عبد العزيز بنار: زيارة ماكرون التاريخية للمغرب.. إلى أين تتجه عزلة الجارة؟

عبد العزيز بنار: زيارة ماكرون التاريخية للمغرب.. إلى أين تتجه عزلة الجارة؟ عبد العزيز بنار
على‭ ‬الذين‭ ‬أداروا‭ ‬ظهرهم‭ ‬للتاريخ‭ ‬أن‭ ‬يواجهوا‭ ‬سيول‭ ‬نهر‭ ‬الحياة‭ ‬الكبير،‭ ‬فـ‭ ‬"لا‭ ‬توجد‭ ‬رياح‭ ‬مواتية‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬لايعرفون‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬يذهبون"،‭ ‬كما‭ ‬همس‭ ‬سينيكا‭ ‬في‭ ‬أذن‭ ‬الوجود‭ ‬ذات‭ ‬صرخة‭. ‬لقد‭ ‬حلت‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الجديد‭ ‬دول‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬موطئ‭ ‬قدم،‭ ‬وكأنها‭ ‬تختبئ‭ ‬خلف‭ ‬الأحداث‭ ‬المشوشة‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬مصدر‭ ‬الرياح،‭ ‬ولا‭ ‬كيف‭ ‬توجه‭ ‬سفينتها‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬معلومة‭.‬

لسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المغاربية‭ ‬والإفريقية‭ ‬التي‭ ‬مد‭ ‬لها‭ ‬ملوك‭ ‬المغرب‭ ‬وشعبه،‭  ‬لطفا‭ ‬وكرما،‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬ووصلوها‭ ‬بالمستقبل‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬الدول،‭ ‬في‭ ‬أبجديات‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬علاقات‭ ‬بعضها‭ ‬يُحتفظ‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مخزون‭ ‬الثقافة‭ ‬والذاكرة،‭ ‬وبعضها‭ ‬ترسمه‭ ‬خطط‭ ‬التعاون‭ ‬والاحترام‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالسيادة‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل،‭ ‬والإيمان‭ ‬بضرورة‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬فضاء‭ ‬للعيش‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يتحول‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬النقد‭ ‬المزدوج؛‭ ‬أرض‭ ‬القيم‭  ‬والتقنية‭. ‬

الدول‭ ‬علاقات‭ ‬حوار‭ ‬وجوار،‭ ‬لكن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬مصابة‭ ‬بالنسيان‭ ‬وفقدان‭ ‬الذاكرة‭. ‬يذكر‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭  ‬المغفورله‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬آزر‭  ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭  ‬وامتدت‭ ‬بصيرته‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تاركا‭ ‬الباب‭ ‬مفتوحا‭ ‬للشعوب‭ ‬كي‭ ‬تحيا‭ ‬عبر‭ ‬درس‭ ‬العودة‭ ‬الموسوم‭ ‬بالتحام‭ ‬الشعب‭ ‬بالعرش؛‭ ‬ليسود‭ ‬السلام‭ ‬والسلم‭  ‬في‭ ‬عالم‭ ‬شيد‭ ‬أبناؤه‭ ‬تاريخهم‭ ‬المحلي‭ ‬والشخصي‭. ‬وتواصلت‭ ‬مع‭ ‬المغفورله‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬مسيرة‭ ‬البناء‭ ‬بين‭ ‬الأمم؛‭ ‬بدءا‭ ‬بالمسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬مرورا‭ ‬بمشاريع‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومبادرات‭ ‬سياسية‭ ‬احتضنها‭ ‬المغرب‭ ‬وباركتها‭ ‬دول‭ ‬عظمى،‭ ‬فكان‭ ‬المغرب‭ ‬فاعلا‭ ‬وشريكا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العلاقات‭ ‬والقمم‭ ‬الدولية‭. ‬

