بقلم: الدكتور انور الشرقاوي بتعاون مع الدكتور بونهير بومهدي، طبيب أشعة
نحن أمام حالة لمريض يبدو في صحة جيدة.
لا تعب، لا سعال، ولا فقدان وزن.
لكن سلسلة من الصداع المستمر، غير المعتاد، كشفت عن مأساة طبية تتجاوز التصور.
البداية البسيطة والخاتمة المروعة
بدأت القصة بشكوى من صداع استمر رغم استخدام المسكنات العادية، ما دفع المريض، وهو في الخمسينيات من عمره، إلى زيارة طبيب عام.
بفضل فطنته الطبية، قرر الطبيب طلب تصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ.
النتيجة: ورم في الدماغ. ولكن القصة لم تنتهِ هنا.
دور طبيب الأشعة وحسه التحليلي
أثناء دراسة الصور، شعر طبيب الأشعة بشيء غير اعتيادي، وقرر إجراء تصوير إضافي لاستكشاف الصدر.
النتائج كانت صادمة: وجود ورم آخر في الرئة.
ربط التحليل المرضي بين الورمين، وأكد أن الورم الدماغي ليس سوى نقيلة metastase ، قادمة من سرطان الرئة الأساسي.
الجاني: السيجارة
العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة مثبتة علمياً منذ عقود.
فالمريض، مدخن شره لسنوات طويلة، كان هدفاً سهلاً لهذا السم الخفي.
التدخين مسؤول عن أكثر من 85% من حالات سرطان الرئة، وهو مرض يتطور في صمت، حتى يصل إلى مرحلة الانتشار.
العدو الذي لا يصدر صوتاً
ما يميّز سرطان الرئة هو عدم ظهور أعراض ملحوظة في مراحله المبكرة.
وعادة ما يتم اكتشافه عند ظهور النقائل metasases ، كما في حالة هذا المريض، حيث كانت نوبات الصداع هي الصرخة الأخيرة لجسد يستغيث.
رسالة تحذير للمجتمع
السيجارة ليست مجرد عادة سيئة؛ إنها أداة تدمير تقتل ببطء.
كل سيجارة تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان، سواء أكان مرئياً أو مخفياً، أولياً أو منتشراً.
هذا المثال الطبي يجب أن يكون جرس إنذار لنا جميعاً:
للمدخنين الذين يجب أن يدركوا أن كل نفَس من السيجارة يقربهم من الموت.
للمجتمع الطبي لتكثيف الجهود في التوعية والكشف المبكر.
أمل رغم الظلام
لحسن الحظ، حظي المريض بعناية طبية دقيقة من فريق متكامل، بدءاً بالطبيب العام، مروراً بطبيب الأشعة، ووصولاً إلى أخصائي التشريح المرضي.
رغم صعوبة التشخيص، فإن الكشف المبكر نسبيًا يمنحه فرصة لمحاربة المرض.
لكن الوقاية الحقيقية تكمن في الإقلاع عن التدخين.
كل سيجارة لا تُشعل هي خطوة نحو النجاة.
الإقلاع عن التدخين ليس مجرد خيار، بل هو قرار ينقذ الأرواح.
وراء كل ورم ونقيلة، هناك حياة مُدمَّرة، وعائلة حزينة، ومأساة يمكن تفاديها.