طفت على السّطح قضية إخراج ملف الصّحراء المغربية من اللجنة الرّابعة للأمم المتحدة. ما هو السّياق الذي يطرح فيه الموضوع؟
مشكل الصحراء قائم في الأساس منذ 1963 وإلى اليوم لأن هذا الإقليم وبطلب من المغرب، يوجد ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، المعروضة على اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل البتّ فيها. وقد أدخل المغرب هذا الملف تحت مسمى “ملف تقرير مصير سيدي إفني والصحراء الإسبانية”، من أجل تحرير هذه الأقاليم المغربية من الاحتلال الإسباني وعودتها إلى السيادة المغربية بالطرق القانونية.
لذلك فإنّ إخراج الملف من هذه اللجنة الرابعة يعني بشكل أوتوماتيكي إغلاق الملف في مجلس الأمن الدولي وطيه بشكل نهائي لا رجعة فيه في كل أجهزة الأمم المتحدة، وبمعنى آخر اعتراف الأمم المتحدة أو ما يسمى الشرعية الدولية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
اللّجنة الرّابعة لما تناقش، تناقش قضايا ترتبط بتصفية الاستعمار. هل في ذلك تعارض مع مجلس الأمن؟
من الناحية الشكلية نعم، يمكن أن نقول بوجود تعارض، لأن الفصل الثاني عشر من ميثاق الأمم المتحدة يؤكد على أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكل الأجهزة التي تندرج تحتها بما في ذلك اللجنة الرابعة، يجب ان تمتنع عن التداول أو تقديم توصيات في أي نزاع عندما يكون معروضاً على مجلس الأمن. وقد سبق لي منذ بضع سنوات أن نبهت إلى هذا الأمر في مقال منشور يمكن للقراء الرجوع إليه، وذاك سنوات قبل أن يتطرق له المندوب الدائم للمملكة في الأمم المتحدة. ولكن في الممارسة والواقع، أو ما يمكن أن نسميه عرفاً قانونياً الجمعية العامة تواصل مناقشة كل القضايا والنزاعات عبر العالم وتصدر فيها توصيات ومواقف دون إعارة أي اهتمام لكونها معروضة على أنظار مجلس الأمن. وهذا نقاش قانوني فقهي ونفاش سياسي واسع لا يمكن الإحاطة به في هذه العجالة. ولكن ما ينبغي ان نقوله لتحرير مناط الإشكال هو أنّ الجمعية العامة تعبر عن إرادة كل الدول المنتمية لمنظمة الأمم المتحدة، بينما مجلس الأمن تتحكم فيه إرادة الدول الخمس دائمة العضوية والتي تتوفر على ما يسمى “حق” النقض أو الفيتو، وهو في الواقع امتياز وليس بحق. وهما لبّ الإشكال القائم بين دُعاة دمقرطة الأمم المتحدة وهم الغالبية العظمى للدول، وبين المتمسكين بالاستفراد بالقرارات الاستراتيجية حفاظاً على مصالح الدول الكبرى.
اللّجنة الرّابعة معروض عليها قضايا تصفية الاستعمار. لماذا كلّ هذا المجهر على قضية الصّحراء المغربية في هذه اللجنة؟
إذا رجعت إلى قائمة الأقاليم “غير المتمتعة بالحكم الذاتي” والمعروضة على اللجنة الرابعة، ستجدون أنها حوالي 17إقليما عبر العالم، منها أقاليم تحت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا، وهي كما ترون ثلاث دول تملك حق “الفيتو“ في مجلس الأمن، وهذا ما يتقاطع مع ما أشرت إليه في السؤال السابق من أنّ الدول العظمى تهيمن على القرار الدولي وعلى ما يسمى الشرعية الدولية.
وهذه الدول تسارع وترحب بالقانون الدولي عندما يخدم مصالحها كما هو الحال مثلاً عندما تطالب المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على رؤساء دول مثل السودان او العراق أو حتى صربيا، بينما ترفض الولايات المتحدة مثلاً، التوقيع على اتفاقية الانضمام إلى “المحكمة الجنائية الدولية“، وترفض محاكمة الأمريكيين أمامها، بل إنّ الكونغرس الأمريكي صوتت على قانون بمعاقبة قضاة المحكمة الجنائية الدولية مؤخراً. وهذه الازدواجية تلخص ماهية “الشرعية الدولية“..
