عبد الخالق حسين: سيميولجيا المكان والزمان في تدشينات ذكرى المسيرة الخضراء بإقليم طانطان 2024

عبد الخالق حسين: سيميولجيا المكان والزمان في تدشينات ذكرى المسيرة الخضراء بإقليم طانطان 2024 عبد الخالق حسين
تبدو طانطان على موعد مع فجر جديد من التنمية..
وهو تفاؤل شخصي تدعمه أحلام كالرؤى الصادقة لطالما باغتثنا سنين خلت..
لكن المجريات ترجح صدقها.. خصوصا بعد التعيين الملكي لعبد الله الشاطر عاملا جديدا على إقليم طانطان؛ وهو القادم من مجال الاستثمار والخبرة الاقتصادية.. ثم بعد تدشينات المشاريع الضخمة المقرر إنجازها في المرحلة القادمة بالإقليم؛ و التي أعطى انطلاقتها يوم الاثنين 4 نونبر 2024 بإقليم طانطان كل من والي جهة كلميم وادنون الناجم ابهاي؛ والعامل الجديد برفقة رئيسة الجهة امباركة بوعيدة؛ ومختلف المتدخلين ممثلين للساكنة وعن المصالح الخارجية..
إن مصدر التفاؤل هو الحيثيات المرتبطة بالزمان والمكان في علاقتهما بالتاريخ والجغرافيا؛ وفوق كل هذا؛ بالهوية الوطنية العريقة وجوهرها شعارنا الخالد: الله.. الوطن.. الملك..
ويتراءى لي أن طانطان أقسمت "يوم الاثنين" أمام الوطن والتاريخ؛ بأنها سوف تنخرط في مسيرة التنمية المؤطرة باستراتيجية النموذج التنموي الجديد بالأقليم الجنوبية.. وأنها سوف تفي بالوعد المنتظر وبقسم المسيرة الخضراء.. ويمكن سماع هذا - لمن ألقى السمع وهو شهيد -  القسم من خلال الإشارات التالية توافقات الزمان والمكان والشعار وهي توافقات ذات نفحة روحانية: 
1- الله: والرمزية هي (ساحة صلاة العيد/ ساحة الغابة)، حيث نصبت سبورات ولوحات عرض المشاريع فوق الارض/ الساحة التي تقام عليها صلاة العيد كل سنة بطانطان. وهي رمزية بحمولتها الروحية تتصدع لها الجبال.. إنك بالأرض المقدسة يا هذا، فاخلع نعليك.. وامش الهوينا أدبا وتبتل لربك وتخشع..  وطهر قلبك واعرج بروحك..وجدد نية العزم والصدق والخدمة.. فمن أراد الفتح؛ فعليه بالخدمة وقد عرف العارفون ( مقام الشكر) أنه (استعمال النعمة في الخدمة) فهل هناك نعمة أكبر من نعمة الأمن والأمان.. ألا نخدم المسيرة الخضراء بالوفاء بعهدها وعهدها هو: الخدمة؛ والخدمة: نكران ذات وتنازل عن الملذات وتحمل للمكاره وعطاء وليس أخذ..
2- الوطن: والرمزية هي (شارع الحسن الثاني حيث استراح المشاركون في المسيرة)، فقد توجه الوالي والعامل ورئيسة الجهة راجلين إلى شارع الحسن الثاني وبالضبط في النقطة التي توقفت فيها حافلات المشاركين في المسيرة الخضراء سنة 1975 من أجل أخذ فترة راحة قبل استئناف رحلتها التحريرية نحو الصحراء.. مترجلا كان الوالي وهو ابن مدينة طانطان ولازال المسجد الذي بناه والده رحمه الله يطلق عليه الساكنة (مسجد بهاي) نسبة للوالد.. نعم وسط هتافات المواطنين كان الوالي والعامل والرئيسة يصافحون ويعانقون الأطفال.. ويستمعون لكل من شاء الحديث سواء كان ترحيبا أو التماسا..
لكن كانت اللحظة شاعرية بامتياز؛ إنهم أبناء وبنات وأحفاد أولئك الذين مروا يوم المسيرة الخضراء من هنا.. أنهم لازالوا على العهد (يحيى الملك، يحيى الوطن.. عاش سيدنا) يترقبون مسيرة التنمية.. وطلائع النموذج الجديد..
لقد كنت أتأمل مشهد التفاف الناس حول ممثلي الملك، الوالي والعامل .. ونوستالجيا المسيرة كما روتها لي والدتي (منزل الوالد بزنقة مولاي ادريس على شارع الحسن الثاني.. أمتار قليلة عن هذه النقطة)..
حيث أخرجت الوالدة هي وجاراتها؛ قنينات الماء إلى المشاركين في المسيرة؛ الذين نزلوا "توا" من الشاحنات لأخذ استراحة؛ دائما كانت الوالدة - كما غيرها من أمهات الطنطان- قبل مرضها تتمنى "حديقة جميلة"- ولتكن حديقة المسيرة الخضراء- تسرح فيها رجليها.. نعم.. قبل أن تخونها ركبتيها اليوم ..
في نفس المكان من شارع الحسن الثاني؛ تجمهرت الساكنة أمس ترفع نفس الهتافات الوطنية بعد 50 سنة من المسيرة المظفرة.. تذكرت طفولتنا عندما نخرج من مدرسة الحسن الثاني القريبة من هناك في عيد العرش نهتف باسم جلالة الملك وبالوطن متوجهين إلى ساحة شارع الكانبو.. حيث المحطة الطرقية اليوم..
لقد مر من هنا؛ رجال ونساء أدوا ما عليهم من كل أنواع التضحية بالنفس والمال والجهد .. أليس هذا تذكير بالدرس الأول من دروس الوطنية: (كن مضحيا وإلا انسحب بهدوء)..
 
3- الملك: والرمزية هي ( موطئ قدم مولانا الحسن الثاني رحمه الله في زيارته لطانطان سنة 1991) ..
فقد نزل الوالي والعامل ورئيسة الجهة في "بلدية الوطية" في المكان نفسه؛ الذي وطئته أقدام امير المؤمنين مولانا الحسن الثاني رحمه الله سنة 1991؛ من أجل تدشينات تهم ميناء طانطان.. نعم كنا آنذاك وأنا من مواليد مدينة طانطان؛ كنا ندرس بالسلك الثانوي وجئنا وكلنا حماس لنستقبل الملك الراحل و نتبرك برؤية أحد أحفاد سيدنا رسول الله.. لا أذكر ما الذي دشن آنذاك.. المهم أنه مشروع له علاقة بالميناء؛ بعدها استقبلناه في أبطيح على ما أذكر.. 
اسمعوني جيدا..لقد (حملنا) جلالته منذ ساعتها نحن جيل المسيرة؛ مسؤولية طانطان وأقا أخذ منا العهد .. مسؤولية تشغيل الميناء وتنميته وصيانته؛ ليخلق الثروة للإقليم.. فنحولها إلى استثمارات من أجل تنمية طانطان..( إن العهد كان مسؤولا) أعتقد أن سيميولوجيا الزمان والمكان قد توضحت الآن..
وأنا واقف في المواقف الثلاث برفقة الوفد الرسمي ابتعدت قليلا عن الجموع وكلما تقدم إلي صحفي لأخذ تصريح كنت اعتذر فالمقام مقام إشارات وليس مقام تصريحات.. إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة عن الإشارة كما قال سيدي عبد الجبار النفري.. لقد نزل التاريخ بكلكله كل دروس التنمية التي درسناها في ثانوية محمد الخامس، بالقرب من هنا تراءت الي ( التنمية في اليابان) اقتصاد الولايات المتحدة) ( مقومات التنمية) بل حتى الفلسفة شاركت في التنزلات (مفهوم السعادة عند شوبنهاور) ( الكسب عند الاشاعرة) ( العدل عند المعتزلة).. وتذكرت خطبتي للعيد من فوق المنبر في هذه الساحة (إننا ننتمي لمملكة شريفة شرفها الله بظل أمير المؤمنين مولانا محمدا السادس فافرحوا وفقكم الله بنعمة إمارة المؤمنين..واستبشروا فقد أشار اهل الكشف أن مملكتنا في القريب سوف تتجاوز تنمويا دولا متقدمة مجاورة لنا..) ..نعم حضر كل هذا التاريخ في لحظة التدشينات هذه..
كنت دائما أقول وأصرح وأكتب.. ينبغي أن نحول شارع الحسن الثاني بطانطان والذي مرت منه المسيرة الخضراء إلى متحف عالمي.. لقد مرت وفود العالم كله من هنا ورفعت أعلام العالم كله هنا..
لكن طانطان تحتاج نخوة التعفف والعطاء..
وتمثل قول الشاعر الشنفرى:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد  لم أكن// بأعجلهم إذ أجشع  القوم أعجل ..
وماذاك الا بسطة عن تفضل// عليهم؛ وكان الأفضل المتفضل