ادريس الفينة: المرأة بين إرث الماضي وتحديات الحاضر.. رحلة البحث عن التوازن في مجتمع متغير

ادريس الفينة: المرأة بين إرث الماضي وتحديات الحاضر.. رحلة البحث عن التوازن في مجتمع متغير ادريس الفينة
شهد دور المرأة في المجتمع تغيرات جوهرية على مدى العقود الماضية، حيث انتقلت من أدوارها التقليدية كراعية للأسرة وربة منزل إلى مساهم رئيسي في سوق العمل والسياسة والمجتمع المدني. هذه التحولات تعكس تعقيدات الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الحديثة. ورغم هذا التطور، يبقى السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت هذه التغيرات قد أفادت المرأة حقًا أم أنها حملت معها تحديات جديدة تحت ستار التقدم.
 
في الماضي، كانت المرأة تلعب دورًا مركزيًا في الحفاظ على التماسك الاجتماعي من خلال رعاية الأسرة والأطفال وضمان استمرارية التقاليد الثقافية. على الرغم من أن هذه الأدوار غالبًا ما تم التقليل من قيمتها الاقتصادية، إلا أنها كانت أساسًا لاستقرار المجتمعات واستمراريتها. ومع ذلك، فإن الإطار التقليدي الذي حُددت فيه هذه الأدوار كان يحد من فرص المرأة للنمو الشخصي والاستقلالية الاقتصادية والمشاركة السياسية، مما جعلها حبيسة لتوقعات اجتماعية صارمة.
 
مع ظهور العولمة والثورات الصناعية وصعود الاقتصادات الحديثة، تغيّرت أدوار المرأة بشكل كبير. اليوم، تُشكل النساء جزءًا كبيرًا من القوى العاملة العالمية، حيث بلغت نسبة مشاركتهن حوالي 47% في عام 2023 و فقط 18,4% في العالم العربي وفقًا لبيانات البنك الدولي. كما شهدت المرأة تقدمًا ملحوظًا في السياسة، ففي رواندا على سبيل المثال، تشغل النساء أكثر من 61% من مقاعد البرلمان ، وهي أعلى نسبة على مستوى العالم في المغرب النسبة هي 24,2%. ومع ذلك، فإن هذه المكاسب لم تأتِ دون تحديات، إذ تُواجه النساء اليوم عبئًا مزدوجًا يتمثل في الموازنة بين الوظائف المهنية والمسؤوليات التقليدية داخل المنزل. إلى جانب ذلك، لا تزال فجوة الأجور قائمة، حيث تكسب النساء أقل من نظرائهن الرجال، كما تُعاني الكثير من النساء من استغلالهن في وظائف منخفضة الأجر تفتقر إلى فرص التطور المهني.
 
رغم التقدم المحرز، يبقى التساؤل عما إذا كانت الأدوار الحديثة قد حسّنت فعلاً حياة المرأة أم لا. فمن جهة، منحت هذه الأدوار المرأة استقلالية مالية وفرصًا لتحقيق الذات، ولكن من جهة أخرى، تأثر البناء الأسري في بعض الحالات، مما قد يحمل آثارًا سلبية طويلة الأمد على تنشئة الأطفال والعلاقات الأسرية. تشير الدراسات إلى أن النساء العاملات يواجهن تحديات نفسية أكبر مقارنة بغيرهن، خاصة في المجتمعات التي تفتقر إلى نظم دعم فعالة مثل الإجازات المدفوعة لرعاية الأسرة أو خدمات حضانة بأسعار معقولة.
 
النظر إلى تطور دور المرأة لا يجب أن ينحصر في مقارنة بين الماضي والحاضر، بل يجب أن يرتكز على رؤية مستقبلية. لضمان تقدم حقيقي ومستدام، من الضروري توفير أنظمة دعم متكاملة تشمل سياسات عمل مرنة وإجازات مدفوعة، إضافة إلى الاستثمار في تعليم الفتيات وتغيير العقليات الثقافية التي تحصر قيمة المرأة في أدوار محددة. كما يتوجب إصلاح أسواق العمل لضمان المساواة في الأجور وخلق بيئات عمل شاملة.
 
إن تطور دور المرأة في المجتمع الحديث ليس مجرد سرد لتغيرات تاريخية، بل هو قضية عالمية تستدعي تحليلاً عميقًا وإجراءات ملموسة. المرأة ليست فقط مساهمة اقتصادية، بل هي العمود الفقري للأسرة والمجتمع، وأي تقدم حقيقي يجب أن يعترف بقيمة دورها المتنوع في جميع المجالات لضمان بناء مجتمع عالمي أكثر شمولاً وإنصافًا.