الصّحراء المغربية امتداد ترابيّ للمغرب، في حين أن القضايا الأخرى التي تتناولها اللّجنة الرّابعة وتعرض عليها تبعد عن هذه الدول بآلاف الكيلومترات؟
قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي تضم 17 إقليماً عبر العالم، وأغلبها تحت حكم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومنها جزر ومناطق تقع في أطراف الكرة الأرضية مثل “كاليدونيا الجديدة“ أو جزر “البولينيزيا“ الخاضعة لفرنسا رغم أنها تبعد عنها آلاف الكلومترات، وهي تقع في آخر الدنيا على المحيط الهادي. كما نجد في تلك القائمة جزر “مالاوين“ أو “الفوكلاند“ التي تحتلها بريطانيا على سواحل الأرجنتين التي تطالب باسترجاعها، بل شنت حربا في الثمانينيات لتحريرها. وهذان المثالان لوحدهما يؤكدان ما أشرت إليه من وجود مسافة تقاس بآلاف الكلومترات بين تلك الأقاليم وهو دليل على أنها ليست جزءً من بريطانيا وفرنسا، بينما الصحراء المغربية هي امتداد جغرافي طبيعي للمغرب، يعززه امتداد بشري واحد للنسيج الاجتماعي المغربي المتشكل من نفس القبائل الموجودة في تلك الأقاليم الجنوبية وبين فروعها أو أصولها في أقاليم مغربية أخرى سواء في كلميم وطرفاية وآسا الزاك وطان طان، أو حتى في أقاليم بعيدة في الشمال مثل سيدي قاسم وبن جرير وفاس مكناس وغيرها. وهو ما ينسف المشروع الانفصالي المبني على أطروحة شعب آخر في تلك الأقاليم غير الشعب المغربي.
منذ عام 1963 لمّا أدرج المغرب قضية “الصحراء المغربية” في اللجنة الرابعة كان هدفه تصفية جيوب سيدي إفني والصحراء من الاستعمار، وهو من بادر إلى ذلك هل المغرب كان على خطأ في 1963؟
المغرب قدم طلباً لدى الأمم المتحدة لاسترجاع الصحراء وسيدي إفني من إسبانيا سنة 1960، ولكنه لم يدخل الملف إلى اللجنة الرابعة إلاّ سنة 1963 لتقرير مصير الإقليمين وتصفية الاستعمار الإسباني بهما. ومجرد الجمع في ملف واحد لدى الأمم المتحدة بين إقليمي سيدي إفني، الذي لا ينازع أحد في سيادة المغرب عليه وبين إقليم الصحراء، هو في حدّ ذاته دليل على اعتراف المنتظم الدولي ضمنيا بمغربية الصحراء. وهو ما ذهبت إليه محكمة العدل الدولية في لاهاي التي أقرت في أكتوبر سنة 1975 بوجود روابط البيعة بين قبائل الصحراء وملوك وسلاطين المغرب عبر التاريخ، والبيعة هي الصيغة القانونية التي تعبر عن السيادة في مفهوم القانون الدولي الإسلامي. وسيتكرس هذا الاعتراف حين طالب مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 08.30 إسبانيا بالجلوس والتفاوض مع المغرب في نونبر 1975 حول الصحراء، فلو لم تكن الصحراء مغربية فعلى أي أساس يطلب مجلس الأمن من إسبانيا التفاوض مع المغرب؟“.
ولكنّ الخطأ السياسي والدبلوماسي والاستراتيجي وليس التكتيكي فقط، الذي ارتكبه المغرب في هذه القضية هو قبوله تجزئة الملف من خلال قبول تحرير سيدي إفني عام 1969 وعدم مطالبته باسترجاع كل الصحراء مع سيدي إفني دفعة واحدة. كان هذا فخاً محكماً نصبته إسبانيا التي كانت تخطط لخلق دويلة في الصحراء لقصّ أجنحة المغرب وتقزيمه، فوقعت الدبلوماسية المغربية في الفخّ ظناُ منها أنه كما تم تحرير طانطان وطرفاية عام 1958 قبل سيدي إفني والساقية الحمراء ووادي الذهب فسيتم تحرير الإقليمين الأخيرين بعد مدة وفقاً لنفس المنهجية. ولكن السياسية والعلاقات الدولية ليست مبنية على حسن الظن والنوايا الحسنة، وكما يقال “طريق الجحيم مفروشة بالنوايا الحسنة“.. وهذا ما حصل بالفعل.