تحاول الطغمة العسكرية المتحكمة في الجزائر، منذ حوالي خمسين سنة، أن ترفع جميع أوراق ابتزازها في وجه المغرب لإرغامه على الاستسلام لمؤامراتها ودسائسها، عبر خلق منازعات ديبلوماسية بينه وبين البوليساريو، فضلا عن محاولاتها المتكررة للجز به في حروب عسكرية، لا غاية من ورائها إلا عرقلة النجاحات التي يراكمها المغرب على المستوى الإقليمي والقاري.
ومن هذه الأوراق التي تستخدمها الجزائر احتجاز آلاف المواطنين المغاربة الذين ينحدرون من الأقاليم الجنوبية، ومنعهم من العودة إلى وطنهم، تحت طائلة: «الموت أو التعذيب لكل من أبدى رفضا للاحتجاز أو مقاومة لعملاء المخابرات الجزائرية من قادة البوليساريو»، بل استعمالهم كرهائن، وأيضا كأدوات للحصول على المساعدات الدولية وجلب المنافع المادية بادعاء أنهم لاجئون فوق أراضيها.
هذا ما أشار إليه الملك محمد السادس، على نحو واضح وصريح، في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء 6) نونبر2024)، إذ استعمل الخطاب الملكي لفظة «رهائن» وأكد أن «هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت، يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق».
لقد اخترعت الجزائر"الشعب الصحراوي اللاجئ" لطمس واقع «المحتجزين الرهائن»، كما اخترعت جماعة البوليساريو ومدتها بالسلاح، ولم تبخل عليها بتسخير كل إمكاناتها المالية والسياسية والديبلوماسية من أجل أن تصنع لها موطء قدم يطل على المحيط الأطلسي، ومن أجل تقسيم المغرب ومنعه من عمقه الإفريقي. ولأنها تدرك أن اختراعاتها العدائية معرّضة للافتضاح، فإنها ترفض رفضا قاطعا إحصاء الرهائن المحتجزين في مخيمات تندوف، وتكتفي بالدعوة إلى اعتماد «الدراسة المشتركة بين وكالات برنامج الأغذية العالمي واليونيسيف والمفوضية السامية الأممية لشؤون اللاجئين» التي قدرت عددهم بـ 173.600. في حين تقدر الأمم المتحدة في أقل من 90 ألفا فقط، إلى حين إحصائهم على نحو دقيق ورسمي.
ولا تكف الجزائر، منذ انطلاق نزاع الصحراء، عن محاولات تضخيم عدد سكان مخيمات تندوف، حيث أشارت وثيقة للخارجية الأمريكية بتاريخ 16 دجنبر 1977، إلى أن «عدد اللاجئين من الصحراء الغربية مبالغ فيه إلى حد كبير من قبل جبهة البوليساريو»، وأضافت أن تعدادا سكانيا إسبانيا أجري عام 1974 أظهر أن عدد الصحراويين الأصليين بلغ 74 ألف نسمة فقط في كامل الصحراء الإسبانية»، فيما كانت الجزائر وجبهة البوليساريو تزعمان «علناً أن عدد اللاجئين من الصحراء الغربية يتجاوز المائة ألف لاجئ»، حسب ذات الوثيقة. وهو رقم خاطئ جملة وتفصيلا، حسب ما أشارت إليه «الرابطة الصحراوية للديمقراطية وحقوق الإنسان» التي أكدت، في تقرير لها، أن «أقل من 20 في المائة من سكان مخيمات تندوف هم من العيون، السمارة وبوجدور، بينما البقية من الطوارق ومواطني الدول المجاورة مثل موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد». وأضافت أن «البوليساريو» ضخم، منذ بداية النزاع، عدد سكان هذه المخيمات قصد إدامة هذا النزاع والحصول على مزيد من المساعدة من الدول المانحة والمنظمات الدولية.