منذ‭ ‬السبعينيات‭ ‬بدأت‭ ‬جماعات‭ ‬تحلم،‭ ‬وهنا‭ ‬أقصد‭ ‬ميلشيات‭ ‬البوليساريو،‭ ‬معتقدة‭ ‬أنها‭ ‬تملك‭ ‬أعظم‭ ‬حلم‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬لكن‭ ‬فقدت‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬رأسها‭ ‬وسط‭ ‬رياح‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬النهايات،‭ ‬لتجد‭ ‬نفسها‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الجزائر،‭ ‬تقدمها‭ ‬كورقة‭ ‬ضغط‭ ‬لافتعال‭ ‬صراع‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية؛إذ‭ ‬سعت‭ ‬بمغالطات‭ ‬شتى‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ورقة‭ ‬الجبهة‭ ‬الوهمية‭ ‬حلا‭ ‬سحريا‭ ‬لمشاكل‭ ‬الجزائر‭ ‬الداخلية،‭ ‬وطريقا‭ ‬لتصريف‭ ‬أزمات‭ ‬داخلية،‭ ‬ولدر‭ ‬الرماد‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬من‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬مآل‭ ‬بيترول‭ ‬البلاد‭ ‬وغازها‭ ...‬إلخ‭.‬

لايمكن‭ ‬لحكم‭ ‬الجنرالات‭ ‬أن‭ ‬يستعين‭ ‬بمدنيين‭ ‬للتلويح‭ ‬بصراع‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لذلك‭ ‬سلح‭ ‬مليشيات،‭ ‬ومدها‭ ‬بالسلاح،‭ ‬وسهل‭ ‬وصول‭ ‬دعم‭ ‬منظمات‭ ‬محظورة‭ ‬إليها،‭ ‬وتطور‭ ‬نشاط‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬المحظورة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬يستدعي‭ ‬تعاونا‭ ‬دوليا‭ ‬لمنع‭ ‬استفادتها‭ ‬من‭ ‬عائدات‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة،‭ ‬يتداخل‭ ‬فيها‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬والاحتجاز،‭ ‬والتهريب‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬بانتهاك‭ ‬سيادة‭ ‬المغرب،‭ ... ‬مكررة‭ ‬طرق‭ ‬نشاط‭ ‬جماعات‭ ‬يقوم‭ ‬اقتصادها‭ ‬على‭ ‬التهريب‭ ‬والاتجار‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬المخذرات‭ ‬الصلبة‭. ‬فهل‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬المبعوث‭ ‬الأممي‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬تمويل‭ ‬هذا‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬الأنشطة؟‭    ‬

لتمويه‭ ‬الرأي‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بتجمع‭ ‬سكاني،‭ ‬احتجزت‭ ‬المليشيات‭ ‬المدنيين،‭ ‬وبعضهم‭ ‬فر‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬رحلة‭ ‬«إن‭ ‬الوطن‭ ‬غفور‭ ‬رحيم»،‭ ‬عاد‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭  ‬إلى‭ ‬وطنه،‭ ‬يحكي‭ ‬بمرارة‭ ‬حجيم‭ ‬العذاب‭ ‬ومذكرات‭ ‬الأقبية‭ ‬السوداء،‭ ‬حيث‭ ‬اعترف‭ ‬كل‭ ‬العائدين‭ ‬بأن‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وأن‭ ‬الهوية‭ ‬سجل‭ ‬محفوظ‭  ‬في‭ ‬أرشيف‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأن‭ ‬أسراب‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬حب‭ ‬شاهق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأرجاء‭. ‬للأسف‭ ‬«دي‭ ‬ميستورا»‭ ‬المبعوث‭ ‬الأممي‭ ‬لم‭ ‬يسعفه‭ ‬بصره‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬واقع‭ ‬بقية‭  ‬المحتجزين،‭ ‬وتقليب‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬ترى‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬شيئا‭.‬
 
