ينتظر أنصار السلام ان يفي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بوعوده الانتخابية ويوقف الحروب الجارية سواء في فلسطين أو جنوب لبنان، أو تلك الدائرة رحاها بين روسيا واوكرانيا، ويدخل بالتالي إلى التاريخ من بابه الواسع، كيف ذلك؟.
إن ترامب بعد انتخابه مجددا، لم تعد له اليوم من رهانات كبرى سوى خدمة بلاده وفق شعار "أمريكا اولا"، واتخاذ قرارات وازنة، ومعالجة ملفات حساسة، يساهم من خلالها في تدوين إسمه بحروف من ذهب في سجل التاريخ، لاسيما وأن أسلافه من الديمقراطيين لم يتفوقوا في ذلك.
فالمؤكد ان إسرائيل مدعوة لإيجاد مخرج سريع لمجازرها اللإنسانية في غزة وجنوب لبنان وتهديداتها لإيران، لأن الدعم الأمريكي لإسرائيل وصل إلى حدوده بعد انتصار لغة السلام، وهزيمة الديمقراطيين بسبب تأثير عامل الحرب في الأراضي الفلسطينية، ثم تقارير مراكز الدراسات والتفكير في الولايات المتحدة الأمريكية التي مافتئت تشير إلى التأثيرات السلبية لهذه الحروب على الأمن والسلم العالميين وعلى صورة الأمريكيين.
صحيح أن الرئيس ترامب معروف بتأييده لتل أبيب، بل إنه زايد في دعمه المطلق لها على منافسته في الانتخابات الأمريكية، كما أن الأخبار المتداولة في أروقة "البيت الأبيض" توحي بولاء غالبية فريق عمل ترامب لإسرائيل. لكننا نعتقد أن طبيعة شخصيته الصلبة، وجرأته المثيرة في اتخاذ القرارات، وفلسفته الفريدة في إدارة الملفات والقضايا ذات الطبيعة الجيو- إستراتيجية، وموقعه الجديد المتحكم في دواليب القرار داخل "البيت الأبيض"...، كلها عوامل إيجابية مساعدة لإحداث تحول كبير في السياسة الخارجية قد يساهم في إنهاء الحروب وإيقاف المجازر ووضع حد للدمار.
وفي رأينا لن يكتمل دخول الرئيس دونالد ترامب إلى التاريخ بدون إنهاء نزاع الصحراء بالرغم من اختلاف طبيعة الملفات.
لقد كان زعيم الجمهوريين واضحا سنة 2020 في خطوته بشأن قضية الصحراء بعد توقيع المغرب على "إتفاق أبراهام"، والمنطق هو الاستمرار في نفس الخطوة بالضغط على أطراف النزاع لإيجاد تسوية سلمية وعادلة لملف عمر طويلا وسيكمل السنة القادمة نصف قرن.
إن القوى الفاعلة في المشهد الدولي باتت مقتنعة، اليوم، ان معالجة ملف الصحراء لا يمكنها ان تتحقق إلا من خلال حل سياسي وواقعي لن يخرج، بطبيعة الحال، عن حكم ذاتي في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة.
ولعل موقف باريس وقبله مدريد وغير ذلك من العواصم الأوروبية، يؤكد أن رؤية الرباط هي الصائبة، لاسيما وأن كل الخيارات ( الاستفتاء، التقسيم..) قد باءت بالفشل ولم تصمد في ظل التحولات الدولية المتسارعة لصالح المغرب كفاعل وازن في المنطقة، وشريك استراتيجي في محاربة الإرهاب الدولي والحد من تدفقات الهجرة...
كما أن المقاربة التنموية في التعامل مع الملف من خلال ما شهدته الأقاليم الجنوبية لبلادنا من نهضة تنموية حقيقية، ساهمت بدورها في تقوية الموقع المغربي، خصوصا بعد ان نجحت بلادنا في إستثمار هذه الورقة وتسويقها للخارج.
ولعل ما تضمنته برقية التهنئة لعاهل البلاد الملك محمد السادس بشأن إعتراف زعيم أقوى دولة في العالم بمغربية الصحراء، بمناسبة انتخابه مجددا، رسالة قوية مفادها ان المستقبل لن يكون إلا حليفا بجانب المغرب:
“إن هذا الموقف التاريخي، الذي سيظل الشعب المغربي ممتنا لكم به، يمثل حدثا هاما ولحظة حاسمة، ويعكس بحق مدى عمق روابطنا المتميزة والعريقة، ويعد بآفاق أرحب لشراكتنا الإستراتيجية التي ما فتئ نطاقها يزداد اتساعا.”
إن التفاؤل هو عنوان ملف النزاع حول الصحراء، لأن ترامب لديه مساحة كبيرة من الحرية لإيجاد تسوية واقعية بفعل جملة من العوامل يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي ويلتقي فيها المحلي بالدولي، لاستكمال ما بدأه سنة 2020 بعد قراره التاريخي لفائدة مغربية الصحراء، في أفق فتح قنصلية بمدينة الداخلة كمرفق دبلوماسي ذو أهمية استراتيجية على الساحل الأطلسي والصحراء وإنهاء النزاع الاقليمي المفتعل.
كما أن الحديث هذه الأيام عن الجمهوري ماركو روبيو، كأحد الشخصيات الثلاثة التي يمكن أن تتولى حقيبة وزارة الخارجية، والتي سبق وأن وضع الجزائر نصب عينيه بالفعل في عام 2022، حين طلب من إدارة جو بايدن فرص عقوبات على الجارة الشرقية (زبون هام للأسلحة الروسية في العالم) بسبب دعمها لموسكو في حربها ضد أوكرانيا، يعد هو الاخر مؤشرا ايجابيا قد يساهم في تسريع وتيرة التسوية، ووضع حد لمآسي اجتماعية حقيقية، وإحلال الأمن والاستقرار بمنطقة شديدة الحساسية.
إنها مجرد رهانات ستكشف عنها الأيام القادمة، لكنها ليست بالمستحيلة عن رجل برغماتي مثل دونالد ترامب.
مصطفى عنترة/ إعلامي وباحث جامعي