وبعملية حسابية بسيطة، وإذا اعتمدنا الرقم الذي تتبناه الامم المتحدة «90 ألف نسمة»، فإن عدد الرهائن المغاربة المحتجزين في تندوف لا يتجاوز 18 ألف، وقد جرى تعويمهم في الكتلة البشرية التي جمّعتها الجزائر من مواطني الدول «من مالي وموريتانيا والنيجر وغيرها»، وخاصة من دول الساحل، علما أن هؤلاء يواجهون، باستثناء الطبقة المحظوظة وعوائلهم، واقعا مزريا، حيث تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن 90 في المائة من سكان المخيمات بجنوب الجزائر تعاني من انعدام الأمن الغذائي أو تتعرض لسوء التغذية. مضيفة أن طفلا واحدا من كل 10 أطفال هناك يعاني من سوء التغذية الحاد.
لقد دعا الملك محمد السادس الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤوليتها لتوضيح الفرق الكبير ين عالمين: عالم حقيقي وشرعي يمثله المغرب، وعالم متجمد وبعيد عن الواقع وتطوراته؛ والذي لا يمكن أن يمثله، في نظرنا، إلا هؤلاء الذين يحتجزون «الرهائن» لديهم لابتزاز المغرب، في أرضه وحول مواطنيه، والحال أن الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن تضع الجزائر والبوليساريو في قلب المساءلة. ذلك أنها تقوم علنا باحتجاز 18 ألف مواطن مغربي في حيز جغرافي محاط بالأراضي المزروعة بالألغام، وبعناصر الجيش والمخابرات. كما أنها تهددهم بالقتل، وقامت بالفعل بقتل العديد منهم الذي حاولوا الفرار، أو السجن أو التعذيب أو إلحاق الأذى بذويهم، واغتصاب أمهاتهم أو أخواتهم أو بناتهم.وكل ذلك من أجل إكراه طرف ثالث على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به كشرط واضح أو ضمني لإطلاق سراح الرهينة. وهذا الطرف الثالث، في حالتنا هذه، هو المغرب الذي بسط سيادته على الصحراء، وعرف خلال السنوات الأخيرة كيف يقنع المنتظم الدولي بعدالة قضيته، ومصداقية مقترح الحكم الذاتي بوصفه حلا موضوعيا لتسوية نزاع الصحراء.
إن الجزائر التي تعرقل المسار الأممي لتسوية نزاع الصحراء، تقوم بكل شيء من أجل تعطيل أي حل نهائي يقضي بعودة الرهائن إلى وطنهم الأم، بل تستمر في إحراج الأمم المتحدة برفضها لإحصاء المحتجزين الرهائن في مخيمات تندوف، ورفضها السماح بعودتهم إلى الوطن، والتنكيل بكل من عبر منهم عن رغبته في الالتحاق بأهله في العيون أو السمارة أو الداخلة أو بوجدور وغيرها. فهي، أمام عدم تحمل الأمم المتحدة لمسؤوليتها تجاه «الرهائن» لفك الارتباط القسري بجلاديهم، باتت تستعملهم كرهائن وكأصل تجاري لإطالة أمد الصراع حول الصحراء، بل تستغل أطفالهم لتجنيدهم في أي نزاع مسلح ضد وطنهم الأم. والأدلة على ذلك دامغة، وكانت محط تداول على أوسع نطاق في أروقة الأمم المتحدة، وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان، بجنيف. والأدهى من ذلك أن نظام العسكر الجزائري لا يكتفي باحتقار الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات الأممية الخاصة بالرهائن، بل أكثر من ذلك يحصر تنقل المحتجزين في الرقعة التي يسيطر عليها قسم الأمن الداخلي أو المخابرات الخارجية، إذ تؤكد شهادات بعض للعائدين من الاحتجاز، أن السفر إلى أي مدينة جزائرية يخضع لرقابة شديدة، تتطلب من المحتجزين الراغبين في التنقل للتطبيب أو العلاج الحصول على إذن مشترك موقع من طرف قيادة البوليساريو ومخابرات الجزائر، علما بأن تصريح التنقل لا يُمنح لأي كان عدا المحظوظين من أبناء زعماء البوليساريو والدائرين في فلكم، ويتم ذلك وفق شروط تحددها إدارة الجيش الجزائري التي تعتبر السلطة الفعلية بالمخيمات. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فبالإضافة إلى المناطق المزروعة بالألغام، والمناطق المحروسة من قبل الدوريات العسكرية، يقيم الجيش الجزاىري نقاط تفتيش على الطريق الخاص الذي يسلكه المسافرون الصحراويون في اتجاه المدن الجزائرية.