‭"‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬الدولة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬رأسه‭"‬
لا‭ ‬يري‭ ‬خصوم‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬غير‭ ‬المنطقية‭ ‬عقبة‭ ‬في‭ ‬خوض‭ ‬سجال‭ ‬حول‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المغالطات،‭ ‬إذ‭ ‬يشعر‭ ‬مواطنو‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يطالبون‭ ‬باقتسام‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬قد‭ ‬أفرطوا‭ ‬في‭ ‬الانتظار‭ ‬فلوحوا‭ ‬بآخر‭ ‬ورقة‭ ‬لتعطيل‭ ‬عجلة‭ ‬التاريخ؛‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬وجهة‭ ‬رحلتهم‭ ‬كما‭ ‬فعلوا‭ ‬مرات‭.‬

في‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬أكد‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬خطابه،‭ ‬بمناسبة‭ ‬الذكري‭ ‬43‭ ‬للمسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬إلى‭ ‬الأقاليم‭ ‬الصحرواية‭ ‬الجنوبية‭ ‬المغربية،‭ ‬أن‭ ‬يد‭ ‬المغرب،‭ ‬ملكا‭ ‬وشعبا‭ ‬،‭ ‬رسميا‭ ‬وشعبيا‭ ‬ممدودة‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬الشقيقة،‭ ‬وجسر‭ ‬روابط‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬حوار‭ ‬خلاق‭ ‬أوضحت‭ ‬معالمه‭ ‬خطابات‭ ‬العرش،‭ ‬وأكدته‭ ‬مبادرات‭ ‬مغربية‭ ‬بإحداث‭ ‬آليات‭ ‬للحوار‭ ‬والجلوس‭ ‬الأخوي‭ ‬للتشاور،‭ ‬أخذا‭ ‬برسائل‭ ‬معاهدة‭ ‬مراكش‭ ‬التأسيسية‭ ‬لاتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وتأكيدا‭ ‬من‭ ‬جلالته‭ ‬على‭ ‬المسؤولية‭ ‬المشتركة‭  ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬«أمام‭ ‬لله،‭ ‬أمام‭ ‬التاريخ،‭ ‬أمام‭ ‬مواطنينا»‭.‬

لقد‭ ‬أكدت‭ ‬الأمة‭ ‬المغربية،‭ ‬رسميا‭ ‬وشعبيا،‭ ‬بروحها‭ ‬الإسلامية‭ ‬أن‭ ‬يدها‭ ‬ممدودة‭ ‬للحوار‭ ‬والتشاور،‭ ‬وهي‭ ‬«الأمة‭ ‬العريقة‭ ‬التي‭ ‬تعايشت‭ ‬فيها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬حتى‭ ‬أوشكت‭ ‬أن‭ ‬تصير‭ ‬شعبا‭ ‬واحدا‭... ‬لافرق‭ ‬بين‭ ‬عربي‭ ‬وأمازيغي‭ ‬أو‭ ‬صحراوي‭ ‬أو‭ ‬موريسكي‭ ‬أويهودي‭ ‬إلا‭ ‬بمقدار‭ ‬الولاء‭ ‬الخالد‭ ‬لشعار:‭ ‬لله/‭ ‬الوطن/الملك»‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬الدكتور‭ ‬رشيد‭ ‬لبكر‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭  ‬العام‭ ‬بجامعة‭ ‬شعيب‭ ‬الدكالي‭.‬

