أكثر من نصف قرن من الزمن، ونحن نعاني من حقد وخبث ودناءة جيراننا الشرقيين، الذين كنا دائماً نخجل من ضمّهم كشعب شقيق إلى نظامهم المصاب بكل الآفات العقلية والنفسية، معتبرين الشعب الجزائري "خاوة خاوة" بكل معنى الكلمة، قبل أن نُصدَم في هؤلاء بالجملة، وقبل أن نكتشف أن نظامهم المنحوس استطاع أن يربّي على نفس حقده وضغينته أكثر من ثلاثة أجيال مارس عليها ساديته فحوّلها إلى جماعات مسطولة، بعضها غائب عن واقعه بالتمام والكمال، وبعضها الثاني يتحين الفرص للفرار إلى أوطان الآخرين على متن قوارب الموت المُحَقَّق، وبعض ثالث منها ألبسوه زياً عسكرياً أكبر من مقاسه ووضعوا السلاح الثقيل في يده وأوقفوه في مواجهتنا وأصابعه على الزناد، استعداداً لحرب لا يعرف لها مبرِّراً غير ما زرعوه في لاوعيه من شعارات "نصرة الشعب الصحراوي المستضعف"، حتى وهو يرى بأم عينيه قيادات ذلك "الشعب الصحراوي" تمارِس كل أشكال البذخ والسفه وأنواعه، بدءاً بنهب مقدّرات الجزائريين أنفسهم، ومروراً بالدفع بأبناء البلد إلى الانتظام اليومي في طوابير المهانة، رغم ثراء البلد وتوفّره على كل خيرات الدنيا، من غاز ونفط ومعادن وخيرات أخرى طبيعية وجوفية، وانتهاءً بالانخراط في تجارات مربحة تجعل من قياديي الشعب الصحراوي المفترى عليه تجّارَ حربٍ يُراكمون الثروات على مدار السنين ويركنونها في حساباتهم الثخينة خارج الجزائر، وخارج القارة، في انتظار أن تكتمل أعراسُهم بترسيم حصولهم، ذات يوم مقبل، على تراب تيندوف وما جاورها وفق تنازل مجاني سيضطر إليه عجزة الموراديا مخافةَ أن ينقلب السحر على الساحر، وأن يبدأ القياديون الصحراويون ذواتُهم في المطالبة بحقهم المشروع في التراب الجزائري برمته، وهو حق يُشرعِنُه ويَبرّرُه طولُ الأمد، وطول الأمد يتحول في مثل هذه الحالات إلى أمر واقع سيكون من المستحيل بعد ذلك تغييرُه أو إلغاؤه!!
كل هذا الهوس عانينا منه أكثر من ستّين سنة، قبل أن تأتينا الآن المفاجأةُ من "جار الجار"، الذي بدأ في أول الأمر يُكيل لنا نفس الاتهامات المجانية في مجال كرة القدم، وبدأ هو الآخر يتحدث في مراحيضه الإعلامية عن "فوزي لقجع"، فيصفه بالمتآمِر، وبالمُكَوْلِس، وهاهم الآن يصفونه بصراحة مذهلة بالإرشاء... والحديث هنا عن الجمهورية التونسية، ليست التي نعرفها منذ كانت تونسُ "تونسَ بالفعل"، وإنما الحديث هنا "تونس قيس سعيّد"، الذي باع نفسَه، وباع تجربةَ وطنِه وحتى تاريخَ الوطن لسُكارى الموراديا، مُقابل قروش يسد بها حاجتَه الملحّةَ إلى البقاء فوق مقعد لا يستحقه بكل المعايير!!
وكما جاء في المثل الشهير: "قالّو: ماقدّو الفيل، قالّو: زيدوه الفيلة".. وهذه بالذات حالتنا الراهنة مع جار "الفيل" الذي لم يجد أدنى حرج في تقمّص دور "الفِيلَة"!!
السؤال الذي يطرح نفسه الآن بكل بداهة: ما هو الدور الذي يريد الرئيس التونسي أن تلعبه دولته ونظامه بعد أن افتضح أمرُه قبل نحو سنتين بتفريشه للبساط الأحمر أثناء استقباله المشهود لزعيم البوليساريو "إبراهيم الرخيص"؟!
كيف يتصور قيس سعيّد موقفه وهو يمسك بمنشفة ورقية يمسح بها "خنونة" ولي نعمته السي عبد المجيد، الذي جعل من تونس إيالة جزائرية بامتياز؟!
مناسبة هذا الحديث عن تونس مقرونة بجيراننا الشرقيين الذين أكل الدهر وشرب على حقدهم الدفين تجاهنا، تتمثل فيما صدر من تصريحات غريبة ومُخزية، وفي الوقت ذاته مُضحكة مُبكية، عن مدرب الفريق التونسي لكرة القدم للشبان، قيس اليعقوبي، الذي وصف المغرب بممارسة الإرشاء تجاه شبانه الممارسين بأوروبا لحملهم على قبول الانضمام للفريق الوطني المغربي، وإغرائهم بمكافآت خيالية حتى لا ينضموا للفرق الوطنية الأوروبية، والأغرب من ذلك، أن هذه التصريحات جاءت نتيجة خسارة فريقه أمام الفريق الغامبي المتواضع، ضمن مجموعة لا يوجد فيها المنتخب المغربي أصلاً، ليفهم المتتبعون من ذلك، وهم مندهشون، إلى أي حد انتقلت عدوى الكراهية والحسد تجاه المغاربة من حكام الجزائر ومسؤوليها إلى جيرانهم التونسيين بلا أدنى مبررات ظاهرة ومعقولة!!
والأكثر غرابة من هذا الموقف العبَثي، أن مدرب الفريق التونسي للشبان اعتبر المغرب، وفوزي لقجع تحديداً، بمثابة المسؤول الفعلي عن هزيمة المنتخب التونسي، فيما يمكن وصفه بالمثل الشعبي الساخر: "طاحت الصمعة؟ علّقوا الحجام"!!
صحيح أن النجاحات المبهرة التي حققتها الفرق المغربية في مختلف الفئات العمرية لدى الذكور والإناث، وعلى مستوى كلٍّ من الأندية والمنتخبات الوطنية، من شأنها أن تثير مشاعر الحسد والغيرة ولكن، بالصورة التي من شأنها أن تشجع على التنافس والتدافع الشريفين، وليس بالشكل الذي يُعَبّر عنه راهناً كل من الإعلامَيْن الجزائري والتونسي، نقلا عن مسؤولي البلدين المغاربيين الشقيقين وأطرهما الرياضية... يا حسرة على معاني ودلالات "الرياضة"، و"قيم الرياضة" و"مبادئ الرياضة" وأخلاقياتها الراقية!!
نهايته... "ما كفانا الفيل الجزائري، فزادونا الفِيلَة التونسية"... فلله الحمد على ظلم "الجار" و"جار الجار"...
والله وحده أعلم بما سيأتي في مستقبل الأيام من "هذين الجارَيْن" إذا جاز التعبير؟!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.