أريري: حي مولاي رشيد.. «إمارة الإجرام» في المغرب!

أريري: حي مولاي رشيد.. «إمارة الإجرام» في المغرب! عبد الرحيم أريري
في هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا النص، هناك جريمة تقع الآن في حي مولاي رشيد بالدارالبيضاء، هذا الحي أضحى بمثابة «إمارة الإجرام» بالعاصمة الاقتصادية. إذ في كل يوم تحدث حوالي 33 جريمة بهذه «الإمارة» المشطب عليها من رادار الدولة، منذ أن تقرر ترحيل حوالي 80 ألف من سكان كاريان بنمسيك إلى حي مولاي رشيد في ثمانينات القرن الماضي دون مواكبة أو تدخلات عمومية لتهذيب الفضاء العام بالحي.
 
فحسب الإحصائيات، يشهد حي مولاي رشيد كل عام، حوالي 12 ألف جريمة (سرقة، اعتداء بالسلاح الأبيض، عنف ضد الأفراد، النشل، إلخ…)، بما يفيد أن هذا الحي يسجل 1,3 جريمة كل ساعة، أي 0,6% من الجرائم بالمغرب، على اعتبار أنه تسجل بكافة التراب الوطني 116.435 جريمة في الشهر (انظر تدخل وزير الداخلية في مجلس النواب في نونبر 2021 أثناء مناقشة الميزانية الفرعية للوزارة). وهو ما يعني أن نسبة الجريمة في حي مولاي رشيد تمثل 115 مرة ما يقع بباقي مدن المملكة.
 
دليل آخر على خطورة الوضع بهذا الحي المهمش، أن نداءات النجدة التي تتوصل بها مصالح الشرطة بالدارالبيضاء، معظمها تأتي من حي مولاي رشيد (انظر الأحداث المغربية بتاريخ 30 أبريل 2022).
 
الصدمة تزداد حين نستحضر أن سكان المجموعات الست في حي مولاي رشيد مع المجموعات السكنية بالمسيرة، لا يتجاوز عددهم 200 ألف نسمة (سكان عمالة سيدي عثمان ككل يصل إلى 457.000 نسمة)، أي أن هناك جريمة تقع لكل 16 مواطن، في حين تصل النسبة في الأحياء الشعبية الأخرى بالبيضاء إلى جريمة لكل 71 و80 مواطن حسب نوعية الأحياء الشعبية. بمعنى أن معدل الجريمة في مولاي رشيد يفوق المعدلات بباقي أحياء الدارالبيضاء بخمس مرات.
 
أما إذا اعتمدنا معيار المساحة، فنجد أن هناك 2,8 جريمة ترتكب في الكيلومتر المربع الواحد (مساحة عمالة مولاي رشيد تصل إلى 18,7 كلم مربع).
 
الدليل على فداحة الوضع أن استرجاع أرقام المعفى عنهم من السجون، يبرز أن عددا كبيرا منهم ينحدر من أحد المجموعات السكنية بمولاي رشيد. وحسبنا هنا الاستشهاد بعملية العفو الكبرى التي عرفها المغرب في مطلع الألفية الحالية التي شملت العفو عن 9000 سجين بالمغرب، كان منهم 240 سجينا من مولاي رشيد (أي 2,6% من المجموع العام!).
 
ومما زاد من المصاعب بحي مولاي رشيد ليس فقط أن الحكومة والجهة والجماعة وعمالة الدارالبيضاء شطبت عليه من الرادار، بل قامت السلطة العمومية بتحويل مولاي رشيد إلى «فاتيكان وسط الدارالبيضاء منفلت من رقابة الدولة»، وقامت بزرع مرافق خدماتية بهذه المنطقة لا تجلب سوى سلالة معينة من الزوار غير المندمجين في «السيستيم» (Système) من قبيل: سوق الجملة للخضر، سوق الجملة للأسماك، سوق الدواجن، الباطوار، البوعارة إلخ… وهذه أسواق ومرافق يلجها كل من هب ودب وليس فيها أي Tracabilité، وبالتالي فالزائرون الزاحفون نحو منطقة مولاي رشيد تغريهم هذه المرافق لكونها تتميز برواج كبير للأموال و«للكاش» CASH، وهو ما يفتح شهية السلوكات الإجرامية والعنف والاعتداءات.
 
ومما رفع من منسوب الإجرام، أن مولاي رشيد «المزروع قسرا في خاصرة طريق السبيت»، سيعاني من عملية «زرع قسرية أخرى» بجواره، تتجلى في استنبات حي الهراويين العشوائي المثقل بدوره بالأعطاب والاختلالات، مما شكل البيئة الملائمة لكل أشكال الإجرام والتطرف. وهي البيئة التي تعفنت بعد فشل المشروع المقدم للملك عام 2011 بشأن إعادة تأهيل الهراويين. إذ كان مؤملا أن يتم استغلال مشروع إعادة التأهيل لضخ دم جديد في المنطقة، واستقدام بروفيلات أخرى من الطبقات الاجتماعية وأنشطة اقتصادية لترويض المنطقة وتطويعها عبر تذويب السكان في محيط عام مهذب. لكن للأسف تبخر المشروع، بدليل أنه كان لزاما إغلاق الملف عام 2018، وها نحن في عام 2024 ولم يتم إنجاز «ولو ضربة واحدة بالفاس في الأرض»!
 
وحتى بعد اعتماد الدولة لعدة تقطيعات ترابية بالدارالبيضاء لاحتواء الوضع (خاصة بعد انتفاضة يونيو 1981)، فإن التهميش ظل السمة التي تميز منطقة مولاي رشيد.
 
هذا التهميش للمنطقة اتخذ ثلاث صيغ: إما صيغة ترتبط بشخص المسؤول الترابي المعين على رأس العمالة الذي يكون فظا مع السكان ويحتقرهم ولا يتحرك إلا بفيالق من أصحاب «الكراطي والجيدو» لحمايته (نموذج العامل العلمي الذي كان مسؤولا عن كافة تراب عمالة بنمسيك قبل التقسيم الإداري)، وإما صيغة تبذير المال العام في مرافق لا ترتبط بحاجيات المواطنين (مثلا بناء مقر فرعوني للعمالة الذي بني بحوالي 50 مليار سنتيم آنذاك)، وإما صيغة ترتبط باقتباس نموذج «ابن عرفة في الحكم»، أي إحداث عمالات مقاطعات على رأسها عمال بدون سلط وبدون صلاحيات، مثل «ابن عرفة». لدرجة أن عامل عمالة مقاطعة معينة لما يريد الحصول على «طراكس» لجمع الأزبال من ساحة عمومية «يزاوك» و«يلحس الكابة» لمنعش عقاري ليمنحه الآليات! على اعتبار أن الدارالبيضاء لا يوجد فيها سوى عامل واحد حقيقي (وهو العامل الوالي)، بينما عمال المقاطعات هم مجرد بدعة مؤسساتية بدون مردود على تجويد عيش السكان.
 
فهل ستصحو السلطة العمومية لتنصف حي مولاي رشيد لرد الاعتبار إليه، وتتبنى مخططا لجبر الضرر عن عقود من «الحكرة» و«الإهمال»؟ أم ستبقى تتعامل مع مولاي رشيد كمضخة لتهريب الثروة من المنطقة الصناعية الموجودة بترابه (تنتج المنطقة الصناعية لمولاي رشيد حوالي 4% من الناتج الداخلي الخام للمغرب!) لتسمين أحياء الميسورين والمناطق التي يقطن فيها أصحاب النفوذ؟
 
ذاك ما سنرى في القادم من الأيام.