لا جدال في أن هيئة الأمم المتحدة أبانت عن عجزها التام في حل الكثير من الأزمات الدولية عبر العالم. وقد انتهى بها الأمر إلى وضعية من العجز والجمود هي أشبه بالتي انتهت إليها عصبة الأمم قبل حلّها. الأمر الذي جعل المراقبين يفسرون اكتفاء المنظمة الأممية بالتفرج على الأحداث والصراعات، بأنه تمهيد لكتابة “شهادة وفاة” للهيئة. وهذا ما حذا بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة لتجاوز وضعية الجمود التي يوجد عليها. فحين تعلق الأمر بالعراق وسوريا وليبيا، سارعت الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى شرعنة تدميرها أو غزوها بمبررات كاذبة ( أسلحة الدمار الشامل في حالة العراق، صدور قرار مجلس الأمن بتفكيك الأسلحة الكيماوية في سوريا، قرار مجلس الأمن يجيز تنفيذ ضربات جوية ضد ليبيا لمنع النظام الليبي من استخدام الطيران ضد الثوار والمناطق المدنية). لكن حين تعلق الأمر بإنهاء الصراع في ليبيا عجزت المنظمة عن فرض القوانين والقرارات المنبثقة عن مجلس الأمن، بحيث لم يتمكن المبعوثون الستة من حل الأزمة.
أطول نزاع في إفريقيا
يشكل النزاع حول الصحراء المغربية المسترجعة أطول نزاع في إفريقيا؛ إذ عمّر نصف قرن من الزمن دون أن تتخذ الأمم المتحدة قرارا حاسما لإنهائه. وهذا ما نبه إليه، بكل حزم، الخطاب الملكي في الذكرى 49 للمسيرة الخضراء: (لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته). إذ لم يعد مقبولا من الأمم المتحدة موقف المتفرج، في الوقت الذي تدعم فيه 80 في المائة من الدول الأعضاء مبادرة الحكم الذاتي، وتعترف بمغربية الصحراء دولتنا دائمتان في مجلس الأمن وتمتلكان حق النقض (الفيتو)، في الوقت الذي لا تعترف بالبوليساريو أي دولة دائمة العضوية به. يضاف إلى هذا أن المغرب، كما جاء في الخطاب الملكي (تمكن من ترسيخ واقع ملموس، وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية. ويتجلى ذلك من خلال:
أولا: تشبث أبنائنا في الصحراء بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة، القائمة عبر التاريخ، بين سكان الصحراء وملوك المغرب.
ثانيا: النهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية.
ثالثا: الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي).
رغم قوة هذه المعطيات والأدلة، لازالت الأمم المتحدة تماطل في حسم الملف لصالح الشرعية التي يمثلها المغرب. ذلك أن الصراع الحقيقي هو مع الجزائر التي صنعت البوليساريو وتسلحه؛ بينما الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يتخذا قرارا يجبر الجزائر على التفاوض مباشرة مع المغرب.
مدة أممية لطي ملف الصحراء
لقد حقق المغرب مكاسب دبلوماسية هامة، ونجح في إقناع مجلس الأمن والأمم المتحدة بجدية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي. ويجدر التذكير، هنا، بما قاله السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بأن مجلس الأمن “يكرس وللسنة ال17 على التوالي سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي، واصفا إياها بالحل الجاد وذي المصداقية ومعتبرا إياها الأساس الوحيد والأوحد للتفاوض بشأن حل سياسي للنزاع الإقليمي في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية”. إذ لم تعد الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن يتحدثان عن تقرير المصير. وهذه فرصة سانحة للمغرب ليضغط على الأمم المتحدة، خصوصا بعد التأييد الأمريكي والفرنسي لمغربية الصحراء، وفوز دونالد ترامب بالرئاسة، لتحديد مدة زمنية لطي الملف. وأمامها عدة حلول أهمها: أ ـ فرض عقوبات على الجزائر إذا استمرت في رفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ب ـ اصدار قرار من مجلس الأمن يخيّر المحتجزين في مخيمات تندوف بين العودة إلى المغرب أو الاستقرار في الجزائر كمواطنين جزائريين. ج ـ الاعتراف العلني بمغربية الصحراء انسجاما مع توجه غالبية أعضائها (80%). د ـ تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1514 المؤرخ في 14 دجنبر 1960: والذي ينص على أنه "لا يمكن للأراضي المنتزعة من دولة ذات سيادة خلال الفترة الاستعمارية أن يكون لها أي شكل من أشكال إنهاء الاستعمار غير إعادة دمجها في البلد الأصلي الذي انتزعت منه ". فالوثائق التي قدمها المغرب، والتي على أساسها أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وسكان الصحراء، كافية لإثبات أن هذا الجزء الصحراوي اقتطع من الوطن الأصل/ المغرب.
