بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب لحقبة رئاسية جديدة، تبدو اوروبا كما انها لم تكن مستعدة لهذه الوضعية الجديدة وهذا التحول الجيوسياسي الذي من المتوقع ان يمس العلاقات بين بروكسيل وواشنطن، خاصة ان الروابط مع الولايات المتحدة هي جد قوية، وتجمعهما شراكة تعود الى نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي شراكة اقتصادية قوية تجعل اوروبا اول شريك اقتصادي وتجاري للولايات المتحدة الأميركية وهي شراكة تتجاوز ما هو تجاري الى الجانب الأمني والعسكري. في إطار التحالف الأطلسي، لكن هل يصمد اليوم هذا التحالف امام سياسية إدارة دونالد ترامب التي تعمل بمنطق "أمريكيا أولا" ونهج سياسة انعزالية على المستوى الاقتصادي والتجاري من خلال تهديدها برفع الرسوم الجمركية حتى على حلفائها من الأوربيين الذين يعتبرون أكبر شريك تجاري ويصدرون عدد كبير من منتوجاتهم الفلاحية والصناعية نحو الولايات المتحدة الأميركية. التساؤل اليوم هل يتخلى ساكن البيت الأبيض الجديد على هذه الشراكة وهل سيعيد النظر في الأولويات على حساب العلاقة التاريخية الذي تجمعه بحلفائه الكلاسيكيين. وهل ينسحب أيضا من الالتزامات الأطلسية لواشنطن تجاه الحلفاء الأوربيين؟ هي كلها تساؤلات أصبح يطرحها الاوربيين اليوم بعد عودة دونالد ترامب البيت الأبيض وتسلم مهامه في نهاية شهر يناير من السنة القادمة.
اغلب الاوربيين اليوم خاصة فرنسا، المانيا تتخوفان من حرب تجارية مع الحليف الامريكي التي ستكون نتائجها جد سلبية على الجانبين خاصة الجانب الأوربي الذي يعاني اقتصاده من الهشاشة بسبب اثار الحرب الروسية الأوكرانية وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.
فيما يخص التحالف الأطلسي، ترامب أعلن سوف ينهي الحرب الروسية الأوكرانية في 24 ساعة وسوف يوقف هذا الثقل المالي الضخم الذي تشكله هذه الحرب. ومن المؤكد ان ساكن البيت الأبيض هو من ستكون له الكلمة الأخيرة في وقف هذا النزاع في غياب تصور اوربي موحد سواء حول الحرب او طريقة ايقافها. واتكال الأوربيين على القدرات العسكرية الامريكية.
الكتلة الاوربية اليوم تنتظر كيف ستكون التوجهات الجديدة للإدارة الامريكية برئاسة دونالد ترامب وهي عاجزة امام السياسة الأميركية بل هي منقسمة على ذاتها سياسيا بفعل تباعد وجهات النظر وتباعد المصالح بين بلدان هذه الكتلة، سواء على المستوى الاقتصادي او فيما يخص الاختيارات.
فرنسا والرئيس الفرنسي دع أكثر من مرة الى نهج استراتيجية دفاعية اوربية وهي دعوة لم تتلق الاقبال حتى من الشريك الألماني، الذي فضل اقتناء الأسلحة الأميركية بدل تطوير المشاريع الدفاعية الأوربية خاصة المشتركة بين باريس وبرلين. وفي خطابه بجامعة السوربون (4 /24) طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب شامل حول أوروبا ألقاه في جامعة السوربون، الدول الأوروبية بصياغة استراتيجية دفاعية أوروبية "ذات مصداقية" في مواجهة "الصواريخ الروسية". وحذر ماكرون من المخاطر العسكرية والاقتصادية التي قد تجعل "أوروبا تموت" أو "تتراجع" أمام القوى العظمى الأخرى.
لكن اغلب البلدان الاوربية لم تستمع الى هذا الخطاب الأوربي لرئيس الفرنسي وكل بلد ينهج سياسة خاصة به.
نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية وعودته الى البيت الأبيض تم استقباله بابتهاج كبير من طرف فيكتور اريبان رئيس المجر الذي سوف يكون الحليف او الوسيط بين الاوربيين وإدارة دونالد ترامب، بل ان الإدارة الامريكية الجديدة سوف تشكل دعما للقوى اليمينة الشعبوية بأوروبا التي بدأ يتقوى حضورها السياسي في اغلب بلدان اوروبا وتأخذ بعدا مهما في العديد من البلدان سواء إيطاليا، هولندا او فرنسا او حتى في المانيا نفسها وهو ما يهدد بتغير وجه اوروبا نحو الشعبوية حيث ان العداء للإسلام والهجرة هي محرك هذه الأحزاب التي بدأت توجهها يتصاعد بأوروبا ومن المؤكد ان نجاح دونالد ترامب من سيكون دينامو محرك لها ولتطورها عبر العالم كما حدث بالبرازيل ويحدث بالأرجنتين.