ٱن كل شروط «الرهائن» تنطبق على المحتجزين في تندوف. وهذا ما يتطلب تدخلا صارما من طرف الأمم المتحدة التي «تنظر، وتكتفي بالنظر!»، في غياب تام لضبط السرعة مع «الحل المغربي» لتسوية نزاع مفتعل؛ وهو الحل الذي يحظى بدعم 110 دول، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية و إسبانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال، فضلا عن أكثر من 30 دولة إفريقية من بين دول القارة (55 دولة).. وفي غياب تام مع تفعيل الجزاءات التي يفرضها الالتزام بالاتفاقيات الدولية. فالكثير من الرهائن، حسب العديد من التقارير الدولية، يفرض عليهم القيام بأعمال قسرية، كما يتعرضون لسوء المعاملة والتعذيب في مخافر الشرطة بتندوف من طرف عصابة البوليساريو التي يحظى زعماؤها وجلادوها بنوع من «الحصانة غير القابلة للسقوط». بل إن بعضهم يتعرض للقتل أو الاغتصاب أو الاختفاء القسري، ولا مجال لملاحقة المسؤولين عن ذلك أو على الأقل النظر في تظلمات الرهائن ضدهم.
ليس هذا فحسب، فالغالبية الساحقة من الرهائن تعاني من سوء التغذية وضعف الرعاية الصحية والتطبيب، بالإضافة إلى حرمانها من الحصول على أوراق الإقامة والهوية وتمنع عليهم حُرية العودة إلى بلدهم المغرب. كما تشير مجموعة من التقارير ، من بينها تقرير اللجنة الأمريكية لشؤون اللاجئين والمهاجرين، إلى جرائم الاستغلال والعنف الجنسي والتعذيب والتجارة في الأطفال ونهب المساعدات الإنسانية التي ترسلها المجموعة الدولية للمحتجزين الرهائن في المخيمات .
وتمتد الممارسات اللاإنسانية للطغمة العسكرية الجزائرية في حق الرهائن المغاربة، إلى الاعتداء الجنسي على النساء والفتيات، إذ ترغم الفتيات على الرضوخ للرغبات الجنسية لمسؤولي البوليساريو مقابل تلبيتهم احتياجاتهن الأساسية. وليس أدل على ذلك من متابعة ابراهيم غالي في إسبانيا بتهمة التعذيب والاغتصاب. وما زعيم البوليساريو إلا نموذج مصغر لحالات الإفلات من العقاب التي توفرها الجزائر لخدامها الأوفياء!
لقد حان الوقت بالفعل لتخرج الأمم المتحدة من موقف الحياد في هذا الملف الساخن، خاصة أن المغرب لن يظل «صبورا» أبد الدهر، وليس قدرا أن يترك 18 ألف مغربي «يموتون» ببطء في «محاجز الجزائر». فهؤلاء مواطنون مغاربة، ومن حق المغرب أن يسترجع مواطنيه، وأن يعمل كل ما بوسعه من أجل افتكاكهم من الرهن، ولو كان الثمن هو أن يدافع عن أبنائه بالوسائل العسكرية.. وهذا ما تريده الجزائر، فهل أخذت الأمم المتحدة إحاطة بذلك؟!!!
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"