لم‭ ‬تلتقط‭ ‬الجهات‭ ‬في‭ ‬الشقيقة‭ ‬الجزائر‭ ‬الإشارة،‭ ‬فقفزت‭ ‬بالأزمة‭ ‬المفتعلة‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬اختلط‭ ‬الحابل‭ ‬فيها‭ ‬بالنابل،‭ ‬وصار‭ ‬مَن‭ ‬مِن‭  ‬ِصلاحياته‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬يسمع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬شيئا،‭ ‬أضحت‭ ‬المجالس‭ ‬الاستشارية‭ ‬تقرر،‭ ‬فعمت‭  ‬الفوضى‭ ‬وقوبلت‭ ‬المبادرة‭ ‬الملكية‭ ‬الشعبية‭ ‬باتهام‭ ‬المغرب‭ ‬بمسؤوليته‭ ‬في‭ ‬حرائق‭ ‬تيزي‭ ‬وزو،‭ ‬وأحداث‭ ‬القبايل،‭ ‬تلاها‭ ‬قطع‭ ‬العلاقات‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬التأشيرة‭ ‬على‭ ‬المغاربة‭ ‬لدخول‭ ‬الجزائر‭...‬ومحاولات‭ ‬كثيرة‭ ‬لحصار‭ ‬المغرب‭ ‬اقتصاديا‭ ‬بافتعال‭ ‬صراع‭ ‬وهمي،‭ ‬وتعطيل‭ ‬كل‭ ‬مبادرات‭ ‬السلام‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬والشعبين‭ ‬عبر‭ ‬الإيهام‭ ‬بأن‭ ‬فشل‭ ‬السياسية‭ ‬الداخلية‭ ‬رهين‭ ‬بالتفرغ‭ ‬لمجابهة‭ ‬تهديدات‭ ‬خارجية‭ ‬وهمية‭. ‬نسيت‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬أن‭ ‬الخلل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬يقرر‭ ‬داخل‭ ‬الجزائر،‭ ‬وأن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مبرر‭ ‬لتصدير‭ ‬الأزمة‭ ‬عبر‭ ‬جِسر‭ ‬الميليشيات‭ ‬والتطلع‭ ‬إلى‭ ‬الأطلسي‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬خيال،‭ ‬إذن،‭ ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬تلك‭ ‬العقدة‭ ‬المفتعلة‭ ‬إلى‭ ‬الأجيال،‭ ‬إعلاميا‭ ‬ونفسيا‭ ‬وتاريخيا،‭ ...‬لاقناع‭ ‬الداخل‭ ‬الجزائري‭ ‬أن‭ ‬التهديد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬المغرب؟،‭ ‬وأين‭ ‬يوجد‭ ‬قلب‭ ‬رجال‭ ‬القرار‭ ‬والدولة‭ ‬في‭ ‬الجزائر؟
 
مبادرة‭ ‬الأطلسي‭... ‬السفن‭ ‬عرفت‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الساحل‭:‬
الانتقال‭ ‬من‭ ‬التدبير‭ ‬إلى‭ ‬التغيير،‭ ‬إلى‭ ‬المبادرة‭ ‬والقرار‭ ‬هو‭ ‬شعار‭ ‬مغرب‭ ‬اليوم،‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭  ‬الانفتاح‭ ‬وتجاوز‭ ‬الهويات‭ ‬المغلقة‭ ‬المتعطشة‭ ‬إلى‭ ‬الخيال‭ ‬والوهم،‭ ‬والعنف،‭ ‬وعقدة‭ ‬الضحية‭ ‬والمؤامرة‭. ‬لقد‭ ‬استوعب‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬سلطات‭ ‬الجزائر‭ ‬أضحى‭ ‬من‭ ‬سماتها‭ ‬التطاول‭ ‬على‭ ‬خصوصيات‭ ‬الغير،‭ ‬ضاربة‭ ‬كل‭ ‬الأعراف‭ ‬الدولية‭ ‬والمحلية‭ ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬إذ‭ ‬تطاولت‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬المغرب‭ ‬ونسبت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عناصره‭ ‬المادية‭ ‬واللامادية‭ ‬إلى‭ ‬نفسها،‭ ‬كما‭ ‬تطاولت‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬دول‭ ‬مجاورة،‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا،‭ ‬ولاحقت‭ ‬أهل‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬مواطنيها‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مختلفة‭.‬

