إن قرار مجلس الأمن 2756 حول الصحراء المغربية، وموقف فرنسا الداعم للسيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية، يعدّان تطورين بارزين على الساحة الدولية، ويعكسان تفاعلاً عميقاً مع هذا النزاع المفتعل من حيث أبعاده التاريخية، القانونية، والجيوسياسية. ومن تم، من المهم قراءة هذا الموقف الفرنسي في ضوء هذه الأبعاد الثلاث من خلال إبراز أهميته ليس فقط في سياق العلاقات المغربية الفرنسية، بل أيضاً كجزء من ديناميكيات التوازنات الإقليمية والدولية. لكن قبل ذلك، من المهم في العلاقات الدولية الاقرار بأهمية المدرسة الواقعية في التحليل والتي لا تستند الى العواطف. ففي خضم الصراعات الدولية حقق المغرب مكاسب قوية في بورصة العلاقات الدولية من خلال دوره المتصاعد كلاعب استراتيجي على الساحة العالمية.
على المستوى الدبلوماسي قام المغرب بتعزيز علاقاته مع العديد من الدول، بما في ذلك القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، فرنسا، بريطانيا، الهند والصين. هذه العلاقات ساهمت في تعزيز موقعه كوسيط رئيسي في القضايا الإقليمية والدولية. على المستوى الجيوسياسي، استثمر المغرب في الأمن والاستقرار عن طريق استراتيجياته الأمنية الفعالة، حيث أصبح المغرب مركزًا للأمن الإقليمي والدولي. ومن تم، فدوره في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية عززا من مكانته في عيون المجتمع الدولي. الى جانب دلك، ومن خلال سياسة حكيمة لجلالة الملك محمد السادس، استطاع المغرب ان يجعل القارة الافريقية في قلب الاهتمامات الاستراتتجية من خلال عقيدة جيوسياسية متقدمة ابرزها مبادرتي الدول الساحل الافريقي حول الاطلسي و الدول الافرواطلسية . اما على المستوى الاقتصادي، فالمغرب عمل على تطوير اقتصاده من خلال مشروعات البنية التحتية والابتكار، مما جذب اليه الاستثمارات الأجنبية. هذه التنمية الاقتصادية عززت من موقفه وموقعه في العلاقات الدولية، حيث يُنظر إليه كداعم للنمو والاستقرار الاقتصادي في المنطقة والقارة الافريقية.
الى جانب دلك، التوجهات الاستراتيجية المغربية التي تهم تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والتجارة تجعل منه شريكًا جذابًا في المبادرات الدولية مثل "مبادرة الحزام والطريق" للصين. في هذا الاتجاه، الاعتراف المتزايد بمغربية الصحراء من المنتظم الدولي، بالإضافة إلى انفتاح الدول الاروبية والإفريقية على تطوير علاقات مع المغرب، يعكس تقدير المجتمع الدولي لموقفه الاسترتيجي. في هذا الصدد، يمكن القول إن ارتفاع أسهم المغرب في بورصة العلاقات الدولية يأتي كنتيجة لمزيج من الدبلوماسية الفعالة، والموقع الاستراتيجي، والتوجهات التنموية، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا في مختلف القضايا الدولية والإقليمية.
في هذا الاتجاه، الدعم الفرنسي لمغربية الصحراء ليس وليد اللحظة، بل يعكس علاقة تاريخية متجذرة بين المغرب وفرنسا، خاصة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية المغربية ووحدة ترابها. منذ القرن التاسع عشر، كانت فرنسا تدرك الأهمية الجيوسياسية للمغرب، حيث حرصت على الحفاظ على علاقة متينة مع المملكة. خلال فترة الاستعمار، ورغم أن فرنسا كانت قوة مستعمرة، فإنها احترمت، بشكل كبير، خصوصية الدولة المغربية، التي ظلّت متماسكة من حيث السيادة على أراضيها. ثم لابد من الرجوع إلى التاريخ للوقوف كذلك على الدور الذي لعبه المغاربة في استقرار فرنسا وحماية وحدتها الترابية في الحربين العالميتين الاولى والثانية؛ حيث لقب الرئيس الفرنسي آنذاك شارل دوغول المغفور له محمد الخامس برفيق التحرير على الدور الذي لعبه الجنود المغاربة في استرجاع فرنسا لوحدتها الترابية. وقد شهدت فترة ما بعد الاستقلال تطوراً ملحوظاً في العلاقات بين الرباط وباريس، حيث سعت فرنسا، بعد انتهاء عهد الاستعمار، إلى دعم المغرب في الحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه. وعليه، نجد أن فرنسا لطالما كانت واعية لأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغاربة، وتعتبرها جزءاً لا يتجزأ من وحدة التراب الوطني المغربي. هذا الدعم التاريخي يؤكد أن فرنسا تنطلق في دعمها لمغربية الصحراء من منطلق علاقات تاريخية، ومواقف ثابتة في مساندة المغرب في قضاياه الوطنية.