مسؤولية هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن
إن استمرار الأمم المتحدة في وضعية التفرج وعدم الحسم، يفتح المنطقة على المجهول. ذلك أن خطر التهديدات الإرهابية في تصاعد، خصوصا في منطقة الساحل والصحراء التي تنشط فيها عصابات الجريمة المنظمة. وقد سبق للسيد ليوناردو سيماو، الممثل الخاص للأمم المتحدة لمنطقة الساحل وغرب إفريقيا، في غشت 2024، أن حذر من أن الجريمة المنظمة والإرهاب يخلقان معاً تهديداً شاملاً في ربوع منطقة الساحل وغرب إفريقيا. لهذا السبب، ودعما للاستقرار في المنطقة، قرر الرئيس الفرنسي ماكرون، الاعتراف بمغربية الصحراء، حيث قال، في حوار صحفي للقناة الأولى وقناة ميدي1 : “لهذا السبب أردت القول ذلك أيضا بالبرلمان: إنه قرار لا تتخذه فرنسا ضد أي كان، ولكن يجب أن يساعد على اندماج إقليمي أفضل، لتحقيق استقرار أفضل في الصحراء، وبالتالي، في منطقة الساحل”، مضيفا أن “هذه المنطقة برمتها تحتاج إلى الاستقرار والالتزام والجدية والقوة والثقة”. فالمغرب، كما قال مساعد نائب وزير الدولة الأمريكي المكلف بالقوات الجوية والشؤون الدولية، الجنرال ريكي ميلز، في تصريح للصحافة على هامش الدورة السابعة للمعرض الدولي للطيران والفضاء “مراكش إير شو 2024″،" أن المغرب يشكل دعامة حقيقية للأمن والاستقرار في إفريقيا". لهذا، ودعما للسلم والأمن في المنطقة، يتوجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن طي ملف الصحراء بما يكرس السيادة المغربية عليها. وقد كشف جلالة الملك، في خطاب المسيرة، عن أهداف حكام الجزائر من الإبقاء على الصراع حول الصحراء مستمرا، وعلى رأسها: السعي للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي، ثم التغطية على المشاكل الداخلية الكثيرة للجزائر.
إن انسداد الأفق أمام حكام الجزائر وعصابة البوليساريو دفعهم إلى فتح الباب للحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله اللبناني لتزويد المرتزقة بالسلاح والطائرات بدون طيار وتدريبهم على حفر الخنادق وحرب العصابات؛ الأمر الذي يهدد بإشعال الحرب في المنطقة. بل لجأت عصابات البوليساريو، أمام انهيار فلول حزب الله تحت القصف الإسرائيلي العنيف على جنوب لبنان، إلى النظام الكوبي لتزويدها بالمرتزقة بهدف شن هجمات على الجيش المغربي المرابط على الحدود الجنوبية. هذه كلها عوامل من شأنها أن تفجر الأوضاع الأمنية والعسكرية بالمنطقة، وتلقي، بالتالي، بكامل المسؤولية على هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بسبب عجزهما عن فرض الأمر الواقع على حكام الجزائر.