منذ أربعة عقود على إصداره، لم يشهد ظهير 2 أكتوبر 1984 المنظم لتعويضات حوادث السير أي تعديل تضمن حقوق المتضررين أمام التعويضات الهزيلة حسب الظهير.
في هذا السياق حاورت "أنفاس بريس"، مصطفى محمد صدقي، محام، ورئيس جمعية التواصل المهني للمحاماة، وطرحت أسئلة وأخرى حول وقوف لوبي شركات التأمين التي راكمت أرباحا طائلة، عائقا أمام تعديل الظهير الذي يصب تحيينه في مصلحة المواطن المغربي.
ماهي أهداف ظهير 2 أكتوبر 1984؟
تم وضع ظهير 2 أكتوبر 1984 بهدف تنظيم تعويضات حوادث السير وتحديد المعايير المالية للتعويضات بناءً على الإصابات والوفيات الناتجة عن الحوادث.
يعكس هذا القانون مقاربة تقنية وجزئية لموضوع التعويض، حيث يحدد مبالغ مالية ثابتة بناءً على نوع الإصابة.
تم إعداد هذا القانون منذ ما يقارب أربعة عقود، وهو ما يجعله متخلفًا عن التطورات الاقتصادية والاجتماعية، ولا يستجيب لمتطلبات العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
ما هو رأيك بخصوص التعويضات المقررة في الظهير؟
التعويضات المقررة في الظهير تعتبر زهيدة جداً مقارنة بالتكاليف الفعلية التي تتحملها الأسر المتضررة من الحوادث. فمثلاً، في حالات الوفاة، يتم تحديد تعويضات تعتبر رمزية مقارنة بتكاليف فقدان المعيل أو الأثر النفسي والعاطفي على الأسرة.
مثال على ذلك: في حالة وفاة شاب يبلغ من العمر 17 عامًا، تم تحديد تعويض قدره 13.905,00 درهم لأسرته، وهو مبلغ لا يغطي حتى نفقات الجنازة أو التأمين الصحي أو الدعم المادي الذي تحتاجه الأسرة بعد فقدان معيلها أو ابنها.
مامدى الانعكاس السلبي للظهير على حقوق الانسان وحقوق المرأة؟
1- خرق لحقوق الإنسان:
الكرامة الإنسانية: التعويضات الزهيدة تعتبر إهانة لكرامة الإنسان، خاصة أن ضحايا الحوادث وأسرهم يعانون جسديًا ونفسيًا وماديًا.
عدم التناسب مع الأضرار الفعلية: المبالغ المقررة في الظهير لا تتناسب مع المعايير الدولية للتعويضات، ما يجعلها خرقاً لمبدأ العدالة والإنصاف (كما هو الحال عند اعتماد الحد الأدنى للأجر في احتساب التعويض عن الآلم الجسماني)
الحق في تعويض عادل: يُعدّ الحصول على تعويض عادل حقاً من حقوق الإنسان، ويعتبر إخفاق الدولة في تعديل القانون لتعويض المتضررين بكرامة إخلالاً بهذا الحق.
2- التأثير على حقوق المرأة:
في حالة فقدان معيل الأسرة (كالأب أو الزوج)، فإن الزوجة والأبناء يعانون بشكل مباشر، خاصةً إذا كانت المرأة ربة منزل بدون دخل مستقل، مما يجعلها تعتمد كلياً على هذا التعويض.
يعمق القانون من الهشاشة الاجتماعية للنساء اللواتي يفقدن معيلهن، خاصة في المجتمعات الريفية أو الفقيرة، حيث لا توجد شبكات دعم اجتماعي قوية.
الأرامل والأيتام: يعتبر التعويض الزهيد إهمالاً لحقوق الأرامل والأيتام الذين يتركون بلا دعم مادي ملائم يضمن لهم الحياة بكرامة.
هل يؤثر ضغوط لوبي شركات التأمين على بقاء الوضع الراهن دون تحيين ظهير 2 أكتوبر 1984؟
تشكل شركات التأمين قطاعاً قوياً في الاقتصاد المغربي، حيث تحقق أرباحاً ضخمة من خلال تقليص مبالغ التعويضات التي تدفعها.
يُعتقد أن شركات التأمين تمارس ضغوطاً على صناع القرار للحيلولة دون تعديل ظهير 1984 بما يخدم المواطنين. ويبرر هذا اللوبي هذه الضغوطات بالحفاظ على استقرار القطاع، لكنه في الواقع يسهم في إضعاف حقوق المتضررين.
يجب الضغط من قبل المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتسليط الضوء على هذه المشكلة، والدفع نحو تعديل القانون.
بناء على حالات عديدة لتأمين وفاة إثر حادثة سير، ورغم بعض المجهودات من طرف هيئات المحامين بالمغرب للتحسيس بمدى هزالة تعويضات حوادث السير بالمغرب حسب ظهير 2 أكتوبر 1984، التي لا تعكس قيمة الانسان المغربي، فلا شيء تغير. ما رأيك؟
التعويض الذي تقدمه شركات التأمين في مثل هذه الحالات يبدو فعلاً هزيلاً بالنظر إلى حجم الخسارة التي تعرضت لها عائلة الشاب المتوفى. التعويض بـ 3300 درهم لا يراعي بأي شكل الأثر النفسي والمادي الكبير الذي يعانيه الأبوان والأشقاء، وخاصة إذا كان المعيل الوحيد أو أحد المساهمين في دعم الأسرة.
في مثل هذه الحالات القانون يضمن لذوي الحقوق التعويض المعنوي الذي لا يتجاوز 13.905,00 درهم مع الأخذ بعين تشطير المسؤولية، كما يضمن لهم التعويض المادي بعد إثبات موجباته وشروطه.
ظهير 2 أكتوبر 1984 الذي يحدد تعويضات حوادث السير في المغرب أصبح بالفعل غير ملائم لتطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية، كما أن قيمة التعويضات التي ينص عليها لا تعكس قيمة الإنسان المغربي ولا تعوّض الأضرار الفعلية التي تعانيها الأسر المتضررة. من الطبيعي أن يكون هناك نوع من الضغوطات من لوبي شركات التأمين التي تحقق أرباحاً طائلة وتستفيد من هذا الوضع القانوني، إذ قد لا ترغب في رفع التعويضات لأنها ستزيد من التزاماتها المالية.
يُعتبر تعديل هذا الظهير خطوة ضرورية لتحسين حقوق المتضررين وضمان تعويضات أكثر إنصافاً، وهو مطلب لا يزال يحظى بدعم المجتمع المدني وبعض أعضاء هيئات المحامين. ومع ذلك، قد يتطلب تحقيق هذا التغيير جهوداً كبيرة ووعي مجتمعي أوسع لتحريك الرأي العام والضغط على صناع القرار.