تنبه‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬المعادلة‭ ‬بتحرير‭ ‬الكركرات،‭ ‬وخلق‭ ‬تكتلات‭ ‬إقليمية‭ ‬واقتصادية‭ ‬في‭ ‬افريقيا‭ ‬عبر‭ ‬خلق‭ ‬شبكة‭ ‬استثمارات‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية،‭ ‬متخطيا‭ ‬التكتل‭ ‬المغاربي‭ ‬المجهض،‭ ‬فسمحت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬الملكية‭ ‬بجعل‭ ‬المغرب‭ ‬رائدا‭ ‬في‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا‭ ‬وجنوبها،‭ ‬إذ‭ ‬راهنت‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬ولوج‭  ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاون‭ ‬جنوب‭ ‬«جنوب‭ ‬الذي‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬شراكة‭ ‬رابح-رابح‭. ‬لقد‭ ‬شكلت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬استراتيجية‭ ‬حسب‭ ‬الخبراء،‭ ‬لأنها‭ ‬ستمكن‭ ‬دول‭ ‬الساحل»‭ ‬مالي،‭ ‬النيجر،‭ ‬بوركينفاسو،‭ ‬تشاد‭ ‬وموريتانيا‭... ‬من‭ ‬تخطي‭ ‬التحديات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭.‬

‭ ‬ولعل‭ ‬سعي‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬الملكية‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬دينامية‭ ‬جديدة‭ ‬وتكتلات‭ ‬إقليمية‭ ‬إفريقية‭ ‬قد‭ ‬أخذ‭ ‬بأولوية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬على‭ ‬السياسة،‭ ‬وجعل‭ ‬إفريقيا‭ ‬متطلعة‭ ‬إلى‭ ‬علاقات‭ ‬أرحب‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬عظمى‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية‭ ‬وآسيا،‭ ‬مثل‭ ‬إسبانيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬والصين‭ ‬وفرنسا‭.  ‬
 
زيارة‭ ‬ماكرون‭ ‬للمغرب‭: ‬مسار‭ ‬آمن‭  ‬للعلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الفرنسية
لقد‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬الاستثنائية‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬فتحتَ‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬ربط‭ ‬حاضر‭ ‬المغرب‭ ‬وفرنسا‭ ‬بأشكال‭ ‬الدعم‭  ‬المتبادل‭ ‬والروابط‭ ‬المتينة‭ ‬ببن‭ ‬البلدين‭ ‬منذ‭ ‬القديم،‭  ‬حيث‭ ‬قال:‭ ‬«ممتنون‭ ‬لكل‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬دماءهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬الاستعمار»،‭ ‬وأضاف:‭ ‬«حاضر‭ ‬ومستقبل‭ ‬الصحراء‭ ‬تحت‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية»‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الموقف‭ ‬موقف‭ ‬رئيس‭ ‬فرنسا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬اعترافا‭ ‬بلسانه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬حكومة‭ ‬وشعبا،‭ ‬بعمق‭ ‬الأفق‭ ‬الذي‭ ‬يشُدُ‭ ‬البلدين‭ ‬ويجذر‭ ‬سيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬أراضيه‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬«المبادئ‭ ‬التالية»‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬ودولة،‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬السيادة،‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية،‭ ‬وفي‭ ‬اختيار‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬واحترام‭ ‬الالتزامات‭ ‬المبرمة‭...‬"‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬بنطلحة‭ ‬الدكالي‭ ‬أستاذ‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بجامعة‭ ‬القاضي‭ ‬عياض‭.‬

أتت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬تتويجا‭ ‬للمسار‭ ‬المتنامي‭ ‬لأشكال‭ ‬التعاول‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وفرنسا،‭ ‬ولعل‭ ‬الاستقبال‭ ‬الملكي‭ ‬والشعبي‭ ‬الاستثنائي‭ ‬الذي‭ ‬حظي‭ ‬به‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬وزوجته‭ ‬يحمل‭ ‬رمزية‭ ‬كبيرة،‭ ‬ودلالات‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬محفوف‭ ‬بالأخوة‭ ‬والتعاون‭ ‬والتعايش‭. ‬

