاما، وتبديدا للالتباس الذي قد يكتنف الطبيعة القانونية لمذكرات الاعتقال التي أصدرتها الغرفة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، ينبغي التنبيه الى أن هذه الدعوى لا زالت في مرحلتها التمهيدية التي انطلقت بتوجيه الاتهام من طرف المدعي العام، ولا زال الطريق طويلا ومحفوفا بكثير من المصاعب والعوائق قبل الوصول الى طور المحاكمة، التي تستلزم تنفيذ إجراءات اعتقال المتهمين أولا، وتسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية من أجل الشروع في أطوار محاكمتهم حضوريا. ويتعين التنبيه أيضا، إلى أن قرار إصدار مذكرات الاعتقال ضد "نتنياهو " و " غالنت"، وعلى الرغم من أنه يكتسي أهمية سياسية لا جدال فيها، بالنظر لسياق الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة ولبنان وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط بكاملها، فانه يبقى من زاوية أسباب وأسس إصداره وأهدافه وآثاره قرارا ذا طبيعة ودلالة قانونية في جوهره وعمقه.
ومن المؤكد ان هذا القرار الذي وصفه البعض بالتاريخي، لن يرتب آثارا ملموسة وآنية على المسؤولين الإسرائيليين، غير أنه فتح صفحة جديدة في تاريخ العدالة الدولية، فقد مكن المحكمة الجنائية الدولية من استرجاع هيبتها المفقودة، وإثبات مشروعيتها ومصداقيتها واستقلاليتها، كما يعتبر بمثابة إعلان عن نهاية "الاستثناء الإسرائيلي " والحصانة المطلقة التي ظل يتمتع بها مسؤولوها بدعم من حلفائهم.
فهل انتهى زمن الإفلات من العقاب بالنسبة لحلفاء الدول الكبرى أو حتى بالنسبة لقادة هذه الدول أنفسهم؟