على المستوى القانوني، يُعتبر موقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية دعماً قوياً للشرعية الدولية، حيث يتماشى مع مبدأ السيادة الوطنية الذي يعد أساس القانون الدولي. وقد عبرت فرنسا عن هذا الموقف مؤخراََ في مجلس الامن، مؤكدة أن السيادة المغربية على الصحراء تستند إلى أسس قانونية متينة، بما في ذلك الروابط البيعية والتاريخية التي تربط قبائل الصحراء بالعرش العلوي. وتكمن أهمية هذا الاعتراف في أنه يعزز شرعية المغرب أمام المجتمع الدولي، ويدعم توجهاته في إطار مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي يحقق تطلعات الساكنة المحلية ويحترم السيادة المغربية.
على الصعيد الاقتصادي، يسهم تطوير البنية التحتية المتقدمة وانفتاحه على الاستثمارات الأجنبية في زيادة جاذبيته، ليصبح منصة إقليمية للنمو. يتميز المغرب كذلك بقدرته على لعب دور استقرار في محيطه الجيوسياسي، خاصة في مواجهة التوترات في منطقة الساحل، من خلال الحفاظ على علاقات استراتيجية مع جيرانه رغم بعض الخلافات. في مجالي الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر، أصبح المغرب لاعباً مؤثراً، جاذباً للاستثمارات الأجنبية ضمن مشاريع كبيرة. علاوة على ذلك، فإن الدعم الدولي لمغربية الصحراء يعزز سيادة المملكة ويعزز مكانتها كنموذج للاستقرار والتنمية. بفضل موقعه الاستراتيجي ورؤيته التنموية، يبرز المغرب كفاعل لا غنى عنه يسهم في الحوار والتعاون من أجل السلام والتقدم في المنطقة وخارجها.
وفي هذا السياق، يأتي القرار 2756 لمجلس الأمن ليؤكد مجدداً على دعم المجتمع الدولي لمسار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مما يعكس التزاماً واضحاً بمبادئ القانون الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا، كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن وفاعلة في النظام الدولي، تعتبر أن الحل النهائي للنزاع يجب أن يتماشى مع مبادئ الشرعية الدولية، التي تنص على احترام سيادة الدول وعدم المساس بوحدتها الترابية. وبدعمها لمبادرة الحكم الذاتي، تسهم فرنسا في توجيه الملف نحو تسوية سياسية تحترم القانون الدولي وتعزز استقرار المنطقة.
إضافة إلى ذلك، يعد فتح فرنسا لتمثيلية دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، خطوة قوية تؤكد احترامها للسيادة المغربية، وتعزز من شرعية الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء. فالتواجد الدبلوماسي في الصحراء يُعتبر دعماً قانونياً ورمزياً للمغرب، حيث يرسخ الاعتراف الدولي بكون هذه الأقاليم جزءاً لا يتجزأ من التراب المغربي، ويعزز الموقف القانوني للمغرب أمام الأطراف الأخرى التي تسعى لتكريس النزاع.
على المستوى الجيواستراتيجي، يتجاوز موقف فرنسا دعمها لمغربية الصحراء على الصعيد الدبلوماسي، حيث يعكس حسابات جيوسياسية أوسع ترتبط بالتوازنات الإقليمية والدولية. ففرنسا تدرك أن منطقة شمال أفريقيا والساحل تواجه تحديات أمنية وسياسية متزايدة، خاصة مع تزايد النفوذ التركي والإيراني في المنطقة، وكذلك مع تصاعد الأنشطة الإرهابية والجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء. وبهذا، يُعد المغرب شريكاً استراتيجياً لفرنسا في هذا السياق، حيث يضطلع بدور محوري في مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار الإقليمي.
من الناحية الجيوسياسية، ترى فرنسا أن دعمها لمغربية الصحراء يعزز محور التعاون الأمني والدفاعي بين الرباط وباريس، ويضمن وجود حليف قوي ومستقر في منطقة تتعرض لهزات متزايدة. فالمغرب يُعتبر نقطة ارتكاز للاستقرار والأمن في المنطقة، ويشكل حاجزاً أمام التهديدات المتنامية في الساحل. وعليه، يُعد هذا الدعم جزءاً من الاستراتيجية الفرنسية لتعزيز وجودها ونفوذها في شمال أفريقيا ومواجهة التحديات الأمنية التي تؤثر على أمنها القومي.
على الصعيد الأفريقي، يُعتبر المغرب بوابة استراتيجية نحو أفريقيا جنوب الصحراء، ووجوده القوي في هذه المنطقة يُعتبر حاسماً بالنسبة لفرنسا التي تسعى للحفاظ على نفوذها في القارة الأفريقية في وجه تنافس القوى الكبرى مثل الصين وروسيا. فالمغرب يُوفر للشركات الفرنسية فرصاً اقتصادية واستثمارية هامة، وهو شريك قوي في تعزيز المصالح الفرنسية في الأسواق الأفريقية. لذا، يُساهم دعم فرنسا لمغربية الصحراء في تعزيز موقعها كقوة اقتصادية وسياسية مؤثرة في أفريقيا، ويعزز نفوذها مقابل القوى الصاعدة.
إضافة إلى التحديات الإقليمية، يعكس الدعم الفرنسي لمغربية الصحراء تحولاً في التحالفات الدولية، حيث باتت فرنسا تتبنى موقفاً يتماشى مع توجهات العديد من الدول الغربية التي تعترف بمغربية الصحراء، مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا. هذا الموقف يعزز مصداقية مبادرة الحكم الذاتي المغربية ويقوض محاولات الأطراف الأخرى لتحويل مسار التسوية نحو التصعيد. وبذلك، تصبح فرنسا في موقف يعكس التزامها بدعم الاستقرار واحترام السيادة الوطنية، في إطار منظور يتماشى مع القانون الدولي والمواقف الغربية.
وفي سياق موازين القوى الدولية، يُمكن اعتبار الدعم الفرنسي لمغربية الصحراء كجزء من استراتيجية فرنسا للحفاظ على موقعها كدولة محورية داخل مجلس الأمن، حيث يُمكّنها هذا الموقف من لعب دور أكثر تأثيراً في قضايا الأمن والاستقرار العالميين. ففرنسا تتبنى موقفاً داعماً للحلول السياسية التي تعزز من استقرار الدول والحفاظ على سيادتها، مما يُعزز من سمعتها كدولة ملتزمة بالقانون الدولي.
ومن تم، جاء القرار 2756 ليضع الجزائر في دائرة المسؤولية، حيث اعتبرها طرفاً رئيسياً في النزاع، وأكد على ضرورة مشاركتها الفعالة في المفاوضات. هذا التوجه يعكس تحولاً في الرؤية الدولية نحو إشراك الجزائر بشكل مباشر، ويعزز من الضغوط عليها للمساهمة في إيجاد حل دائم ومستدام. وقد حاولت الجزائر، بالتنسيق مع دول معينة مثل موزمبيق، إدخال تعديلات تهدف إلى إدراج آليات لمراقبة حقوق الإنسان تحت ولاية المينورسو، ولكن الدول الحليفة للمغرب تصدت لهذه المحاولات، مما يبرز قوة التحالفات المغربية وقدرتها على التصدي لمحاولات زعزعة الشرعية المغربية. تجديد ولاية بعثة المينورسو لمدة عام آخر يعكس التزام مجلس الأمن بمراقبة الوضع ميدانياً، بهدف ضمان استقرار المنطقة وخلق بيئة مواتية للتقدم في المسار السياسي. هذا التجديد يعزز من دور الأمم المتحدة في التهدئة وتهيئة الظروف الملائمة للحوار، بما يساهم في تحييد التوترات وتهيئة الظروف الملائمة للحل السلمي.
في هذا السياق، قام مجلس الأمن بدعم مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب كحل سياسي واقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ما يساهم في تعزيز السيادة المغربية ويدعم مساعي الاستقرار في المنطقة. كما أكدت القرار الأممي رقم 2756 على دور الجزائر المزعزع للاستقرار في المنطقة، مما يثبت الطابع المناورة الجيوسياسية لهذا النزاع وتصميم الجزائر على استغلاله لخدمة أجندات سياسية تتعارض مع استقرار المنطقة.
وبالتالي، فإنّ الدعم الفرنسي لمغربية الصحراء، وقرار مجلس الأمن الأخير، يشكلان خطوةً قويةً نحو تعزيز الاستقرار وتأكيد السيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية. ولكن، لا يمكن قراءة هذه المواقف بمعزل عن التفاعلات الإقليمية والدولية، فهي بفضل السياسة الحكيمة للجلالة الملك تترجم تطوراً ملموساً في السياسة الخارجية التي تتبناها الدول الكبرى تجاه قضية الصحراء، وتعكس في الوقت ذاته تزايد إدراك المجتمع الدولي لأهمية الموقع الاستراتيجي والدور المحوري للمغرب في الساحة الدولية.
اليوم، أثبت المغرب بفضل دبلوماسيته الهادئة والمستدامة أنه ليس مجرد لاعب في المنطقة، بل شريك استراتيجي وفاعل دولي له رؤية تنموية وأمنية. وقد استطاع، من خلال استراتيجية واقعية، أن يحافظ على استقرار محيطه ويعزز من علاقاته مع القوى العالمية، ليصبح نموذجاً في التعامل مع النزاعات من منطلق السيادة الوطنية، وليس عن طريق الاستقواء أو فرض الأمر الواقع.
من هذا المنطلق، فإنّ الاعتراف المتزايد بمغربية الصحراء يعبّر عن نضوج دبلوماسي وسياسي للمغرب، وهو ترجمة لالتزام دولي بحل النزاع المفتعل عبر مسارات قانونية وسياسية عادلة. وكما يقول المثل «من زرع حصد»، ها هو المغرب اليوم يحصد ثمار سياسته الواقعية والحكيمة، متحولاً من مجرد دولة ذات تحديات إقليمية إلى لاعب استراتيجي يساهم في صنع الاستقرار والسلام في منطقة شديدة التوتر.
الشرقاوي الروداني، خبير في الدراسات الاستراتيجية