جسد‭ ‬هذا‭ ‬الاستقبال‭ ‬التاريخي‭ ‬خصوصية‭ ‬التقاليد‭ ‬المغربية،‭ ‬وكرم‭ ‬ضيافة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬للرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬والوفد‭ ‬المرافق‭ ‬له‭ ‬بحضور‭ ‬الأسرة‭ ‬الملكية،‭ ‬وحضور‭ ‬شعبي‭ ‬عاش‭ ‬فرحا‭ ‬كاملا‭ ‬بملكه‭ ‬وضيفه،‭ ‬مرددا‭ ‬نشيد‭ ‬البلدين‭ ‬كما‭ ‬قدمتهما‭ ‬تشكيلة‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬الملكي‭.‬

كانت‭ ‬الزيارة‭ ‬مجللة‭ ‬بتوقيع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬شراكة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬كثيرة،‭ ‬قطعت‭ ‬الشك‭ ‬باليقين‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬تأويلات‭ ‬المغرضين‭ ‬حول‭ ‬عمق‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬الرباط‭ ‬وباريس‭. ‬

تم‭ ‬توقيع‭ ‬22‭ ‬اتفاقية،‭ ‬سبقتها‭ ‬21‭ ‬طلقة‭ ‬للمدفعية‭ ‬احتفاء‭ ‬بزيارة‭ ‬خاصة‭ ‬واستقبال‭ ‬مغربي‭ ‬ذي‭ ‬سيادة‭ ‬،‭ ‬وطلقة‭ ‬واحدة‭ ‬كانت‭ ‬بإعلان‭ ‬باريس‭ ‬عن‭ ‬فتح‭ ‬قنصليتها‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الصحرواية‭ ‬المغربية،‭ ‬تنضاف‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬المتبادلة‭ ‬في‭ ‬مساق‭ ‬تطوير‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وفرنسا‭ ‬إلى‭ ‬استراتيجية‭ ‬رابح‭ ‬–‭ ‬رابح‭ ‬التي‭ ‬سلكها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬مبادرة‭ ‬الأطلسي‭ ‬لتجسير‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬–جنوب‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬كانت‭ ‬مبادرة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬واضحة‭ ‬وحازمة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطابه‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬الشعب‭ ‬والفاعلين‭ ‬والأحزاب‭ ‬والشركاء‭ ‬والدول‭ ‬الصديقة‭ ‬لتدشين‭ ‬مسار‭ ‬جديد‭ ‬للعلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬مع‭ ‬باقي‭ ‬الدول،‭ ‬وتأكيد‭ ‬حضوره‭ ‬الفعال‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬السلم،‭ ‬واستحضار‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ووقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تمت‭ ‬مناقشته‭ ‬بين‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬وماكرون‭. ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬الفعل‭ ‬الذي‭ ‬سلكته‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬والديبلوماسية‭ ‬الموازية‭ ‬بحسها‭ ‬الاستباقي‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وصيانة‭ ‬الثوابت‭ ‬واستحضار‭ ‬التوازنات‭ ‬والأسيقة‭ ‬الدولية‭.‬

فهل‭ ‬سينجح‭ ‬الخصوم‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬وتعميق‭ ‬الإحساس‭ ‬بوهم‭ ‬وجود‭ ‬صراع‭ ‬خارجي‭ ‬لدى‭ ‬مواطنيهم؟،‭ ‬هل‭ ‬سيسير‭ ‬العالم‭ ‬نحو‭ ‬تجاهل‭ ‬مناورات‭ ‬الجارة‭ ‬واكتشاف‭ ‬من‭ ‬يقرر‭ ‬بقصر‭ ‬المرادية؟

قد‭ ‬تكتفي‭ ‬سلطات‭ ‬الجارة‭ ‬المثيرة‭ ‬للفوضى‭ ‬باجترار‭ ‬مقولات‭ ‬كلاسيكية،‭ ‬والعبث‭ ‬بالممنوعات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬أن‭ ‬السفينة‭ ‬أبحرت‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬رياح‭ ‬أفق‭ ‬مختلف‭ ‬يقوده‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬وفكر‭ ‬خلاق‭ ‬يؤمن‭ ‬بالانتقال‭ ‬من‭ ‬التدبير‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭.‬
 
أستاذ بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة